من خريف سبعٍ عجاف إلى ربيع الغوطة: عندما تزهر سنابل الكرامة

من خريف سبعٍ عجاف إلى ربيع الغوطة: عندما تزهر سنابل الكرامة

تحليل وآراء

الأحد، ١٨ مارس ٢٠١٨

فرنسا- فراس عزيز ديب
من خلفِ الغبارِ الذي أثارتهُ جحافلُ الموت التي تضرب الغوطة منذ سبعٍ عجافٍ، جاءتْ، ومن خلفِ الربيع الذي أزهرَ انتصاراتٍ على امتدادِ الوطنِ جاء، التقيا حيث يلتقي نبض القلب بتحقيق الأمل، نظرتْ إلى عينيهِ، حاولت أن تتأكد فعلياً أنهُ ابنها الذي لم ترهُ منذُ سبعٍ عجاف، لأنها ببساطةٍ كانت تنظر لكل رفاقهِ من حولها على أنّهم أبناؤها، عانقتهُ وهي التي أشاعت مسبقاً نبأ موتهِ كي يكفّ عنها «دعاةُ الحرية» بطشَهم، هي ليست قصةٌ عابرة من قصصِ تحريرٍ أهلنا المدنيين في الغوطة من رجس العصابات الإرهابية، هي من القصصِ التي يجب أن تدَّرسَ للأجيالِ القادمة لكي يَسهل علينا مستقبلاً أن نشرح لهم أسرار انتصارنا، فهناك جندي يحادث أهلهُ الذين مازالوا محاصرين، وهناك من يحمل الأطفال ويلاعبهم وآخر يسقي الكبار زمزماً من عينِ ماءٍ سلسبيل، تلك العين ليست كما كلّ العيون، وحدها من ضخت الروح بشريان هذا الوطن، باختصار المشهد لربيعِ مدينةِ الياسمين وبرعايةِ شجعان هذا العصر يختلف عن كلِّ المشاهد في المناطق التي تم استعادة السيطرة عليها سابقاً، ليس في عيونِنا فقط، لكن في عيونِ أعدائنا أيضاً، فكيف ذلك؟
وصلَ السعارُ الغربي على ما يجري في الغوطة لحدودٍ لم يصلها عند وصول الجيش العربي السوري لمناطقَ تبدو إعلاميا أكثرَ أهميةٍ من وجهة النظر الإستراتيجية، ولو أخذنا استعادة مدينةِ حلب كنموذج ورغم أهميتها، إلا أن الغرب يومها استسلم للأمرِ الواقع وهو يرى قطعانه الإرهابية تتهاوى عند أقدامِ شجعان هذا العصر، أما في الغوطة فالوضع يبدو مختلفاً لأنها بالنسبة لهم ليست مجردَ ورقةِ ضغطٍ سياسي ترفعَها القوى التي تدير تلك الجماعات الإرهابية، لكنها الخط الأول لتهديدِ العاصمة دمشق، وبمعنى آخر فإن الغرب يراها فرصة لا تعوض بأن يتحكم بمجموعاتٍ إرهابية مسلحة تبعد عن القصر الرئاسي بضعةَ كيلومترات، وما يعنيهِ هذا الأمر من رمزيةٍ سياسيةٍ لا تهدف لاستخدامها فقط في البروباغندا الإعلامية وهو أمر مثلاً اعتادت وسائل الإعلام الفرنسية التلاعبَ بهِ، إذ إنها تذكر المواطن الفرنسي في أغلبِ نشرات الأخبارٍ أن «المعارضة المسلحة» تبعد عن القصر الرئاسي بضعة كيلو مترات، لكنهم كذلك الأمر يريدون لهذه الجماعات أن تكون خزاناً بشرياً في حالِ وقعت المواجهة الدولية الكبرى وإمكانيةَ التمدد في رمز سيادة الدولة، أي العاصمة دمشق.
من هذا المبدأ لا يبدو أن الغرب يتعاطى مع ما يجري بسياسة الأمر الواقع فمسرحية الكيميائي المكررة فشلت فشلاً ذريعاً لسببٍ بسيط وهي الضربة الاستباقية التي قامت بها الدبلوماسية السورية، وما تبعها من تأكيدٍ لوزارة الدفاع الروسية بأن الإرهابيين سيستخدمون هذا الورقة بإيعازٍ غربي لإعطائهم ذريعةً للتدخل العسكري في سورية ما أفرغَ هذه الاتهامات من أهميتها، أما مجلس الأمن فهو وإن كان سيجتمع للمرة الرابعة لمناقشة الوضع في الغوطة خلال شهر وتجاهله للعدوان التركي على عفرين و كان آخرها قصف محيط مشفى المدينة قبل أمس، فإنه أشبه بالورقة المحروقة بيدهم لأن حدود الفيتو الروسي الصيني باتت معروفة، لنصل لفرضية التحرك من خارج مجلس الأمن وهو ما مثلته التهديدات المثيرة للشفقة لـ«المسكين» الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بالتدخل منفرداً «إذا ماثبت استخدام السلاح الكيميائي» في الغوطة، لتختتم حفلة الزجل تلك بتصريحات «زغلول» الأمم المتحدة ومبعوثها إلى سورية ستيفان دي ميستورا الذي يصر مع كلِّ مرة على تذكيرنا بأنهُ منفصل عن الواقع، تحديداً عندما اعتبر أن «وقف إطلاق النار تم تطبيقه فقط في بلدة دوما وليس كل الغوطة»، ولا ندري إن كان هناكَ من يعيد عليه قراءة مضمون القرار 2401 تحديداً فقرةَ المشمولين بالهدنة، والتنظيمات الإرهابية التي تسيطر على المناطق التي واصل الجيش العربي السوري عملياته فيها والتي لا تتعارض أبداً مع مضمون القرار الأممي، لكننا ببساطة بتنا نتعامل مع تصريحات دي ميستورا على أنها ناتجة عن شخصٍ يريد أن يصرِّح فقط لأنه مطلوب منه أن يصرح، بمعزل عما يقوله لأنه ليس بذي أهمية، لكن ما هو مهم أن الغرب المستعر هرب من فشله في إنقاذ إرهابييه في الغوطة نحو رفع حدة المواجهة مع الروس، فما هي حدود هذا التوتر؟
لم يصل حال التوتر بين روسيا والغرب إلى الدرجات التي وصلت إليها اليوم، فالتهديدات جدية والتصريحات والردود تأخذ أبعاداً تؤكد أن القضية تجاوزت فكرة الخلاف السياسي، وربما هذا ما دفع بريطانيا لحمل راية المواجهة ضد الروس بدلاً من الأميركيين، والقضية قد تبدو نوعاً ما تبادلاً للأدوار تحديداً أن البريطانيين تجاوزوا كل قواعد الأدب والاحترام في التعاطي الدبلوماسي، حتى لو كان الأمر مرتبطاً بتسميم جاسوس، لدرجةِ شخصنة القضية وربطها بشخص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولنتذكر أن الجانب الروسي مثلاً حتى عندما اغتيل سفيرهُ في أنقرا بدمٍ باردٍ لم ينحدر في مستواه الخطابي لهذه الدونية التي يتعاطى فيها البريطانيون، لكن في الواقع لا تبدو القضية تبادلاً للأدوار بل إن هزائمهم المتلاحقة تؤرقهم لدرجةٍ باتوا فيها ليسوا قادرين حتى أن يضربوا بسيف ماضيهم وحاضرهم الإجرامي المستعمِر، ولننظر للإقالات والتعديلات التي يقوم بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على إدارته لنتأكد أنه أشبه بمن يشكِّل «حكومة حرب»، فإذا كانت إقالته لوزير خارجيته ريكس تيلرسون ناتجة لخلاف في وجهات النظر تحديداً بما يتعلق بالعلاقة مع الروس أو الاتفاق النووي الإيراني، فإن قدوم وزير الخارجية الجديد مايك بومبيو، وهو من أشد المعارضين لهذا الاتفاق ومن خلفية استخباراتية، يعني أننا ذاهبون للتصعيد، فما بالنا عندما نتحدث عن قدوم المجرمة جينا هاسبل رئيسة للاستخبارات وهي المتورطة بجرائم حرب؟
النقطة الثانية قد يبدو للبعض أن هذا التصعيد وفي هذا التوقيت مرتبط نوعاً ما بالانتخابات الروسية والتي ستجري اليوم، لكن بكل الأحوال لا يبدو أن الغرب سيتعاطى بهذه السذاجة، ربما هم يعون أكثر من غيرهم أن الرئيس فلاديمير بوتين هو الأوفر حظاً للفوز وبفارقٍ كبير عن أقربِ منافسيه، والأهم أن المواطن الروسي بالنهاية ليس من النوعية القادمة من خلفية متخلفة لكي يتمكن الغرب من التأثير برأيه بهذه السطحية، وعليه فإن هذا التصعيد يشي بما هو قادم؛ فماذا ينتظرنا؟
في الإطار العام يبدو أن حسم معركة الغوطة لمصلحة الجيش العربي السوري وحلفائه مسألةَ وقتٍ لا أكثر، لكن يبقى السؤال ماذا بعد الغوطة؟
الجواب هنا يبدو بشقين، الأول من الناحية العسكرية إذ إن التالي يبدو الأكثر إلحاحاً، هو حكماً ليس الجنوب السوري، تحديداً أن التقارير التي تتحدث عن نية الجيش العربي السوري التوجه جنوباً لا تبدو منطقية، فما هي الفائدة التي سنجنيها من تحرير معبر نصيب مثلاً إذا كان نظام ملك شرقي نهر الأردن يتعاطى مع سورية كعدو؟! لكن النقطة المشتركة بين كل الاتجاهات التي سيذهب إليها الجيش أنها أقل ضغطاً من باقي المناطق تحديداً إذا ما أنجز تأمين العاصمة دمشق إلى الأبد، فهل تكون الوجهة ريف اللاذقية المحاذي لريف إدلب أم ريف حماة؟
أما الشق الثاني فهو عملياً مرتبط بماذا بعد الغوطة على المستوى الدولي، فالصدام لن يهدأ بعد الانتخابات الروسية، على العكس تماماً فإن إعادة انتخاب الرئيس الحالي فلاديمير بوتين لولايةٍ جديدة سيعني بحسبة بسيطة أنهم سيرحلون جميعاً قبل أن يرحل، وعليه نستطيع القول إن استعادة الغوطة بالكامل هو مربط الفرس، فإما أن ينفِّذ الغرب تهديداته بتوجيهِ ضربات جوية لمقرات رسمية سورية لتصفية حساباته مع الروس بما يمثلون كحلف متماسك عندها سندخل مرحلةً جديدة لها حساباتها الخاصة، أو أن تمر عملية استعادة الغوطة مرور الكرام.
هو ليس ربع الساعة الأخير، الأدق أنها الدقائق الأولى من عمر الربيع القادم والذي سيحمل الكثير من المفاجآت التي ستنسينا السبعَ العِجاف، لكن الجميل فيه أن المفاجآت أياً كان نوعها هي مفاجآتٍ سعيدة، حتى ولو كانت ضربة عسكرية غربية، وهل هناكَ أجملَ من الانتصارات التي يتم فيها إذلال الغرب سياسياً وعسكرياً؟