ماذا لو فقدت روسيا صبرها إزاء هجمات أمريكا في سورية؟

ماذا لو فقدت روسيا صبرها إزاء هجمات أمريكا في سورية؟

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٦ فبراير ٢٠١٨

بعد إسقاط المقاتلة الروسية بصاروخ "استينغر" أمريكي قرب مدينة إدلب، ورغم محاولة واشنطن التنصل من هذا الهجوم، هناك الكثير من القرائن والشواهد التي تشير إلى تورط القوات الأمريكية بشكل مباشر أو غير مباشر في هذا الاعتداء.
فهذا الهجوم حدث بعد وقت قصير من تغيير واشنطن لسياستها على الصعيدين السياسي والعسكري في سورية والتي نجم عنها أيضاً تغيير نمط التعامل مع القوات الروسية المتبقية في سورية.
 
وقامت القوات الأمريكية خلال الأسابيع الأخيرة بشنّ عدّة هجمات استهدفت قاعدتين روسيتين في "طرطوس" و"حيميم" السوريتين، وشاركت في هذه الهجمات طائرات بدون طيار مجهزة بصواريخ ومواد متفجرة ذات قدرة تدميرية عالية. 
 
وأكدت موسكو أن طائرات أمريكية متطورة شاركت في هذه الهجمات، مشيرة إلى أن القوات الروسية قامت برد سريع على هذه الاعتداءات. كما أكدت موسكو في بيان أن واشنطن تشنّ حرباً دعائية واسعة النطاق بهدف تشويه سمعة روسيا على الساحة الدولية وتقويض الجهود الرامية إلى التوصل لتسوية سلمية في سورية.
 
ومن الإجراءات الأخرى التي أعلنت عنها واشنطن أنها بصدد تشكيل قوة من 30 ألف عنصر من القوات الكردية في شمال سورية، وهذا الأمر هو الذي دفع تركيا لشن عمليات عسكرية في هذه المنطقة حملت اسم "غصن الزيتون".
 
وعلى الصعيد السياسي وفي محاولة منها لإفشال قرارات مؤتمر "سوتشي" الذي عقد برعاية روسيّة بالتنسيق مع إيران وتركيا للتوصل إلى تسوية للأزمة السورية امتنعت أمريكا من المشاركة في هذا المؤتمر، كما منعت بعض أطراف المعارضة السورية من حضور المؤتمر، خصوصاً الأطراف المرتبطة بالسعودية. وسعت واشنطن أيضاً لعرقلة نتائج مؤتمر "سوتشي" من خلال محاولة الطعن بقراراته رغم مشاركة الأمم المتحدة في جلسات هذا المؤتمر.
 
هذه المعطيات وغيرها تعزز الاعتقاد لدى المراقبين بأن القوات الأمريكية هي التي خططت ونفذت الهجمات التي استهدفت القواعد الروسية في سورية بشكل مباشر أو غير مباشر في إطار تحالف ثلاثي يضم بالإضافة إلى واشنطن كلاً من الرياض وتل أبيب، والذي يسعى لإسقاط الدولة السورية وإضعاف محور طهران - موسكو وقوى المقاومة في عموم المنطقة.
 
وتجدر الإشارة إلى أن الاستراتيجية الأمريكية الأمنية والعسكرية الجديدة التي أعلنها الرئيس "دونالد ترامب" قبل مدة أشارت بوضوح إلى أنها تهدف إلى مواجهة قوة روسيا في مناطق متعددة من العالم ومن بينها الشرق الأوسط، وسورية على وجه التحديد.
 
ويعتقد البعض بأن الكثير من تحركات أمريكا السياسية والعسكرية في الوقت الحاضر في سورية ومناطق أخرى من العالم تستهدف أيضاً التأثير على الانتخابات الرئاسية في روسيا المقررة في 18 مارس/آذار المقبل.
 
والتساؤل المطروح: ماذا لو فقدت روسيا صبرها إزاء هجمات أمريكا في سورية؟
 
للإجابة عن هذا التساؤل لابدّ من الأخذ بنظر الاعتبار حقيقة أن موسكو لاتريد التصعيد مع واشنطن، وتسعى لنزع فتيل أي أزمة معها ليس من باب الخشية من قوة أمريكا؛ بل من أجل تفويت الفرصة على الإدارة الأمريكية التي تسعى لتحقيق مكاسب عسكرية لصالح حسابات سياسية آنيّة، الأمر الذي تمكنت روسيا من إحباطه وتطويق آثاره المدمرة حتى الآن من خلال التحلي بالحكمة والصبر، دون نسيان التلويح بإمكانية استخدام القوّة لردع أمريكا في حال أصرت الأخيرة على هذا النهج التصعيدي الذي يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم بأسره.
 
في هذا السياق أكد الخبير الاستراتيجي الروسي "ألكسندر خرامتشيخين" إن أي مواجهة عسكرية بين روسيا وأمريكا تعني أن الأخيرة ستواجه مشاكل كبيرة في الداخل، خاصة فيما يتعلق بمواجهة هجمات إلكترونية تستهدف منشآتها الاستراتيجية وأنظمة الاتصال، وهو ما يهدد نظام الدعم اللوجستي لقواتها العسكرية أثناء الحرب ويضعف جبهتها الداخلية.
 
ومن الواضح أن واشنطن لم تتخلى عن أهدافها في سورية، وأهم هذه الأهداف محاولة إسقاط الدولة السورية عن طريق دعم الجماعات الإرهابية، ومما لاشكّ فيه أن الضربات الجوية الروسية أدت إلى هزيمة هذه الجماعات وفي مقدمتها "داعش" وهذا ما أدى إلى غضب أمريكا والدول الغربية والإقليمية الحليفة لها. وأثبتت روسيا أنها لاعب هام جداً على المستوى الدولي، بينما تعودت أمريكا التصرف بأحادية القطب منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في مطلع تسعينيات القرن الماضي.
 
ويمكن القول أن اقتراب القوات الروسية والأمريكية من المواجهة خلال الأسابيع الأخيرة يعود سببه إلى تباين أسباب دخول كل من موسكو وواشنطن ساحة الحرب السورية، وهذا التباين والاختلاف متعدد الأوجه سواء في السياسات أو النوايا أو الأهداف. فروسيا تسعى إلى القضاء نهائياً على الجماعات الإرهابية لسحب ذريعة التدخل من يد أمريكا، فيما تحاول الأخيرة تأجيج الأوضاع كي تستمر الأزمة وتتمكن من تنفيذ مخططاتها في سوريا والمنطقة برمتها. وفي هذا الإطار أكد رئيس لجنة شؤون الدفاع والأمن في مجلس الشيوخ الروسي "فرانس كلينتسوفيتش" إن أمريكا ومن خلال إعادة تنظيم صفوف الإرهابيين الفارّين من سورية تسعى إلى تكرار سيناريو حرب أفغانستان في الثمانينيات ضد الروس وتدريب الإرهابيين من أجل ذلك.