سورية تردع «إسرائيل» جنوباً وتحبط سيناريو أميركياً ـ تركياً شمالاً

سورية تردع «إسرائيل» جنوباً وتحبط سيناريو أميركياً ـ تركياً شمالاً

تحليل وآراء

الخميس، ٢٢ فبراير ٢٠١٨

معن حمية
ليس خافياً أنّ مؤتمر سوتشي للحوار السوري ـ السوري، جعل دمشق تُمسك مع حلفائها، بناصية الحلّ السياسي، وأفقد الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها رعاة الإرهاب هامش المناورة السياسية، الذي كان يرتكز على ما يسمّى معارضات سورية، كورقة وذريعة.
والواضح، أنّ مؤتمر سوتشي الذي دعت إليه روسيا الاتحادية جاء في توقيت بالغ الأهمية، فهو انعقد في لحظة تطبيق سيناريو الافتراق الشكلي بين واشنطن وأنقرة، وفي ظلّ الخلاف المستحكم بين الرياض والدوحة، ما انعكس افتراقاً حادّاً بين المعارضات السورية، المنقسمة في ولاءاتها بين هذه الدولة أو تلك. وعليه، فإنّ مؤتمر سوتشي شكّل عامل ضبط وحدّد سقوفاً لمسار الحلّ السياسي، في جنيف أو غير جنيف.
هذا التطوّر على المسار السياسي، واكبته تطوّرات ميدانية تمثلت بتحقيق الجيش السوري وحلفائه إنجازات مهمّة في الحرب ضدّ الإرهاب، ما وضع الولايات المتحدة أمام تحدّ صعب، فإما التسليم بما فرضته التطوّرات السياسية والميدانية، وهذا بمثابة تسليم بهزيمة مشروعها في سورية، وإما أن تلجأ إلى التصعيد، وهذا ما حصل.
خيار التصعيد الذي لجأت اليه واشنطن، وهي التي تقود حلفاً دولياً بذريعة محاربة الإرهاب، دفع بها إلى الكشف مواربة عن طبيعة أهدافها في سورية، وأنها لا تحارب «داعش»، كما تزعم، بل توفر الدعم لهذا التنظيم الإرهابي ولغيره من التنظيمات الإرهابية، فالإرهاب برمّته هو ضالة واشنطن لتحقيق مخطّطاتها ومشاريعها، والتحوّل إلى قوّة احتلال مباشر لمناطق سورية ذات موقع استراتيجي وغنية بالموارد والثروات النفطية.
منذ بدء الحرب على سورية، كانت الولايات المتحدة هي الطرف الرئيس الذي يقود هذه الحرب، لكنها على مدى السنوات السبع الماضية، كانت تدفع بحلفائها إلى الواجهة، لا سيما تركيا و«إسرائيل» وبعض العرب، أما اليوم فتجد نفسها مضطرة لأن تكون هي في الواجهة والمواجهة، بعد أن فشلت القوى والأدوات التي أسندت إليها مهمة إسقاط الدولة السورية.
في المواجهة المباشرة لن تكون أميركا وحيدة ومنفردة، فإلى جانبها حلفائها وأدواتها كافة. وهي حين قرّرت أن ترفع وتيرة التصعيد، أوكلت هذه المهمة الى العدو الصهيوني الذي شنّ غارات استهدفت مواقع سورية، غير أنّ سورية واجهت هذا العدوان بمعادلة ردع من العيار الثقيل، باعتراض الصواريخ «الإسرائيلية» وإسقاط طائرة أف 16 أميركية الصنع.
معادلة الردع السورية بوجه «إسرائيل»، أعادت حصر الدور «الإسرائيلي» في إطار تقديم الدعم التسليحي واللوجستي للمجموعات الإرهابية، ولذلك لم يكن هناك بدّ من عودة واشنطن إلى ذرائع استخدام سورية الأسلحة الكيميائية، وحصار المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها المجموعات الإرهابية، ولهذا الغرض تحرّكت ماكينتها الدعائية، بدءاً من الأمم المتحدة التي طالبت بهدنة لمدة شهر تحت ذريعة إدخال المساعدات لمناطق المجموعات الإرهابية وتحديداً في الغوطة الشرقية، وصولاً الى الدول التي اتخذت من السلاح الكيماوي المزعوم سبباً للتهديد بتوجيه ضربات تستهدف سورية، وخصوصاً فرنسا. عدا عن الأصوات التي تماهت مع هذا التصعيد وبالذرائع الآنفة الذكر ذاتها. ومن هذه الأصوات أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط الموضوع بالتصرّف، «غبّ الطلب» الأميركي.
غير أنّ كلّ ما تقوم به الولايات المتحدة ليس كافياً لفرض أجندتها، فهي لا تواجه خط صدّ سوري وحسب، بل تواجه خطوط صدّ عديدة، يشكلها حلفاء سورية، لا سيما روسيا الاتحادية، التي تقف بحزم ضدّ تمرير أيّ قرار في مجلس الأمن الدولي تستند إليه الولايات المتحدة لتحقيق أهدافها.
أمام خطوط الصدّ الآنفة الذكر، قرّرت واشنطن إنهاء الافتراق الشكلي مع تركيا، فأتت زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون الى أنقرة في هذا السياق، وللقيام بخطوات وإجراءات مشتركة ومنسّقة، تضمن إنشاء مناطق سيطرة لكليهما في شمال شرق وشمال سورية، وذلك من خلال اعتماد سيناريو خطير اتفق الجانبان الأميركي والتركي على تنفيذه، ويقضي بأن تتخلّص أميركا من عبء العناصر الكردية التي تشكّل عصب ما يسمّى «قوات سورية الديمقراطية» بدفعهم الى منطقة عفرين السورية في مواجهة الأتراك، وتقديم كلّ أشكال الدعم والمؤازرة لتركيا لإيقاع هذه العناصر التي تصنّفها تركيا مجموعات إرهابية في فخ الإبادة الجماعية، ومن ثم السيطرة على عفرين وإقامة الحزام الأمني التركي!
غير أنّ هذا السيناريو الخطير لم يعُد متاحاً بعد أن قرّرت الدولة السورية بسط سيطرتها على منطقة عفرين لتكون بمواجهة الهجوم التركي. وهذا ما أربك المسؤولين الأتراك وقد خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليعلن أنّ القوات السورية التي دخلت عفرين عادت وانسحبت بعد توجيه ضربات تركية لها. وهو الأمر الذي نفته سورية من خلال بثّ صور ومشاهد تظهر القوات الرديفة للجيش السوري في منطقة عفرين.
وعليه، فإنّ مشهد المواجهة اليوم، قد يكون الخطوة الأخيرة على طريق الحسم. ففي السياسة لم يعُد حلف رعاة الإرهاب يمسك بأوراق للمناورة، وفي الميدان هناك خطوات سورية ومن قبل حلفاء سورية تبدو حاسمة، إنْ لجهة منع تقدّم الأتراك باتجاه عفرين لاحتلالها، أم لجهة الحسم في الغوطة الشرقية، سواء عبر تكرار سيناريو حلب كما صرّح وزير الخارجية الروسي، أم من خلال القضاء على المجموعات الإرهابية في هذه المنطقة، والتي تشكل تهديداً يومياً لحياة المدنيين والأطفال في مدينة دمشق.