عالم خالي الدسم!.. بقلم: رشاد أبو داود

عالم خالي الدسم!.. بقلم: رشاد أبو داود

تحليل وآراء

الأحد، ١٨ مارس ٢٠١٨

بعد سنوات ستصمت أجراس الكنائس في معظم دول أوروبا وأميركا. ليس لأنها تعبت وصدأت بل لأن قلوب الناس أصبحت عامرة بالخراب بعد أن هجرها الإيمان وعشعشت فيها الغربان. ففي تلك المجتمعات اللاهثة وراء ما يسمى الحضارة، أصبح كل شيء سريعاً، ابتداء من وجبات الهامبرغر والبيتزا إلى الأحذية الخفيفة والقمصان المفتوحة إلى الطائرات الأسرع من الصوت. فلا وقت للأب ولا للأم ولا..للكنيسة.
 
في السنوات القليلة الماضية انتشرت إعلانات بيع الكنائس. ونشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» تقريراً حول ظاهرة بيع الكنائس المهجورة. ويبدأ الكاتب تقريره من مدينة أرنهام في هولندا، حيث تم تحويل قاعات كنيسة مهجورة إلى ساحة يلعب فيها الشباب على لوحات التزلج أو الدراجات الهوائية في قاعات كنيسة سينت جوزيف، التي صممت لتتسع لألف مصلٍ..
 
يشير التقرير إلى أن هذه الكنيسة هي واحدة من مئات الكنائس في أوروبا الغربية، التي تكشف عن إشكالية بالنسبة للمجتمعات المحلية وحتى للحكومات، والإشكالية هي: ماذا نفعل بمنشآت كانت مقدسة يوماً ما وأصبحت بنايات مهجورة، وهي منتشرة من ريف بريطانيا إلى ريف الدنمارك؟
 
تذكر الصحيفة أنه ليست هناك أي أرقام رسمية على مستوى أوروبا للكنائس المغلقة، ولكن الأرقام من البلدان المختلفة تعطي فكرة عن الحال، ففي إنجلترا يتم إغلاق 20 كنيسة في السنة، وفي الدنمارك هناك 200 كنيسة تعد غير قابلة للاستمرار أو قليلة الاستخدام، وفي ألمانيا أغلقت 515 كنيسة خلال العقد الأخير، ولكن النزعة تبدو أكثر استفحالاً في هولندا، حيث تقدر القيادات الكاثوليكية بأن ثلثي كنائسها البالغ عددها 1600 كنيسة، ستكون خارج الخدمة خلال عقد من الزمان، بالإضافة إلى إغلاق 700 كنيسة بروتستانتية خلال الأعوام الأربعة المقبلة.
 
لم تتوقف الظاهرة عند هولندا ففي اسكتلندا، تحولت الكنيسة اللوثرية إلى بار فرانكشتاين يحتوي على تصميمات أنابيب الاختبار، وأشعة الليزر وتنشر كنائس انجلترا واسكتلندا الإعلانات عن بيع المباني على المواقع الإلكترونية فهي تقريبا لا تختلف عن إعلانات السماسرة المعتادة: كنيسة القديس يوحنا باكوب، انجلترا، ارتفاع سقف مقبب، طابق سفلي واسع، السعر 160 ألف دولار، بالإضافة إلى الكنيسة اللوثرية السابقة قد تحولت إلى بار مع فرانكشتاين، إدينبره، اسكتلاندا. وقال جايسون ماكدونالد: لدينا في اسكتلندا مئات الكنائس التي لا يزورها أحد، لو كان هناك من يزورها، لما كانت مهجورة، يتم تحويل العديد من الكنائس إلى مبان سكنية ولقد تشكلت صناعة كاملة لبيع عقارات الكنائس السابقة.
 
موجة إغلاق الكنائس طالت ايضا الولايات المتحدة وإن كانت بدرجة أقل. فقد أغلقت كنيسة القديس جود الأنجيليّة في برانتفورد في العام ٢٠١٥ بسبب تقلص عدد المؤمنين وقد عُرضت مؤخراً للبيع بدولار واحد. يقول الخبير في مجال العقارات روي رودريغز انه كان من الصعب عليه تحديد سعر الكنيسة فعرضها بدولار فاسحاً المجال أمام أي شارٍ مرتقب لتحديد قيمتها.
 
يقول ايضا: لقد تغيّرت الشعوب الوافدة إلى كندا منذ الستينيات من القرن الماضي فتوقفت الهجرة من شرق أوروبا لتبدأ الهجرة من جنوب آسيا والصين حيث الديانات الأساسيّة هي البوذيّة والهندوسيّة والإسلام.
 
المانيا تتصدر قائمة الدول الأوروبية الأكثر بيعاً للكنائس، وتُعدّ كنيسة (دورتموند يوهانس)، أبرز تلك الكنائس التي اشتراها الاتحاد الإسلامي التركي قبل 10 أعوام، حيث تمّ إطلاق اسم (جامع مركز دورتموند) عليها، ويبلغ مساحته ألفاً و700 متر مربع، ويتسع لألف و500 مصل. وأغلقت الكنيسة الكاثوليكية حوالي 515 مبنى كنيسة.
 
لقد طغى المادي على المعنوي والجسد على الروح في المجتمعات الغربية. فهل يكمن السبب في الفهم الخاطئ للدين واستغلاله بطريقة فجة كما داعش عندنا وصكوك الغفران التي كانت بدايتها عندما أراد البابا ( لاون العاشر) أن يقوم ببناء كنيسة خاصة بالقديس بطرس في روما فقام على أثر ذلك بإصدار مجموعة من الصكوك «تضمن المغفرة» لمن يشتريها وتدخله الجنة، أم أن الإنسان يعود على أجنحة من الضياع إلى الغابة الأولى؟؟