مستقبل الدبلوماسية الأميركية بعد ترامب.. بقلم: د.منار الشوربجي

مستقبل الدبلوماسية الأميركية بعد ترامب.. بقلم: د.منار الشوربجي

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢١ مارس ٢٠١٨

إقالة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيرلسون، قد لا تكون النهاية للأزمة التي تعاني منها وزارة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس ترامب.
فهي أزمة لا تقتصر على سلبيات لتيلرسون كوزير، وإنما تمتد لما هو أبعد من ذلك بكثير.
فمغادرة تيلرسون لمنصبه كوزير للخارجية، لم تكن مفاجئة. فرغم النفي المتكرر من جانب الوزير نفسه، إلا أنه لم يكن سراً، أن علاقة الرئيس بوزير الخارجية متوترة منذ فترة طويلة، لأسباب بعضها سياسي والآخر شخصي. فتيلرسون، الذي رشحه لترامب اثنان من كبار المسؤولين السابقين، روبرت غيتس وكوندوليزا رايس، حظي بقبول ترامب منذ اللقاء الأول، فاختاره فوراً.
لكن سرعان ما اصطدم الاثنان بشأن عدد من القضايا، كان أولها التغير المناخي، وعلى رأسها الاتفاق النووي مع إيران، ومن بينها الموقف من كوريا الشمالية. أما على المستوى الشخصي، فمن بين أطرف ما قالته الصحف مثلاً، أن ترامب يميل لبناء علاقة اجتماعية مع وزرائه وزوجاتهم، عبر تناول العشاء في نهاية الأسبوع، بينما يفضل تيلرسون التفرغ لرؤية أبنائه وأحفاده.
ويبدو أن ترامب لم يغفر أبداً ما نسبته التسريبات لتيلرسون، من أنه وصفه بأنه «أحمق». ثم إن تيلرسون كان قد أكد علناً، أن ترامب «يتحدث عن نفسه»، عندما سئل عن ثناء الرئيس علي أنصار التفوق الأبيض في أحداث مدينة تشارلستون. لكل ذلك، لم تكن مغادرة الوزير مستغربة، إلا أن المفاجأة كانت في توقيت الإقالة.
والطريقة التي أقيل بها. فالوزير كان قد عاد لتوه من زيارة طويلة لأفريقيا، سعى فيها لإقناع الدول الأفريقية ببرنامج اقتصادي بقيادة أميركا، بديلاً عن القروض الصينية، في مسعى واضح لتقييد النفوذ الصيني المتزايد في دول القارة. وليس واضحاً حتى الآن، السبب الذي جعل ترامب يختار هذا الوقت بالذات لإقالة الوزير.
فضلاً عن أن تلك الإقالة لم تمر بالإجراءات المتبعة، سواء بخصوص إخطار الوزير، أو الإعلان عن إقالته. وهي الإجراءات التي يبدو أن ترامب سيتجنب خرقها في ما يتعلق بالإقالة، التي صارت وشيكة، لمستشاره للأمن القومي، الجنرال ماكماستر.
لكن الأهم من إقالة وزير الخارجية، هو وضع وزارة الخارجية نفسها التي عانت أزمة واضحة تحت قيادة ريكس تيلرسون. فالتفاؤل الذي قوبل به الوزير فور توليه، سرعان ما تبدد، بعد أن صار واضحاً لكوادر الوزارة، منهج الوزير في إدارة دولاب العمل. فالوزير كان مؤيداً بقوة لموقف ترامب الساعي لتخفيض ميزانية الوزارة بنسبة تصل إلى 30 % دفعة واحدة.
وهو بالفعل ما سوف يتحقق في ميزانية العام القادم، التي ستنخفض فيها تلك الميزانية من حوالي 56 مليار دولار، إلى حوالي 37 ملياراً، وهي الميزانية التي ستتضمن أيضاً ميزانية هيئة المعونة الأميركية، التي يريد لها ترامب أن تنضوي تحت وزارة الخارجية، ومن ثم تنخفض ميزانيتها هي الأخرى.
لكن تيلرسون قام أيضاً بإحداث توسع غير مسبوق في المكتب المعروف باسم مكتب التخطيط السياسي، والذي أنشئ عام 1947، ليقدم الاستشارة للوزير في شأن الاستراتيجيات والسياسات المختلفة، ثم أحاط نفسه من خلال العاملين في ذلك المكتب، بمجموعة عينهم بنفسه، صارت تعزل الوزير عن باقي كوادر الوزارة بالمواقع المختلفة.
وصار المكتب هو وحده الذي يتخذ القرار، بل ويعرض كل ما يأتي من داخل الوزارة علي الوزير. فكانت النتيجة، أن تعطلت الكثير من القضايا، لعدم البت فيها لشهور. أضف لذلك أن الكثير من المواقع المهمة من مساعدي الوزير للسفراء، ظلت شاغرة حتى مغادرة تيلرسون. وباستثناء تخفيض الميزانية، فربما تجد بعض تلك المشكلات حلاً، مع قدوم وزير جديد.
غير أن الأخطر من ذلك بالنسبة للدبلوماسية الأميركية، والمتعلق بتهميش الوزارة وتفريغها من كوادرها، لن يتأثر على الأرجح بمغادرة تيلرسون ومجيء وزير جديد، لأنه يتعلق بمواقف إدارة ترامب نفسها، لا بأداء تيلرسون كوزير للخارجية.
فقد كان واضحاً منذ اللحظة الأولى، أن ترامب لا يثمن العمل الدبلوماسي، ولا يوليه اهتماماً في عملية صنع السياسة الخارجية، فأدى ذلك لتهميش وزارة الخارجية لحساب وزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي.
والأخطر من ذلك، أن الوزارة توقفت عن تجنيد عناصر شابة جديدة، عبر البرامج التي كانت تنشئها في جامعات القمة، لجذب أفضل طلابها للعمل الدبلوماسي.
ولا يقل خطورة عن ذلك، أن عدداً كبيراً من الكوادر الدبلوماسية صاحبة الخبرة الطويلة في العمل في مناطق العالم المختلف، تركت العمل بالوزارة، إما شعوراً بالإحباط من الأوضاع التي تمر بها الدبلوماسية الأميركية، أو عبر عملية تطهير سياسي صامت، قامت بها إدارة ترامب فور مجيئها، كان هدفها التخلص من أي من تعتبر أنه لا يدين بالولاء للرئيس الجديد. ويقوم الكونغرس حالياً بالتحقيق في بعض تلك الوقائع، لمعرفة مداها.
لكل ذلك، فإن السؤال الأهم على الإطلاق، يتعلق بمستقبل الدبلوماسية الأميركية بعد إدارة ترامب، لا أثناء مدتها.