التكتيك الجديد للاحتلال الأميركي في سورية: ماذا بعد انتحار «جيش الإسلام»؟

التكتيك الجديد للاحتلال الأميركي في سورية: ماذا بعد انتحار «جيش الإسلام»؟

تحليل وآراء

الأحد، ٨ أبريل ٢٠١٨

فرنسا- فراس عزيز ديب
 
هكذا، نكثَ إرهابيو جيش الإسلام في دوما بعهودهم وتراجعوا عن الاتفاق الذي يقضي بإجلاء الإرهابيين وعائلاتهم إلى جرابلس، مقابل عودةِ أجهزة الدولة الرسمية إلى المدينة وتسويةَ أوضاعِ من يريد التسوية، اتفاقٌ هدفت الدولة أساساً من السير فيهِ لحقن الدماء رغم قدرتها الكاملة على اقتحامِ المدينة التي تُعتبر عسكرياً بحكم الساقطة، ليعاودَ الإرهابيون استهداف دمشق بقذائفَ الحقد والتطرف ما خلف شهداء وجرحى.
بالتأكيد أن التراجع عن الاتفاق لم يأتِ عن عبث، لأن هؤلاء الإرهابيين كمن وضعَ حبل المشنقة حول رقبته، وبدا التراجع عن تنفيذ الاتفاق يستند لأسبابٍ عدة منها غير المباشرة والتي تمثلت بخوفهم من التوجهِ إلى مناطق تسيطر عليها الميليشيا المدعومة من تركيا وبالتالي قطر، عندها ستكون ميليشيا «جيش الإسلام» المدعومة سعودياً أشبهَ بالحلقةِ الأضعف في مسلسلِ تصفيةِ الحساباتِ الخليجية الخليجية، أما السبب المباشر فهي رغبةٌ سعودية بعدمِ إنقاذ «حريري سورية» لانتفاءِ الحاجةِ إليهم، تحديداً أن هذا التنظيم لم يعد قادراً بعدما حققه الجيش العربي السوري والحلفاء في الغوطة أن يشكل إزعاجاً لنظام الحكم القائم، فكان التوجه السعودي الجديد وبضغطٍ أميركي بفكفكة كل التفريعات الوكيلة على الأرض، واقتصار المهمة على الأصيل، فكيف ذلك؟
في العمل السياسي، فإن طلبَ اللقاء الصحفي لوسيلةٍ إعلاميةٍ مع شخصيةٍ سياسيةٍ ما قد يكون سابقاً للقاء بأسابيع وربما أشهر، لكن هذا لا يمنع أن يكون هناك لقاءاتٍ صحفية يجري ترتيبها على عجلٍ تكون مدفوعة الأجر من قبلِ صاحب الطلب، لأنها مرتبطةٌ برسائلَ ما يراد توجيهها، أو أوعزَ إليه بضرورةِ توجيهها.
هذه الحالة تنطبق تماماً على ما جرى مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الأسبوع الماضي، إذ لم يكد يجف حبر مقابلتهِ الأولى مع مجلة «ذا أتلانتيك»، حتى عاجلنا بلقاءٍ آخر مع مجلة «التايم» تؤكد مصادر مقربة من المجلة أنه لم يكن مدرجاً في برنامجها، وما يثبت هذه الفرضية أن كلا اللقاءين لم يحملا ما هو مهم بل بدتا نوعاً ما، تكراراً لعملية التجميل الذاتية التي يتبعها ولي العهد ويعتمد فيها على صحفيين عرب وأجانب، لكن ما يميز اللقاء الثاني مع مجلة «التايمز» أنه تلا الكلام الذي أطلقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن نيته سحب قواته من سورية، وسبق تأكيدات مجلس الأمن القومي الأميركي بأن ترامب وافق على التمديد لبقاء القوات الأميركية في سورية، فما الذي جرى في الساعات الأخيرة لتنقلب الأمور بهذه الطريقة رأساً على عقب؟
منذ اندلاع الحرب على سورية، اعتمدت «إسرائيل» منهجاً واضحاً في طريقة تعاطيها مع المعارضين السوريين الراغبين بكسب ودها وهو وضعهم أمام خيارين، إما علانية العلاقة أو لا علاقات ولا دعم، كان الصهاينة يرغبون من ذلك كسب نقطتين؛ الأولى القول إنهم موجودون وبقوةٍ في الملف السوري والثاني تعويمهم كـ«دولة» كما غيرها من دول العالم التي يزورها السوريون الهاربون من «جحيم النظام المعادي لها»، نجحوا في ذلك لحدٍّ بعيد إذ إنه ومنذ الأشهر الأولى خرج الدعم الإسرائيلي للمعارضات السورية إلى العلن، هذا الأسلوب في استثمار حاجة ولهاث الراغبين في قلب «النظام السوري» كما يسمونه، يبدو أنه أعجب الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأراد تطبيقه على أهم تابعين له في المنطقة وهم «آل سعود» و«آل نهيان»، إذ بدا ترامب وكأنه يكره اتفاقيات الغرف المغلقة بل إنه يريد كل شيء في العلن، حتى ولو كان هذا الأمر مرتبطاً بالتكتيك الجديد في إدارة الحرب على سورية وبمعنى آخر: لا حاجة بعد اليوم لتنظيمات تفتح جبهات هنا وهناك طالما أن الجيش السوري يتقدم، عليكم تركيز الدعم فقط على وجود القوات الأميركية في شرق سورية فهي الكفيلة بإبقاء حالة اللا هزيمة واللا انتصار لكل الأطراف ودون الحاجة للمزيد من المعارك، فما هي الدلائل على البدء بالإستراتيجية الجديدة؟
لم يكن كلام الرئيس الأميركي عن سحب قواته من سورية فقط هو الغريب، تحديداً أن المتابع للشأن الأميركي بات يدرك تماماً أن ترامب أضعف بكثير من الوقوف بوجه المؤسسة العسكرية وهي الحاكم الفعلي للولايات المتحدة، لكن الأكثر غرابة كان حديثهُ عن إنفاق عشرات التريليونات من الدولارات دون الاستفادة منها وهي كذبةٌ بدت مناسبة جداً لكذبة «أول نيسان»، تحديداً أن القاصي والداني يعلم أن القواعد الأميركية المنتشرة في منطقة الخليج مثلاً «مسبقة الدفع»، حتى الأسلحة التي يتم توريدها لميليشيا «قوات سورية الديمقراطية -قسد» فهي لا تدخل ضمن برنامج المساعدات الأميركي المزعوم بل يتم تحصيلها من سرقة النفط السوري في الحقول التي تحميها القوات الأميركية.
هذا التصريح والطلب من السعودي حصراً الدفع كان من الممكن أن يتم ضمن الاجتماعات التي جمعتهما، لكن ترامب أراد قولَ ذلكَ علانيةً إننا لسنا هنا من أجل الابتزاز المادي فقط كما يريد البعض أن يفسر مجمل تصرفات ترامب، بل أراد القول لمن يعنيهم الأمر دولاً وغير دول: إن هناك تكتيكاً جديداً لإدارة الحرب على الأرض السورية وبمعنى آخر: لم تعد الحرب على الأرض السورية عبر تنظيماتٍ تدعمها الولايات المتحدة وغير الولايات المتحدة، بل هي حرب مع الولايات المتحدة وحلفائها، هو توجه أخطر بكثير من موضوع الابتزاز المالي وما يعززه كلام محمد بن سلمان الأخير الذي بدا قبولاً ضمنياً ليس فقط بدفع كامل التكاليف الناتجة عن بقاء القوات الأميركية في سورية، لكنه نقل الصراع من دعم مجموعاتٍ إرهابية في سورية إلى مستوى أن الوجود الأميركي ضمانة لدول المنطقة، وهو ما عناه بقوله إن الوجود الأميركي شرق سورية يساهم بقطع الطريق الممتد من إيران إلى حزب الله، ويساهم بحمايةِ دول المنطقة من العديد من المشاكل، وبالتأكيد لا يمكننا الجلوس طويلاً لنفكر بدول المنطقة التي عناها ابن سلمان، التي حكماً على رأسها يأتي الكيان الصهيوني فماذا ينتظرنا؟ وعندما نتحدث عما ينتظرنا فإن السؤال المنطقي ماذا عن الطرف الآخر؟
حتى هذا السؤال يبدو الآن حمّالَ أوجه لأننا حينها سنسأل من هو الطرف الآخر؟ وإذا كنا نفترض أن سورية وروسيا وإيران هم ذاك الطرف، فهل يجب علينا إضافة تركيا إليهم، تحديداً أن البعض يبالغ بتفاؤلهِ حولَ سلوك رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، مبالغة أوصلت صحيفة «كيهان» الإيرانية مثلاً للخروجِ بمانشيت يصف الاجتماع الذي انعقد في أنقرة وضم كلاً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والإيراني حسن روحاني، ورئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان بأنه «أثبت هويةَ المنتصرين»!
يبدو العنوان غريباً، ولا يشبهه إلا العناوين التي اختارها الإعلام المصري ليقول إن انتصار الرئيس عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الأخيرة أثبت الهوية الديمقراطية لمصر! مع تأكيدنا أن احترامنا لسياسة كل من إيران وروسيا وانتصار إرادتهما كان أساساً نتاج مواقفهم الثابتة باحترام القوانين الدولية وسيادة الدول وتطلعات الشعوب الصديقة وليس نتاج «قمة» لاتسمن ولا تغني من جوع، فالمقال وصف ما تحقق من انتصارات في الغوطة وإدلب كنتيجةٍ منطقيةٍ للتنسيق الثلاثي بين هذه الدول، عندها سنسأل كل من يروج لفرضية أن نظام أردوغان كشريكٌ في الانتصارات، أو في إطفاء نيران الإرهاب: وماذا عن التنسيق بين هذه الدول لمواجهة المشروع الأميركي المستجد؟ هل حقاً أن أردوغان تخلى عن فكرة الانضمام للاتحاد الأوروبي وترك حلف الناتو؟ هل حقاً أنه لا يرى مصالح مشتركة بينه وبين الإسرائيلي على الأرض السورية؟
كل هذه التساؤلات لن نستعجل بالإجابة عنها لأن الجواب عليها سيأتي مع الوقت تماماً كما أننا لا نستعجل الاحتفال بانتصارات أو بـ«تكويعات» آنيةٍ، فالحرب على سورية علمتنا أن نتعاطى بواقعيةٍ تامة مع مجريات الأمور والذهاب نحو صلب المعركة، مع التأكيد على أن الرهان على أردوغان أشبه بالرهان على بقاءِ كميةٍ من الزئبق في راحة اليد المقبوضة.
شيءٌ واحدٌ اعتدنا الاستعجال للاحتفال بهِ وهو تطويب شهدائنا كقديسين، لولاهم لما كانت قمم ولا كانت اجتماعات وربما دول، وانتقال الأميركي في تكتيكه المعتمَد في الحرب السورية إلى فكرة البقاء طويل الأمد، حكماً سيقابلهُ تكتيكٌ ينهي هذا الوجود بأسلوب قصير الأمد، لكن أياً كان هذا التكتيك الذي سيسحق الاحتلال الأميركي كما سحق عملاءه فلا يمكن لرجب طيب أردوغان أن يكون طرفاً فيه، فالمجرم لا يمكن له أن يتحولَ لحمامةِ سلام والقاتل لا يمكن له أن يكون شريكاً بانتصار لأنه بالنهاية تاجر بدماءِ الأبرياء وفتح باب المزايدات لما يخدم مصالحه أكثر، ولا نعلم أين ستكون مصلحته غداً، أي إن القضية باختصار: لكم انتصاراتكم ولنا انتصاراتنا.