الغوطة الشرقية والتحريض بالدم.. بقلم: حسن عبد الله

الغوطة الشرقية والتحريض بالدم.. بقلم: حسن عبد الله

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٣ فبراير ٢٠١٨

في اليومين الماضيين إحتدمت الصحف والتلفزيونات الخليجية ومثيلاتها الغربية ولا سيما الفرنسية والبريطانية، بالإستغاثات نصرة للغوطة الشرقية، فدبّجت عناوينها بأفظع أوصاف لما يحصل في تلك المنطقة.
“الغوطة الشرقية تغرق بدماء أبنائها”. “قصف هستيري لا يفرق بين صغير وكبير”. “الأمم المتحدة تحذر من كارثة إنسانية”. “جريمة حرب ترتكب ضد المدنيين”. هذه أمثلة على ما يروج، بحيث لم تتورع تلك الوسائل، المفترض أن تكون إعلامية وليس تحريضية، عن الإيحاء بأن جريمة ضد الإنسانية ترتكب على يد النظام السوري، لتسارع سلطات فرنسا إلى التلويح بالتدخل، وتلتهب الديبلوماسية الغربية بالحنان والعطف على السوريين، وتتحرك ماكينة سياسية إعلامية غربية هائلة جل هدفها تصوير المنطقة التي تعج بآلاف الإرهابيين كمنطقة سكنية صافية مهددة بحصول فاجعة إنسانية.
كل التقارير التي أوردتها وسائل الإعلام تلك والتي تتبناها السلطات السياسية في الدول المعادية لسوريا، صدرت من غرف الإعلام التابعة للإرهابيين مثل النصرة وجيش الإسلام وفيلق الرحمن ونور الدين زكني وأحرار الشام، وسواها من منظمات يجمع بينها التطرف والارتباط بدول إقليمية وغربية، إذ لا يتوفر لوسائل الإعلام المذكورة أي نوع من المراسلين الشرعيين أو الثابتين في تلك المنطقة، اللهم إلا ما ينقله المرصد السوري لحقوق الإنسان المناوئ للدولة السورية عبر “شهود عيان” هم في حقيقة الأمر مسلحون يعملون لقاء أجر.
حملة إعلامية وسياسية محمومة إنطلقت لتجريم الجيش السوري ورفع الحواجز الأخلاقية والحقوقية أمامه، لمنعه من إستكمال معركته لإجتثاث الإرهابيين في الغوطة الشرقية الذين أثبتوا مرات كثيرة إنسياقهم في مشروع إنتحاري – تدميري بحيث رفضوا مشاريع وقف نار كثيرة وإمتنعوا عن التجاوب مع كل المشاريع التي عرضت عليهم لوقف حمام الدم وترك السلاح عبر صيغ متعددة. والواضح أن الحملة المذكورة تزامنت مع تراجع مشروع إدانة سوريا مرة جديدة بإستخدام الأسلحة الكيميائية، فكان لا بد من وسيلة أخرى لفتح الجبهة عبر إفتعال أزمة أخلاقية إنسانية وتحويلها إلى قضية أممية للنيل من حكومة دمشق وتجويف مشروعها لتحرير الغوطة الشرقية.
صحيح أن ما جرى ويجري حالياً في الغوطة الشرقية تجاوز مستوى المواجهات السابقة، ويلامس يوماً بعد يوم، حرباً طاحنة لم يعد تفاديها ممكناً، بعد تحول بلدات هذه المنطقة إلى بؤر تهديد ومنطلق هجمات دموية تستهدف العاصمة السورية، لا سيما أن المسلحين فيها إتخذوا قراراً بتحويل حياة أهالي دمشق إلى جحيم يومي بالقصف الصاروخي العشوائي الذي يحصد عشرات الأرواح كل يوم. ولأن المعارك الدائرة تتوسع وتتصاعد، لا يمكن إلا النظر بأسى بالغ للخسائر في صفوف المدنيين الواقعين تحت أسر الإرهابيين الذين أثبتوا، غير مرة، وحشيتهم حين حولوا المجموعات السكانية إلى دروع بشرية، وسجنوا في الماضي القريب العشرات من أفرادها داخل أقفاص ملاصقة لمقارهم ومراكزهم العسكرية والسياسية للحؤول دون تعرضها للقصف، من دون أن يثير هذا العمل الإجرامي قلق دول الغرب أو المنظمات التابعة لها.
الملفت والمريب في حفلة الندب الغربية – الخليجية على أطفال الغوطة الشرقية خلوها من أي إشارة إلى مسؤولية أعتى وأعنف الجماعات الإرهابية عن تحويل أحياء الغوطة إلى مقار عسكرية ومخازن سلاح وذخيرة. يغض هذا الإعلام الطرف عن الجرائم التي ترتكبها العصابات المتناحرة داخل الغوطة، وتطاحنها على مقاليد السلطة ومقدرات الناس المأسورين لا حول لهم ولا مجير. ويتناسى هذا النوع من الإعلام، حفلات القتل اليومي التي تنفذها مجموعات المسلحين بحق الأحياء الدمشقية من دون أي مبرر عسكري.
توضيحاً للصورة لا بد من القول إن الجماعات المسلحة والشبكة الإعلامية التي تقف وراءها، نجحت في تحويل الغوطة الشرقية إلى محور إهتمام وتعاطف الإعلام الغربي ودوائر القرار الغربية التي تحتاج من حين إلى آخر هذا النوع من التحريض والتهويل لتبرير إنحيازها وعدائها للدولة السورية.
في مطلق الأحوال، من المتوقع أن تتسع دائرة التحريض إنطلاقاً من الغوطة ضد دمشق، مع توجه الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها العرب والأوروبيين لمنع ترجمة الإنجازات العسكرية الكبيرة التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه في محور المقاومة في أي إنجاز سياسي على شاكلة مؤتمر سوتشي الأخير.
معسكر واشنطن الذي يلعب على ورقة تقسيم سوريا عبر إنشاء القواعد المريبة شرق الفرات، سمح بخلخلة الشمال السوري عبر الطرفين الكردي والتركي وما تربطه بهما من علاقات قوية. الأميركي يحتاج إلى مطرقة ثقيلة يرفعها فوق رأس دمشق، وبالتالي موسكو، حتى ولو كانت مغمسة بدم السوريين في الغوطة الشرقية أو في شوارع الشام.