الزيادان والغوطة... عمالة بحجم وطن .. بقلم: د. رائد المصري

الزيادان والغوطة... عمالة بحجم وطن .. بقلم: د. رائد المصري

تحليل وآراء

الاثنين، ٥ مارس ٢٠١٨

بهدوء… ومن دون الدخول في تفصيل الأحداث والتحقيقات وزواريبها التي تُخفي وراءها كمّاً هائلاً من سموم التآمر والعمالة لمجرّد البحث والنّقاش والتقييم الذي صار على كلّ لسان، سواء كان لمادة انتخابية لبنانية رخيصة ومبتذلة، أو لأجل امتلاك ورقة سورية سوداء تتيح للمستعمر الأميركي ومن خلفه الصهيوني وضعها على مائدة الحلّ السياسي المرتقب، والضغط على الدولة العربية السورية لتقديمها تنازلات تصبح فيها ومعها مسرحاً للعمالة الموصوفة للإسرائيلي بتشقّقات طائفية ومذهبية، تطيح بالبلد السوري الموحّد وتجعله على الشاكلة اللبنانية محكوماً بوكلاء أمراء النفط والغاز، الذين باتوا يشرّعون ويقضون ويمضون ويلصقون صفات كـ»البراءة» وغيرها على عملاء أثبتت عمالتهم للإسرائيلي بالجرم المشهود وأودعوا السّجن وقضي الأمر…
 
ننطلق من سورية التي لم يفهم أحد بعد، وبعد كلّ ما جرى أنّ هذه الدولة لن تسلّم ولن تستسلم أمام الغزو البربري الغربي بحلله المتعدّدة التكفيرية منها والكردية التقسيمية، ولا بإبقاء الخناق والتضييق على خاصرة العاصمة دمشق عبر الغوطة، حيث بات الدّعم الغربي الاستعماري واضحاً للمجاميع الإرهابية بجيوشها الإسلامية والقاعدية والداعشية، ورسم الخطوط الحمر أمام الجيش السوري لمنع تحريرها، والتلويح المستمرّ بالقصف الأميركي وتحالفه لقوات الجيش السوري ولحلفائه إذا استمرّوا في تقدّمهم الى الغوطة. وهو في الواقع الميداني مستمرّ ومقفلة معه خطوط الهواتف التواصلية مع القادة العسكريين السوريين وحلفائهم منعاً للتشويش ولتضارب المواقف…
 
هذا الرّسم الأحمر الذي وضعه الأميركي ويريد تثبيته لإعاقة تحرير الغوطة من الإرهابيين أمام تقدّم السيادة السورية وبسطها سلطتها، يريد منها المستعمر الأميركي التلويح بقصف عنيف وإحداث صدمة الرّعب في الحرب كما فعل إبّان غزوه العراق، ويمهّد الطريق لأن تقوم «إسرائيل» بمهمتها التدميرية وإنقاذ الإرهابيين عبر عمليات قصف ممنهجة للجيش السوري ولحلفائه، لتتفككّ عقدة الإسرائيلي بعد إسقاط طائرته والذي تكبّلت يداه مذاك الحين، وصار يشعر أنّ حبل الإرهاب من جهة، وحبل الحلف المقاوم من الطرف الآخر، وعبر عمليات الكرّ والفرّ يضيق أكثر حول عنقه، وهو ما يحاول استدراكه الأميركي والسعودي عبر ردّ فعل معاكس يقوم على التهديد الأميركي المباشر وإعادة استخدام معزوفة الكيماوي على الغوطة، متناسين أنّ هذه الخطوط الحمراء قد سبقهم إليها بوتين ورسمها في الفضاء الحقيقي لا الافتراضي عبر الصواريخ البالستية التي تحمل رؤوساً نووية مهدّداً بأنّ أيّ مسّ بالحلفاء لن يمرّ دون حساب…
 
لم يقدّم بوتين رسالته العسكرية تلك ما لم يكن يعلم أنّ القدرة الأميركية وعجزها بات كبيراً، بدءاً من أزمات الحكم الداخلية لأميركا وآخرها طرد جاريد كوشنير صهر الرئيس الأميركي وكبير مستشاريه وزوج ابنته بتهم الفساد والاستيلاء على الأموال والقروض النقدية من المؤسسات والبنوك في استغلال واضح لموقعه، وليس انتهاء أيضاً بتهم الفساد التي بدأت تأكل صديق كوشنير المخلص نتنياهو رئيس حكومة العدو. وهو ما سرّع زيارته الى واشنطن… ناهيك عن أزمات كبيرة في المنطقة والعالم يعجز الأميركي عن السير بها ولا يريد التعاون والتشارك مع الروسي لحلّها، ووضع مسار تشكّل دولي جديد على سكّة صحيحة لتجنّب آفات الحروب ومقتلة الشعوب…
 
وردّ الفعل المعاكس أيضاً على المنطقة انعكس تصريحات بدأنا نستشعرها منذ زيارة الرئيس الحريري للسعودية، عبر الضغط لتبرئة العملاء اللبنانيين للمحتلّ الإسرائيلي واعترافاتهم الواضحة، وإخراجهم من السجن لتبدأ معركة التسليف الانتخابية للرعايا في بيروت وغيرها، ضاربين بعرض الحائط مكانة ودور الأجهزة الأمنية اللبنانية ومصداقيتها بعرض الحائط، وهو الأمر الذي يسهّل كثيراً على المشغّلين الإسرائيليين القيام بعمليات واستقطاب عملاء جدد لضرب النسيج الوطني لهذا البلد الذي تحوّل مفسدة كاملة قائمة بحدّ ذاتها…
 
إذن مشروعان غربيان استعماريان برجعيتهما العربية: الأول في سورية لمنع استكمال سيادة الدولة على الغوطة كبؤرة للإرهابيين الذين يقتلون الأبرياء كلّ يوم في دمشق عبر القصف العشوائي المستمر، والثاني في لبنان من خلال توسيع دائرة التفاؤل للعمالة وللعملاء برجال دولة موصوفين وتبرئتهم وإخراجهم من زنازينهم لاستثمارات انتخابية رخيصة ومكرّرة، لكنها تخدم بالاستراتيجيا المحتل الإسرائيلي وحليفه الأميركي ورجعياتهم العربية… وكلا المشروعين لهما هدف واحد هو ضرب الدولة وفرط نسيجها الوطني والاجتماعي… وهو ما لا يمكن أن يمرّ أو أن يقبل به أحد مطلقاً…