أثرياؤنا الجدد..و جذوة "التشفّي الاستهلاكي" ؟؟!

أثرياؤنا الجدد..و جذوة "التشفّي الاستهلاكي" ؟؟!

تحليل وآراء

الأحد، ٤ مارس ٢٠١٨

الخبير السوري – ناظم عيد
 
دخلت سيرة "الأثرياء الجدد" للتو إلى مضمار التداول بصوت عالٍ  في وسائل الميديا بأنواعها بما فيها الإعلام الرسمي الذي شرع بمقاربات واضحة للظاهرة. و أياَ كان وازع الطرح لا نملك إلّا أن نعترف بقدر غير قليل من الموضوعية التي تملي بحث هذا الملف بهدوء بعيداً عن نزعات التشفّي والقذف وهذه بالتأكيد ليست مهمة وسائل التواصل الاجتماعي غير المسؤولة ولا مخاتير الأحياء وجلسات النميمة في الأرياف البعيدة بل ثمة مسؤولية رسمية لا بد أن تضطلع بها الدولة لتخطيط مآل ثروات الأثرياء الجدد والقدامى على حدّ سواء.
 
فأموال أثرياء الحرب لا تختلف بمصادرها عن أموال أثرياء السلم والاستقرار و إن اختلفت الأدوات والوسائل والتوقيت. وربما يكون من الحكمة ألّا نذهب بعيداً في خيارات المعالجة و نجنح باتجاه فكرة المساءلة والمحاسبة التي تبدو الأسهل طرحاً والأصعب تطبيقاً على الأقل في المدى المنظور رغم أنها واجبة وضرورية من وجهة النظر القانونية والأخلاقية  لكن براغماتية البعد الاقتصادي لمفهوم الثروة تفرض نفسها بقوة هنا  في فضاء خصوصية الظرف الصعب وتأخذنا إلى ضرورة التفكير بمطارح استثمارية وتوظيفات مجدية لكل هذه الثروات والقاعدة الفقهية تؤكد أن "الضرورات تبيح المحظورات" وبمقاربة المعنى والدلالة لا يبدو مثل هذا الطرح استثنائياً أو غير واقعي في اشأن الذي نحن بصدده.
 
فالإصدار النقدي الكلّي هو ثروة  مالكها الدولة أما حائزيها فهم أفراد ومؤسسات  بالتالي الثري هو حائز وليس مالك وقد منع القانون السوري اكتناز المال في مخابئ مظلمة وحجبه عن الفعل الاستثماري فإما إيداعات مصرفية أو توظيفات ظاهرة ماخلا ذلك فهو مخالفة تستوجب المساءلة رغم أن الوقائع تؤكد أنّ أحداً لم يُسأل بسبب أمواله المخبأة في الوسادة أو "تحت البلاطة" كما درجت العادة لدينا نحن السوريين.
 
الآن بات في حوزة أثريائنا الجدد كتل نقدية كبيرة من الصعب تقدير حجمها  وهي مخبأة لأسباب تتعلق بالخوف من المساءلة.  لكن السبب الأهم هو أنهم لا يجيدون استثمارها بالتالي توجهوا إلى حيث "الاستهلاك التعويضي" تحت وطأة ردّات الفعل وثمة وقائع جديرة بالمتابعة فعلاً ..قصور وفلل وسيارات فارهة ..وهذا ينطوي على ضياعات خطيرة في الفرص وهدر لأموال وثروات من الملحّ أن نضع له حداً ليس بطرق بوليسية بل عبر الإرشاد الاستثماري وعرض خيارات توظيف ذات بعد تنموي تزج هذه الأموال في ميدان التنمية الحقيقية  وتحولها عن مسارات الترف والاستعراض التي تتوعد نسيجنا الاجتماعي بـ "رضوض طبقية" ومفارقات قد لا تكون نتائجها حميدة.
 
الحالة شبه طارئة تستوجب تحركاً رسمياً سريعاً  ولعل المداخلة الناجعة على هذا الملف غير التقليدي تبدأ بعرض خيارات فرص استثمارية "دسمة" في ذات المناطق والمجتمعات التي ينتمي إليها حائزو الأموال الجدد و إلزامهم – نكرر إلزامهم – بضخ الأموال فيها  وتشغيل العمالة المعطلة ثم تكليفهم ضريبياً و إخضاعهم لكامل منظومة الالتزامات التي يخضع لها أي مستثمر.
 
قد يستهجن بعضنا مثل هذا الطرح  تحت عناوين مختلفة ليست غائبة عن أذهاننا  لكن دعونا نعمل بذهنية التاجر لا بعقلية "القديسين"  لأن أدبيات الاقتصاد والتنمية لا تكترث كثيراً للدعاء والتوسل وقد علمتنا الدروس أن رجل الأعمال الناجح هو الذي يستنتج أن ناتج جمع 1 + 1 = 11 وليس إثنان.