تصريحات ترامب العلنية تُعاكس سياسته الخارجية

تصريحات ترامب العلنية تُعاكس سياسته الخارجية

تحليل وآراء

الأحد، ١ أبريل ٢٠١٨

بيلي بوش هو مقدم برامج ترفيهية كان على تواصل دائم مع دونالد ترامب، رجل الأعمال ونجم تلفزيون الواقع. في إحدى الرحلات المشتركة على متن باص، تحدث ترامب إلى بوش عن مغامراته الجنسية بشكل فاضح، وظهر الشريط إلى العلن قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية في خريف 2016، ما أدى إلى قيام الشبكة التي يعمل فيها بوش الى طرده، فيما وصل ترامب الى البيت الابيض.
يروي بوش عن سني عمله مع ترامب، فيقول إنه خابر ترامب يوماً، وأبلغه بأن برنامجه التلفزيوني «ذي ابرنتيس» حل في المرتبة الثالثة لناحية البرامج الأكثر مشاهدة، على عكس ما أدلى به ترامب لبوش في مقابلة. أصرّ ترامب على أنه في الصدارة، وعندما واجهه بوش بالأرقام، رد ترامب: «أعرف أننا في المركز الثالث، ولكن قل للعالم دائماً أننا في المركز الأول، وسيصدقونك».
تلك الحادثة التي رواها بوش على برنامج «بيل ماهر» تعكس بالضبط أسلوب عمل الرئيس الاميركي، الذي يعتقد أن إصراره على تكرار أفكار معينة علناً، وإن كانت غير صحيحة، تدفع الناس إلى تصديقها، وهو الأسلوب الذي يبدو أن ترامب يمارسه في سياسته الخارجية، التي يعلن فيها عكس ما يفعله.
في صدارة مواربة ترامب يأتي الموضوع الروسي، إذ بثت شبكة «إن بي سي» تقريراً مفاده أن الرئيس الأميركي أصدر تعليمات للعاملين في فريقه بألا يدلوا بأي تصريحات علنية تتعلق بقيام واشنطن بطرد 60 ديبلوماسياً روسياً، ردا على قيام موسكو بشن هجوم بغاز الأعصاب على عميل استخبارات روسي مزدوج سابق يقيم في بريطانيا.
وبالفعل، اكتفى مسؤولو البيت الابيض بعقد جلسة مغلقة مع الصحافيين، شرحوا فيها أسباب طرد الديبلوماسيين الروس بالقول ان الولايات المتحدة تسعى لعلاقة جيدة مع موسكو، وهو ما دأب على تكراره ترامب، لكن شرط العلاقة هو «قيام موسكو بتغيير تصرفاتها». تغيير التصرفات هذا يبدو أنه السياسة التي تبنتها إدارة ترامب أخيراً تجاه موسكو. المشكلة الوحيدة أنها سياسة سرية، يتم تداولها خلف الأبواب الموصدة فحسب، في وقت يصر ترامب على التصرف وكأنه صديق لنظيره الروسي فلاديمير بوتين.
والسرية في السياسة الخارجية كان ترامب تبناها منذ أيامه الاولى في البيت الابيض، إذ ان أول القرارات التي اتخذها قضى بوقف وزارة الدفاع الإعلان عن عديد الجنود الأميركيين المنتشرين في مناطق الصراع حول العالم، خصوصاً في أفغانستان والعراق وسورية. علّلت وزارة الدفاع قرارها يومذاك بأن عديد القوات يجب أن يرتبط بالحاجة العسكرية إليها حسب المهمة المولجة بها، وأن ربط هذا العدد برضى الرأي العام الاميركي يؤدي إلى سيطرة الرأي السياسي – لا العسكري – على قدرات القوات الاميركية القتالية.
والسياسة الاميركية تجاه سورية صارت جليّة منذ نجاح التحالف الدولي في القضاء على مقاتلي تنظيم «داعش» واستعادة الأراضي التي كان يسيطر عليها. منذ ذلك الوقت، تبنت واشنطن مقولة ضرورة بقاء قواتها منتشرة في منطقة الجزيرة شرق الفرات لاستكمال الحرب على «داعش» ولتأكيد عدم عودة التنظيم إلى الحياة مجدداً. لكن السياسة الفعلية لواشنطن كانت ترتبط أكثر بحماية الحلفاء، الأكراد من تركيا، وإسرائيل من خطر الهلال الايراني، الممتد من طهران إلى بيروت عبر العراق وسورية.
ومع تعيين ترامب السفير السابق لدى الأمم المتحدة، وأحد أبرز اصدقاء اسرائيل في واشنطن، جون بولتون مستشاراً للأمن القومي، من المرجح أن تستمر سياسة أميركا القاضية في بقاء قواتها شرق الفرات تعزيزاً لهدف حماية الحليفين الشرق أوسطيين.
في ظل مواقف واشنطن الواضحة تجاه بقاء قواتها شرق سورية، يصبح تصريح ترامب الأخير عن قرب انسحاب القوات الاميركية من سورية وترك المنطقة «لآخرين» تصريحاً خارج سياق السياسة الخارجية للولايات المتحدة، بل يناقض هذه السياسة، خصوصاً أن العاملين في الفريق الرئاسي ردوا على تصريح رئيسهم بشكل غير مباشر، بالقول ان «سياسة الولايات المتحدة في سورية والعراق والشرق الاوسط باقية على ما هي عليه».
والحال هذه، يصبح تصريح ترامب حول قرب الانسحاب الأميركي من سورية تصريحاً للاستهلاك الداخلي فحسب، إذ يعد الرئيس الاميركي مناصريه بخروج البلاد من سلسلة الحروب حول العالم، وهي الحروب التي هاجمها عندما كان مرشحاً مراراً ووعد بإنهائها والانتصار فيها خلال أسابيع، لكنها وعود من قبيل الكلام فحسب، من دون أي تأثير في مجرى السياسة الخارجية الاميركية أو تغيير فيها.
تصريح ترامب عن سورية هو، كما قال لبيلي بوش يوماً، «قل للعالم دائماً وسيصدقونك»، ولكن الواقع لا يبدو أنه سيتغير.