استراتيجية آلون الإسرائيلية: كيف بدأت وأين أصبحت؟

استراتيجية آلون الإسرائيلية: كيف بدأت وأين أصبحت؟

تحليل وآراء

الاثنين، ٥ فبراير ٢٠١٨

يرى القائد العسكري نابليون بونابرت أن سياسة اي دولة تكمن في أهميتها الجغرافية وموقعها، وانطلاقا من هذا الفكر البونابرتي بدأ القادة الاسرائيليين الأوائل يرسمون خططا لمسيرتهم السياسية والعسكرية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكان السياسي الاسرائيلي إيغال آلون، سباقا لاستخدام هذا الفكر في ستينات القرن الماضي، ولكن هل ما زال الكيان الاسرائيلي يستخدم هذا الفكر أم أصبح طي النسيان؟!.

استراتيجية آلون

تنص هذه الاستراتيجية على نقل المعركة إلى أرض العدو أي المناورة والحركة على الخطوط الداخلية أو بمعنى آخر استراتيجية "الاقتراب غير المباشر"، وكذا الركون إلى عنصر المفاجأة أو المباغتة في العدوان أو الضربة الاستباقية والتي تُفْقد العدو توازنه معتمدةً على الحركة السريعة المفاجئة، وبالتالي لا يكون أمام الدول العربية سوى خيار الدفاع الاستراتيجي.

وكان السياسي والعسكري الاسرائيلي "موشيه دايان" أول من استخدم هذا الأسلوب في 5 يونيو/ حزيران عام 1967، واعتبره الاسرائيليون في ذلك الوقت بطل النصر في حرب 67 إلا أنهم حملوه فشل حرب تشرين عام 1973، علما أنه استخدم استراتيجية آلون في الحربين، إذا ما هي نقاط الضعف في هذه الاستراتيجية ولماذا لا يكتب النجاح لها دائما وما هي الخطط البديلة لدى الكيان الاسرائيلي؟!

أولاً: لايمكن تحقيق هذه الاستراتيجية دون الأخذ بعين الاعتبار مجموعة الاعتبارات التالية:

وجود حالة من ضعف التنسيق العسكري بين الدول العربية التي تطوِّق الكيان الصهيوني من جهة، وبين تلك الدول وبقية الدول العربية من جهة أخرى، أو وجود حالة من التشتت العربي.

الإغراق في القطرية أو بمعنى آخر انكفاء كل دولة عربية على حالتها وقضاياها الداخلية.

 انخفاض المستوى التقني للضباط والجنود العرب مقارنةً بالمؤسسة العسكرية الصهيونية أي التفوق النوعي العسكري للكيان الاسرائيلي.

بعض هذه النقاط قد تكون محقة في الوقت الحالي، لكن لايمكن أن ننسى أن هناك تنسيق عال بين بعض الدول العربية وحركات المقاومة، التي لم تكن بارزة في السابق كما هي الآن، والجميع وحتى الاسرائيلي أصبح على قناعة بأن هذه الحركات هي من يشكل التهديد الأكبر لأمن الكيان الاسرائيلي وخططه التوسعية في فلسطين.

ثانياً: الكيان الاسرائيلي لا يملك عمق استراتيجي ولا حتى موارد طبيعية، ولديه اختلالات في بنيته قد تكون أحد أهم أسباب فنائه، هذه الاختلالات تحمل في غالبيتها طابع اجتماعي وديموغرافي وجغرافي، ولديه أزمة حقيقية بتأمين احتياجاته المائية على المدى الطويل، وبناءا على هذا قال الكاتب المصري محمود عزمي مفسرا استراتيجية الصهاينة بالقول"إن افتقار إسرائيل لعمق جغرافي إستراتيجي، كان له الأثر الأكبر في تحديد معالم الإستراتيجية الهجومية التي تتبعها".

ثالثاً: يعمل الكيان الصهيوني على عدة استراتيجيات عسكرية في الوقت الحالي وفي كل واحدة منها خلل ما، واكثر ما يفرح الكيان الاسرائيلي أن العرب لم يستطيعوا استغلال هذا الخلل إلى حد كبير وإلا لكانت"اسرائيل" الآن في خطر كبير على جميع حدودها وفي عمقها الذي يقطنه غالبية عربية حتى الآن بالرغم من كل عمليات الاستيطان والتهجير، ويعتمد الكيان الصهيوني على ترويج قدراته العسكرية النوعية عبر وسائل الاعلام المحلية والعالمية، والهروب نحو الأمام والتستر على مواطن الخلل التي يمكن ان تهز بنيته في أي لحظة في حال تم ادراكها بشكل جيد والعمل على توجيه ضربة موجعة للعمق الاسرائيلي، كما فعل حزب الله اللبناني الذي حطم فكرة "الكيان الذي لا يقهر" وحول الصهاينة في حرب تموز 2006 إلى اطفال صغار يشاهدون فيلم رعب.

وشكلت حرب تموز بالإضافة إلى حرب اكتوبر 73 وحرب لبنان الثانية، التحول الأبرز في الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية، لأن معاملة الكيان بنفس الاستراتيجية الخاصة به والتي تعتمد على عنصر المباغتة والمفاجأة قد تجعله يتزلزل خلال أيام معدودة من الحرب وقد استخدم هذا الأسلوب في الحروب التي ذكرناها أعلاه.

استراتيجية آلون تنهار

نشرت صحيفة "يديعوت آحرونوت" العبرية  تقريرا قالت فيه أن وزير الجيش الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، قرر تشكيل ما يشبه سلاحا جديدا لصواريخ أرض/ أرض. ورأت الصحيفة في صدر صفحاتها أمس السبت أن هذه الصواريخ ستأتي برد ناجع وسريع في حالات يصعب على سلاح الجو القيام بذلك.

هذا الكلام يحمل في طياته انكسار واضح لاستراتيجية آلون، التي تعتمد في أجزاء منها على نقل المعركة إلى أرض العدو، ولكن على ما يبدو أن ما حدث في حرب تموز قد غير المفاهيم الاستراتيجية في كيان الاحتلال إلى غير رجعة، حيث تمكن حزب الله في هذه الحرب من توجيه ضربات موجعة لجنود الكيان الصهيوني وإدخال الرعب إلى نفوسهم عندما حاولوا نقل المعركة إلى داخل الحدود اللبنانية، حيث قُتل عشرات الجنود وتحطمت عشرات الدبابات "الميركافا" والتي كان يتغنى الجيش الاسرائيلي بقوتها في ذلك الوقت، وبعد هذه الحرب لمح حزب الله إلى أنه في حال حدثت حرب جديدة فإن مقاومي الحزب سيدخلون إلى عمق الأراضي الفلسطينية ومن الممكن أن يحرروا الجليل وهذا ما ارعب الاسرائيلي الذي كان هو من يتبع هذه الاستراتيجية فيما مضى.