في حضرة يوليوس قيصر.. بقلم: نبيه البرجي

في حضرة يوليوس قيصر.. بقلم: نبيه البرجي

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٣ مارس ٢٠١٨

للمرة الأولى، لا أدري كيف أكتب، لا أدري كيف أنطق، لا أدري كيف أتقيأ. انه الغثيان حقاً !
الأمير محمد بن سلمان ظهر بين يدي دونالد ترامب، مفاخراً بأنه رفع قيمة الصفقات مع الولايات المتحدة من 200 مليار دولار الى400 مليار دولار. قال ... هذا يؤمن أربعة ملايين فرصة عمل للأميركيين (وللسعوديين) .
المشهد ازداد فظاعة حين راح الرئيس الأميركي يستعرض أمام الكاميرات، بلوحات مصورة حملها معه صاحب السمو، نوعيات وكميات الأسلحة التي ابتاعتها السعودية من بلاده .
لبرهة، نستعيد ما قيل ابان زيارة دونالد ترامب للرياض وتوقيع الأمير صفقات بنصف تريليون دولار «لو كان نبي المسلمين يوقع صفقات بذلك المبلغ لارتجفت أصابعه». بدا ولي العهد مغتبطاً ما دام الامبراطور أعطاه الضوء الأخضر للذهاب بدباباته الى الدوحة، ومنها الى العواصم الخليجية الأخرى، ليتوّج ملك ملوك العرب.
لا أحد يستطيع أن يسأل الأمير «ماذا فعلت؟». لو أن المبلغ أنفق على تطوير الانسان السعودي أما كان يصنع مجتمعاً ديناميكياً وخلاقاً بدل الاعتماد على الباكستانيين في قيادة الطائرات، وعلى الاردنيين في قيادة الدبابات، وعلى الأميركيين أو الأثيوبيين في صناعة أطباق الهمبرغر؟
الذي حدث في تلك اللحظات كان صادماً بما تعنيه الكلمة. هل نعقد الصفقات بمليارات الدولارات لتأمين فرص عمل للأميركيين لا للسعوديين الذين يعاني مئات الآلاف منهم من البطالة وحتى من العوز؟
اعتبر سمو الأمير أنه اشترى رئيساً أميركياً بنصف تريليون دولار، دون أن يدري أن الاستبلشمانت أشبه ما تكون بالأدغال. انه الرئيس الذي اعلن القدس عاصمة لاسرائيل. وانه الرئيس الذي يعمل لتفكيك سوريا، وهو الرئيس الذي لم يصف السعوديين بالحلفاء بل ... بالزبائن.
زبائن لا أكثر ولا أقل، ويدفعون الجزية الى الجنرالات، والأدميرالات، الذين يتولون حماية المملكة من الغول الايراني. كم يسخر منا الباحثون في المعاهد الكبرى حين يقارنون بين الترسانة السعودية والترسانة الايرانية !!
معلقون قالوا «بدا الأمير وكأنه يدفع الجزية الى روما»، وان كان دونالد ترامب بمواصفات كاليغولا لا بمواصفات يوليوس قيصر.
الأمير ذكّر بأن التحالف بين المملكة وأميركا هو الأقدم في المنطقة، دون أن يذكر أن جاذبية النفط أقوى  بكثير من جاذبية العباءة.
الأقدم صحيح . الأقدس صحيح. بالسذاجة اياها نسأل ماذا قدم الأميركيون للسعودية منذ اللقاء الشهير في قناة السويس بين فرنكلين روزفلت وعبدالعزيز آل سعود غداة مؤتمر يالطا في شباط 1945؟
هل ساعدوها لتكون دولة صناعية مثل كوريا الجنوبية أو ماليزيا ؟ وهل ساعدوها للخروج من أدبيات القرون الوسطى والانتقال الى أدبيات القرن؟ المسألة لا تقتصر على الترفيه، بل وبناء دولة لا ترتجف أوصالها أمام الايراني أو التـركي أو حتى أمام قبائل الربع الخالي.
الأميركيون لم يفعلوا شيئاً سوى أنهم تعاملوا مع السعوديين كزبائن ينثرون أرصدتهم على أرصفة ألف ليلة وليلة، وينشرون ثقافة الأقبية (وهي ثقافة القبور) في أرجاء المعمورة. الثقافة اياها التي انتجت أسامة بن لادن وأبا بكر البغدادي.
الرأس على الكتف الأميركي. لا مجال لأي نظام اقليمي أو منظومة اقليمية تؤمن الحد الأدنى من الوقاية الاستراتيجية لمواجهة الأعاصير.
ندرك أن لا مجال للصدمات الكهربائية في اوديسه التغيير في المملكة. لا نية لدى سمو الأمير في ابدال البنية القبلية للدولة وللسلطة. النقطة المضيئة هي الغاء فكر «الاخوان المسلمين»، ولطالما كانوا رأس الأفعى في الأزمات الايديولوجية والاستراتيجية التي واجهها العرب. 
هل يتذكر الأمير الشاب الى أي مدى بلغ التنسيق بين بلاده ورجب طيب اردوغان، وهو سلطان «الاخوان المسلمين»، لاضرام الحرب في سوريا، والى حد استجلاب المرتزقة من أصقاع الدنيا؟
لنتصور ماذا كان حل بالسعودية لو سقطت سوريا وقامت دولة الخلافة. هل كان للبلاط ان يبقى ولو ليوم واحد. يا صاحب السمو، مستقبل المملكة ليس في الاتكاء على الكتف الأميركي بل في مد اليد لدمشق. هي أيقونة العرب ...