ساعة الحساب العسير آتيـــة.. بقلم: بسام هاشم

ساعة الحساب العسير آتيـــة.. بقلم: بسام هاشم

تحليل وآراء

الجمعة، ٩ فبراير ٢٠١٨

لا تبعث إلا على نوع من السخرية المكتومة تلك العربدة التي بات يُدمن عليها نتنياهو. هو يعرف في قرارة نفسه أن قواعد اللعبة تغيّرت، وأن الصراع بدأ يشق، منذ إعلان الحرب على سورية، مسارات مغايرة ونوعيّة. لقد تمكّنت سورية من تحديث منظوماتها الدفاعية بشكل جذري، واكتسبت القوات المسلحة السورية مهارات وخبرات قتالية وعملياتية من صلب وطبيعة الحرب المقبلة، علاوة على أن تحوّلات واصطفافات الحرب على الإرهاب بلورت سياقات وتحالفات سياسية وأمنية شبه نهائية في مواجهة سياقات وتحالفات الإرهابين التكفيري الوهابي والتلمودي الصهيوني، اللذين عملا طيلة السنوات الماضية، وسوف يستمران بالعمل معاً، كامتداد واحد ولخدمة أهداف مشتركة، طالما أن المعركة مفتوحة وقائمة، وطالما أنها لم تنته بانتصار كامل.
 
يدرك نتنياهو أنه يعربد في الوقت الضائع، وأن ساعة الحساب العسير لا ريب آتية، بل وأقرب من أي وقت مضى، وأن الطوفان سوف يجرف معه كل تلك العروض والترهات والتحالفات الطارئة والظرفية التي يتوهّم – ويتوهّمون – أنها ستغيّر خارطة الشرق الأوسط، وتقلبها رأساً على عقب، بل وأن ضريبة الخداع الاستراتيجي ستكون باهظة ومزدوجة، وأكثر بكثير مما دفع، وسيدفع، حليفاه الأساسيان في تركيا والسعودية، ذلك أن الحرب على سورية، ومخطط تقويضها وإبادتها، مكّنا حقاً من تقطيع أوصالها لفترة عابرة ومؤقتة، ولكن الصحيح في النهاية أنه أعاد موضعتها بكامل قوتها في منظومة متكاملة، إقليمية ودولية وعالمية، لمقاومة كل أشكال الاحتلال، ومواجهة مختلف القوى والأنظمة الرجعية، والتصدّي لسائر مشاريع التبعية والاستلحاق والعمالة، بل والخندق الأول في أية مواجهة محتملة قادمة.
 
حتى اليوم، لا تعدو عدوانات نتنياهو كونها نوعاً من اختبارات ردة الفعل، أو محاولات لجس النبض تحت النار، على أمل جر السوريين إلى الكشف عن حقيقة وأبعاد ما بحوزتهم من عناصر وعوامل القوة. إنه يستعجل الحسم في موضوع تشغيل المجموعات الإرهابية، لجهة الاستمرار به وتوسيعه أو التخلّص منه، قبل أن يحسم في موضوع خيارات “إسرائيل” الأمنية الاستراتيجية مع قرب الإعلان عن انتصار محور المقاومة؛ فالاستدراجات السعودية والخليجية لا تزال غير مقنعة رغم كل ما تحاط به من ضجيج دعائي، وهي تكاد تكون عبئاً من طرف واحد، كما أن الدعم الترامبي مثقل بالرهانات المتعرّجة وتحفّه أسوأ المحاذير والتوقّعات، علاوة على أنه سيبقى محكوماً دائماً بالتقلّبات الشخصية والمزاجية السوداوية. يطلق نتنياهو صواريخ من دولة مجاورة في محاولة لإسماع صوته بعد أن لم يجد من لم يأخذه على محمل الجد في موسكو، وهو سيستمر في إطلاق ألعابه النارية طالما يدرك أن الجهد الرئيسي للقوات المسلحة السورية، والحلفاء، لايزال يصب في مواجهة عصابات التكفير الإرهابية، حليفه الموضوعي على الأرض، أينما وجدت، وفي كافة البؤر والمناطق، والذراع الميدانية لحلفائه السياسيين في الرياض والدوحة وأنقرة وواشنطن.
 
ولكنها صواريخ خلبيّة على كل حال، على الأقل من الناحية العملياتية.. ألعاب نارية لم تُحدث حتى الآن إلا صدى إعلامياً خافتاً بات يكاد لا يذكر بين العناوين الرئيسية. وهي إن كانت تحيل إلى خلاصة محددة فهي أن نتنياهو يعيش أسير بؤسه الاستراتيجي وأوهامه الماضوية، تماماً مثل هذا الشرق الأوسط القديم بمعادلاته وتوازناته البائدة والمتآكلة، والتي سيبقى نتنياهو وحلفاؤه الموعودون عاجزاً عن استيعاب متغيّراتها وتحوّلاتها إلى أن تكنسه في ربيعها الحقيقي الذي يضرب بعنف وقوة، وإلى غير رجعة هذه المرة.