التصعيد الأميركي الإيراني إلى أوجه.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

التصعيد الأميركي الإيراني إلى أوجه.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الجمعة، ٢ مارس ٢٠١٨

طبعت حالة التوتر العلاقة الأميركية الإيرانية منذ انتصار الثورة الإسلامية في شباط من العام 1979، ثم تصاعدت مع قيام مجموعة من الطلبة الإيرانيين باحتجاز 52 موظفاً في السفارة الأميركية في طهران في العام 1980، تلك الحادثة التي أسقطت الرئيس جيمي كارتر في مواجهة خصمه الجمهوري رونالد ريغان، ولم يطل الوقت بواشنطن لكي تحدد سمت التوجه الإيراني الجديد، وفي السياق اكتشفت أن حالة العداء الإيراني لأميركا هي أمر تفرضه طبيعة النظام الجديد وهي خارجة من صلبه لا من أطرافه، لكن على الرغم من ذلك فإن واشنطن لم تسع إلى مواجهة مباشرة مع طهران بل فضلت المواجهة بالوكالة ولذا فإن الأهداف الأميركية في ذلك السياق لم تصل في يوم من الأيام إلى حدود العمل على إسقاط النظام الإيراني كما فعل الرئيس دوايت أيزنهاور عندما قامت CIA في العام 1953 بدعم الجنرال زاهدي لإسقاط حكم رئيس الوزراء محمد مصدق، والمؤكد هو أن الإحجام الأميركي عن تكرار السيناريو السابق كان ناجماً عن إدراك حجم واتساع القاعدة الشعبية التي يتمتع بها نظام الثورة فـCIA نفسها كانت قد أكدت في أحد تقاريرها أن المتظاهرين يومي 10 و11 من العام 1978 كانوا يمثلون 10 بالمئة من مجموع السكان العام وهي نسبة لم يبلغها أي من الثورتين الفرنسية أو الروسية.
مارست واشنطن إبان الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988 سياسة الاحتواء المزدوج لطرفيها إلا أنها أبقت عينها على الداخل الإيراني وإمكان إحداث تحولات فيه، وربما اعتقدت أنه كانت لها اليد الطولى في إيصال الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي إلى سدة السلطة في طهران العام 1997 وهو الحدث الذي قسم المجتمع الإيراني إلى ثنائية الإصلاحيين والمحافظين التي لم تزل حاكمة للمشهد السياسي إلى اليوم، وما يلاحظ في تلك المرحلة هو أن واشنطن كانت قد تجاوزت سياسة النأي بالنفس عندما حدثت تظاهرات 1999 لمصلحة تدعيم نظام خاتمي، وكانت السمة البارزة لتلك المرحلة هي التقاربات بين طهران وواشنطن ما قبل غزو العراق، إلا أن الأخيرة أخطأت في تقدير المكاسب الإيرانية بعد سقوط بغداد وفائض القوة الذي باتت تشعر به طهران وهو ما دفع بوصول المحافظين إلى سدة السلطة جراء شعور عميق يرى أن الداخل يسمح بمكاسب أكبر إذا ما تشدد هذا الأخير في مواجهة الخارج، فكان وصول محمود أحمدي نجاد إلى السلطة في عام 2005.
على الفور اتخذ هذا الأخير قراراً في آب من ذلك العام، باستئناف تخصيب اليورانيوم، لكن وعلى الرغم من احتدام التوتر السياسي والإعلامي الذي خلفه هذا القرار الأخير إلا أن واشنطن لم تذهب إلى معركة كسر عظم مع النظام وعندما حدثت احتجاجات «الثورة الخضراء» في العام 2009 كانت واشنطن نفسها، وبعيداً عن الخطاب الإعلامي، قد أرسلت عبر القناة البريطانية رسالة إلى طهران مفادها أنها لا تراهن على ما يمكن أن يؤدي إليه الحراك الدائر في البلاد، فقد كانت «ثعلبية» باراك أوباما ترى أن التوصل إلى اتفاق مع إيران هو أمر ستكون له تداعيات خطرة على الداخل الإيراني وهو يمثل المصلحة الأميركية العليا وفي هذا السياق كان اتفاق فيينا في تموز2015، وكان رهان أوباما هو على حدوث غزو من الداخل الإيراني من شأنه أن يؤدي إلى حالة انقسام مجتمعية تدفع بأحد طرفيها إلى التصادم مع النظام والتلاقي مع الخارج المعادي.
هذه السياسة هي التي أثمرت احتجاجات في 28 كانون الأول الماضي قبيل أن تكون هناك آثار تذكر لسياسات دونالد ترامب التي جاءت مغايرة تماماً لسلفه، وتلك الأحداث كانت لها أبعاد داخلية مهمة انطلاقاً من أنها اندلعت من أوساط المهمشين والفقراء كما لعبت فيها أحداث فساد دوراً مهماً، ومتظاهرو طهران، مثلاً، كانوا مدفوعين بتضررهم من مشروعات سكنية كان متعهدوها قد أعلنوا عن إفلاسهم وضياع حقوقهم.
الغريب هو أن المفكر الأميركي فرنسيس فوكوياما كان قد قدم تحليلاً مدهشاً لم يسبق أن اقترب منه أحد، فقد قال في محاضرة له في دبي 22 شباط الماضي: إن الاحتجاجات كانت بالدرجة الأولى بفعل عوامل المناخ وبفعل النتائج السياسية لظاهرة الاحتباس الحراري، وقد يكون كل ذلك صحيحاً إلا أن ثمة أيادي خارجية كانت تعمل في أكثر من اتجاه وهي ضالعة في تلك الأحداث والمؤكد هو أنها كانت تعمل بإشراف وتوجيه CIA، التي كان من بينها اتهام مسعود بارزاني بالضلوع في تلك الأحداث، الأمر الذي يطرح ربما للمرة الأولى منذ 39 سنة احتمال أن تكون واشنطن قد اتخذت قراراً بإسقاط النظام الإيراني حتى بات ذاك الأمر يمثل المحور الأساس للسياسات الأميركية الراهنة في المنطقة، وذاك أمر ستكون له تداعياته غاية في الخطورة على المنطقة برمتها إذا ما كان صحيحاً.
المشكلة الكبرى أن فوضوية ترامب يمكن لها أن ترجح إمكان اعتماد سيناريو كهذا بغض النظر عن التداعيات وفيه ستكون هذي الأخيرة واحدة، سيان بين أن يفشل أو ينجح ذلك السيناريو من حيث تأثيراتها.