انسحاب أمريكا من سورية؟؟!! دلالاته.. بقلم: د.خلود أديب

انسحاب أمريكا من سورية؟؟!! دلالاته.. بقلم: د.خلود أديب

تحليل وآراء

الجمعة، ٦ أبريل ٢٠١٨

اتسم التدخل الأمريكي في الحرب على الأرض السورية بالطابع المتردد والمشوش منذ فجر اندلاع الأزمة في سورية التي سرعان ما تحولت إلى حربٍ عالميةٍ ثالثةٍ شرسةٍ، تنوع لاعبوها بين قوى عالميةٍ واقليميةٍ وعربيةٍ. 
فكانت إدارة أوباما تستخدم أسلوب التصعيد تارةً والتراجع تارةً أخرى من خلال تبادل الأدوار بين سيد البيت الأبيض ووزير خارجيته. حتى أن أوباما تراجع في قراره بتنفيذ الضربة على سوريةفي عام 2015 مختبئاً خلف عدم تصويت الكونغرس ذي الغالبية الجمهورية على مشروع قراره. فأتى تهديده لغواً وهذراً إعلامياً. فقد تجاهل أوباما تصويت الكونغرس في ليبيا 2011، ولم يفعل في سورية.
وعلى الرغم من وجود القوات الأمريكية غير الشرعي في فترةٍ لاحقةٍ من تطورات الحرب على سوريةودعمها لقوات سوريا الديمقراطية في شرقي سورية خاصةً وفي بعض الأمكان الأخرى عامة، ًوالتي رأت فيها واشنطن مناطق نفوذٍ لها من شأنها تعديل موازين القوى مع الاتحاد الروسي وحلفاء القيادة السورية من ناحيةٍ، وضمان لتواجد عملائها في بعض منابع النفط والغاز من ناحية أخرى، بزعم محاربة "الدولة الإسلامية في العراق وسورية" على أنها إرهابية، بينما تدعم ميليشياتٍ مسلحةٍ إرهابيةٍ أخرى على الأرض السورية، إلا أن انجازاتها المزعومة في محاربة "داعش" بقيت محدودةً عن سابق تصميمٍ وترصدٍ بغية اسنمرارها في إضعاف الجيش السوري ومؤسسات الدولة السورية - إن لم تنجح في إسقاطها -  بالإضافة إلى النيل من وحدة أراضيها وسيادة الدولة عليها إرضاء لعيون ربيبتها إسرائيل. 
وقد فشل المهرج رجل الأعمال ترامب في ضربته على مطار الشعيرات حتى في تحقيق رتوشٍ "لتجميل الصورة" لإرضاء الداخل الأمريكي. فقد أطلقت بوارج الدولة العظمى 59 صاروخاً ولم يصل منها إلى الهدف سوى 23 صاروخاً فقط، وتضيع الستة والثلاثون الأخرى في غياهب المجهول! كيف يمكن أن يعلن البنتاجون تدمير "قاعدة الشعيرات" التي استهدفها بصواريخه، لتقلع منها بعد سويعاتٍ محدودةٍ القاذفات السورية لتدك معاقل الارهابيين وحلفائهم على مقربة من تدمر وغيرها من المناطق في سوريا؟ فترامب كان يعرف حق المعرفة عدم صحة ما تردد حول استخدام القوات الحكومية السورية للأسلحة الكيماوية.
وقد دعا الأعضاء الديمقراطيون المعارضون للحرب والجمهوريون المؤيدون لتطبيقٍ صارمٍ للدستور، الرئيس الأمريكي إلى الالتزام بالقانون. بينما اعتبر الجمهوري جاستن أماش، أنه "عندما نهاجم دولة كسورية فلا بد من تفويضٍ من الكونغرس ودعمٍ من الشعب الأمريكي".
فلم تكتف الولايات المتحدة الأمريكية باللجوء إلى الحرب بالوكالة عن طريق دعم مليشاتٍ مسلحةٍ في سورية أبرزها قوات سوريا الديمقراطية، وإن لم تكن الوحيدة بطبيعة الحال، بل عمدت إلى زج القارة العجوز، في أتون الصراع في وعلى سورية، لتأت فرنسا في المقدمة لتكون الدرع السياسي الحامي للبيت الأبيض وكبش الفداء في المحرقة، إن شاء التراجع، متى رأى ذلك ملحاً.
لقد بدأ الوقت ينفذ بالنسبة للولايات المتحدة، على الرغم من استمرار دعمها المتداعي لما تسميه "النظام الإقليمي"، ولحماية مصالحها في "الشرق الأوسط"، والذي يشكل فيها عنصر الطاقة العالمية - من نفط وغازعاملاً رئيسياً لانتشارها في شرق سورية ومحاولة مده لمناطق أكثر غنىً بهما. إن إدارتها لتدخلها في الصراع في سورية قد سار على نحو كارثيَ مقوضاً الرغبة الأمريكية للعب "دور الموازن الإقليمي". فالنزاعان في بلاد الشام - الحرب في  سورية والحملة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" قد شارفا على وضع اللمسات الأخيرة فيهما دون نجاحٍ يسجلللعم سام. وأصبح واضحاً فشل أمريكا الذريع في تقويض الدولة السورية وسيادتها على أراضيها، حيث سيشكل انتصار الجيس السوري وسيطرة الدولة السورية على مزيد من الأراضي السورية لتكمل بسط سيادتها على كامل الأراضي، واندحار الدولة الإسلامية سبباً لتقف الولايات المتحدة موقف التبرير من وجودها على أرض سورية. 
وهكذا بات على الولايات المتحدة أن تنسحب بأسرع مما كانت تتوقع وتتمنى. فقد أضعفت الأهداف الطموحة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ودفعتها إلى إعلان نصرٍ باهتٍ على "العدو". وبذلك بررت انسحابها الوشيك التدريجي والتكتيكي! 
وحيث أن الاعتراف بالفشل كلاعبٍ رئيسٍ مفترضٍ في سوريا، فقد تلجاً واشنطن إلى استراتجيةٍ بديلةٍ من خلال استمرارها بالدعم المباشر أو غير المباشر للأكراد الانفصاليين في سورية، أو من خلال تحريك الجبهة الجنوبية في درعا من خلال جر الأردن - المتمنعة لتاريخه - للانخراط فيها إلى جانب الميليشيات الإرهابية والكيان الصهيوني ومن خلال استمرار دعمها غير العلني للعدوان التركي في شمال سورية. وقد تكون تلك الخيارات الثلاثة مجتمعةً، بالإضافة إلى اشعال جبهة إدلب والجوار من خلال فلول داعش وجبهة النصرة وأخواتها. وقد تلجأ إلى خيارٍ آخرٍ خفيَ يمليه عليها جنون ترامب وتجارته الطموحة.  
لكن العين السورية الساهرة والنصر السوري المبني على قاعدة بصيرة ومتبصرة لن تغفل عن كافة الاحتمالات المحتملة وكفيلةً بإجهاض أي خيارٍ كما فعلت وتفعل.