دوما أقرب للتسوية.. بقلم: محمد نادر العمري

دوما أقرب للتسوية.. بقلم: محمد نادر العمري

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٧ مارس ٢٠١٨

من الناحية العملية بدأ الجيش العربي السوري والقوات الحليفة، بجني ثمار أهدافهم العسكرية في الغوطة الشرقية «سياسياً»، ولاسيما في ظل تقهقر المجموعات المسلحة وعجزها أمام تقدم الجيش السوري الذي استطاع فرض تكتيك عسكري مباغت ومفاجئ تمكن من خلاله قطع صلات التواصل والتنسيق بين هذه المجموعات واستهدف مراكز تجمعاتها الرئيسية الكبرى.
هذا الواقع أجهض إستراتيجية ما تبقى من قيادات المسلحين ووضعها بين نارين لا مهرب منهما، إما المواجهة المحتمة بالخسارة المدوية، وإما القبول لإذعان التسويات بمرارة الاستسلام وتهاوي المناطق كأحجار الدومينو بعد تهاوي تحصينات حرستا.
الأمر الذي أفقد المسلحين 92 بالمئة من جغرافية سيطرتهم على الغوطة الشرقية، باستثناء المعقل الأخير للمسلحين في الغوطة الشرقية الذي أصبح بين فكي كماشة، فمنطقة دوما التي شكلت عبر ميليشيا «جيش الإسلام» على مدى الأعوام السابقة الثقل والامتداد العسكري للنفوذ السعودي في الميدان السوري وأداة تأثير تعكس توجهات السلوك السياسي السعودي ومحدداته تجاه الأزمة السورية، أضحت اليوم أقرب للالتحاق بقطار التسويات مع الحكومة السورية، بناء على معطيات الواقع الميداني والسياسي والاجتماعي:
 إعلان متزعم ميليشيا «جيش الإسلام»، عصام بويضاني منذ يومين بقاء ميليشياته في الغوطة الشرقية ورفضه الخروج منها، ومطالبة ما سماهم فصائل الجنوب بإشعال جبهة درعا، تأتي في سياق التصعيد الإعلامي، لتحسين وضعه التفاوضي ورفع سقف المطالب، وربما قد نشهد انقلاباً في بعض حيثيات هذه التسوية مقارنة بغيرها من التسويات التي شهدها الريف الدمشقي، من حيث العدد الضئيل الذي يود الخروج، ونشر للقوات العسكرية الروسية ومعرفة مصير أكبر عدد من المفقودين في تاريخ الأزمة وتحرير المخطوفين وسحب جزء كبير منه، من التداول والابتزاز الإقليمي والدولي.
 حدوث انقلاب وتغير كبير في المزاج الشعبي على المجموعات المسلحة بمناطق حمورية وسقبا وكفر بطنا أعطى مؤشراً لقيادة «جيش الإسلام»، أن البوصلة الشعبية سرعان ما ستختار طريق أمنها ومعيشتها عندما تتحرر من نفوذ المسلحين أو تضعف سلطتهم.
 خشية قيادة «جيش الإسلام» من حصول انشراخ واقتتال بين صفوفه مابين مؤيد للتسوية والرافض لها، نتيجة تدحرج الانكسار المعنوي لعناصره، بعد الإخفاقات العسكرية والتهاوي السريع بصفوف جبهة النصرة ميليشيات «حركة أحرار الشام الإسلامية» و«فيلق الرحمن».
 رهان المجموعات المسلحة وفي مقدمتهم «جيش الإسلام» على احتمال حدوث حراك عسكري دولي ضد دمشق من أجل الغوطة الشرقية بات شبه معدوم، رغم ارتفاع سقف التهديدات والتصريحات المتبادلة بين روسيا والولايات المتحدة إلى حد غير مسبوق منذ حقبة الحرب الباردة وبشكل خاص أزمة الصواريخ الكوبية.
إغلاق ملف الغوطة الشرقية بات مسألة وقت لا أكثر، وقد يكون قد أصبح خلف ظهر القيادة السورية التي باتت أنظارها تتجه نحو الجنوب السوري لسد الطريق أمام السيناريو الصهيوأميركي، الرامي لتوحيد المجموعات المسلحة في الجنوب وإحداث خرق باتجاه البادية والتنف بالتوازي مع احتمال شن عدوان فرنسي بريطاني أميركي إسرائيلي مشترك ضمن أهداف خارج العاصمة دمشق لتفادي الغضب الروسي.
أميركا دونالد ترامب التي جنحت نحو التطرف السياسي هي في موقف «أكثر حرجاً» وفق وصف ريتشارد هاس، أحد أهم منظري السياسة الخارجية للولايات المتحدة، بعد إعادة هيكلية دبلوماسيتها وسياستها بعقلية عسكرية وأمنية تمهيداً للتوجه نحو ثلاث حروب أعلنها ترامب في حديث خضوعه لمؤسسات الدولة العميقة في الكونغرس: حرب جيوسياسية واقتصادية مع الصين وروسيا وأخرى نووية مع كوريا الديمقراطية وإيران وثالثة مع محور المقاومة، وفي الحروب الثلاث تكمن سورية كلمة الفصل في قلب العالم، رافضة ﻹعادة عقارب الساعة إلى الوراء.