اتجهات السياسة الأميركية مع دخول الطاقم الجديد

اتجهات السياسة الأميركية مع دخول الطاقم الجديد

تحليل وآراء

الاثنين، ٩ أبريل ٢٠١٨

يتسلم جون بولتون رسمياً منصبه كمستشار الأمن القومي في التاسع من نيسان/ أبريل الجاري، وذلك بعدما اختاره الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليحل مكان مستشار الأمن القومي السابق هربرت ماكماستر الذي أنهى أيامه الأخيرة في البيت الأبيض. أما مدير الـ"سي آي إيه"الحالي مايك بومبيو الذي اختاره ترامب لخلافة ريكس تيلرسون بمنصب وزير الخارجية، فستبداً الجلسات الاستماعية في الكونغرس للموافقة على تعيينه يوم الخميس المقبل في الثاني عشر من نيسان/ أبريل الجاري. ومع دخول هذا الطاقم الثنائي الجديد (في حال موافقة الكونغرس على بومبيو) قد نشهد عودة إلى السياسة "الترمبية" في ملف السياسة الخارجية وتحولات كبرى في هذه السياسة.
 
طوال حمتله الانتخابية ركز ترامب المرشح على "الإرهاب الإسلامي الراديكالي" على أساس أنه من أخطر التهديدات للولايات المتحدة، دون أن يتكلم إطلاقاً عن أي خطر تشكله روسيا أو الصين (أقلّه على الصعيد الجيوسياسي). هذا الخطاب استمر حتى يوم تنصيب ترامب رئيساً للولايات المتحدة حينما توعّد بتوحيد "العالم المتحضر ضد الإرهاب الإسلامي الراديكالي"، أيضاً دون أن يتحدث إطلاقاً عن أي تهديد تشكله موسكو أو بيكن. غير أنه لم تمرّ فترة طويلة بعد ذلك قبل أن تفرض المؤسسة الأميركية أو ما يسميه البعض "الدولة العميقة" تغييرات في إدارة ترامب، حيث جيء بشخصيات إلى البيت الأبيض تعتبر من مدرسة الحرب الباردة المعادية جداً لروسيا، ما أدى إلى صعود خطاب العداء تجاه موسكو واعتبار الأخيرة الخطر الأكبر للولايات المتحدة.
 
إلا أن ترامب ومع إعلانه تغييرات مرة أخرى في المناصب واختياره بومبيو وبولتون، فيبدوا أنه يحاول مرة أخرى توجيه البوصلة تجاه "الإرهاب الإسلامي الراديكالي" بدلاً من التركيز على العداء لروسيا، ما قد يعني صراع كبير ومحتدم قد نشهده في واشنطن بين سياستين أميركيتين: واحدة تتمحور حول محاربة "الإرهاب الإسلامي الراديكالي"، وأخرى تستند بشكل أساسي على التصعيد ضد روسيا.
 
منذ هجمات الحادي عشر من أيلول أصبح هناك معسكرين إثنين بالحزب الجمهوري، الأول يرى أن الولايات المتحدة هي في معركة وجودية مع ما يسمى "الإسلام الراديكالي"، بينما الثاني هو المعسكر التقليدي المعادي لروسيا والذي يشدد على أن المصلحة الأميركية تقتضي الحفاظ على الدور القيادي الأميركي في أوروبا وشرق آسيا. لطالما بدا ترامب أنه أقرب إلى المعسكر الأول، وهو ما تجلى بالشخصيات التي اختارها في أوائل حكمه في البيت الأبيض. ومن أبرز هؤلاء الشخصيات مستشار الأمن القومي السابق لترامب المدعو مايكل فلين الذي عمل بمنصبه لأقل من شهر قبل إقالته على خلفية تواصله مع مسؤولين روس. وكان فلين وكما ترامب من المؤيدين بقوة للدخول بتحالف مع موسكو من أجل محاربة "الإرهاب الإسلامي الراديكالي"، حتى أن كبير استراتيجيي البيت الأبيض السابق ستيف بانون لم يكن بعيداً عن هذا الفكر، حيث قال خلال مؤتمر عقد في الفاتيكان عام 2014 إن "الغرب اليهودي المسيحي" هو بحالة حرب مع الإسلام.
 
يضاف إلى هذه الأسماء المدعو سبستيان غوركا الذي كان يتولى منصب نائب مساعد ترامب قبل أن يقال أيضاً، والذي هو صاحب عدد من المؤلفات حول الحرب ضد "الجهاد" والإرهابيين، والمتهم بأنه يعتبر أن الدين الإسلامي بحد ذاته يشجع على الإرهاب والعنف.
 
أما هربرت ماكماستر الذي جاء خلفاً لـ فلين بمنصب مستشار الأمن القومي والذي انتهت أيامه بعد ما أقاله ترامب، فيعتبر أقرب إلى المعسكر التقليدي المعادي لروسيا. وقد تجلى ذلك في استراتيجية الأمن القومي الأميركي التي أعلن عنها أواخر العام الماضي والتي لعب ماكماستر طبعاً الدور الأساس في إعدادها. الاستراتيجية هذه شكلت عودة إلى عهد الخصومة الجيوسياسية، إذ أنها صنفت كل من موسكو وبيكن بأنهما التهديد الأساس للولايات المتحدة. يضاف إلى ذلك بأن ماكماستر وخلال فترة توليه منصبه تحدث عن قيام روسيا والصين بتخريب النظام العالمي الذي ساد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية " على حساب الولايات المتحدة وحلفائها"، وعارض بنفس الوقت استخدام مصطلح "الإرهاب الإسلامي الراديكالي".
 
طاقم ترامب الجديد المتمثل بـ بولتون وبومبيو قد ينظر إليه في المقابل على أنه أقرب إلى معسكر الحزب الجمهوري الذي يركز على مواجهة ما يسمى بخطر "الإسلام الراديكالي"، وهو ربما أحد أسباب اختيار ترامب لهذه الشخصيات.
 
وبالنسبة إلى سجل بومبيو في موضوع معاداة الإسلام فقد اتهم الأخير المنظمات والمساجد الإسلامية بنشر التطرف داخل أميركا، وذلك خلال خطاب ألقاه عقب تفجيرات مارثاون بوسطن عام 2013 (عندما كان بومبيو لا يزال عضواً في الكونغرس). كما قال وقتها أن الشخصيات الإسلامية القيادية في أميركا لم ترفع الصوت ضد تفجيرات ماراثون بوسطن، وأن هذا "الصمت" يطرح شكوك حول "التزام اتباع الدين الإسلامي بالسلام". كذلك يتضمن سجل بومبيو علاقات قوية مع منظمة أميركية تدعى Act for America وهي منظمة معروفة بعدائها للإسلام، حيث تسلم بومبيو جائزة كبيرة من هذه المنظمة عام 2016.
 
وفيما يخص سجل بولتون، فإن الأخير هو رئيس معهد "Gatestone" وهو مركز دراسات يقوم بنشر تقارير حول "أسلمة" دول أوروبية مثل بريطانيا على أيدي مهاجرين مسلمين. كما أن بولتون مقرب من شخصيات معروفة تنتمي إلى مدرسة "الإسلاموفوبيا"، مثل "Pamela Geller" (والتي هي بنفس الوقت شخصية صهيونية معروفة). ويضاف إلى سجل بولتون أيضاً عمله كباحث بمعهد American Enterprise وهو معهد معروف تابع لمعسكر المحافظين الجدد الداعم بقوة للكيان الإسرائيلي.
 
على ضوء هذه المعطيات يتبين بأن بومبيو وبولتون قد يؤيدان مقاربة ترامب للتركيز على خطر "الإرهاب الإسلامي الراديكالي" بدلاً من إعطاء الأولوية للتصعيد ضد روسيا، خاصة وأن "إسرائيل" من جهتها تؤيد المعسكر المعادي للإسلام مقابل المعسكر المعادي بشكل أساس لروسيا، وذلك لأن "الإرهاب الإسلامي الراديكالي" وفق تعريف المعسكر المعادي للإسلام لا يشمل فقط داعش والقاعدة وحركة طالبان، بل أيضاً إيران وحزب الله وغيرهم. والموقف الإسرائيلي بكل تأكيد سيكون عامل حاسم في مواقف بولتون على وجه الخصوص.
 
التداعيات المحتملة مع دخول طاقم ترامب الجديد:
إذا ما كسب ترامب المعركة ضد المعسكر الأميركي الآخر المعادي لروسيا، وذلك بمعونة بومبيو وبولتون، فمن أبرز التداعيات المحتملة لذلك أن تقدم واشنطن عرضاً حقيقياً لموسكو يتمثل بالدخول في تحالف ثنائي لمحاربة "الإرهاب الإسلامي الراديكالي" ليس فقط في سوريا وإنما في ساحات أخرى ذات "الاهتمام المشترك" وعلى رأسها أفغانستان.
 
إلا أن هذا العرض الأميركي المحتمل سيكون على الأرجح مشروطاً بأن تفكك روسيا تحالفها مع إيران وأن تقلص روسيا من تواجد ونفوذ إيران وحزب الله في سوريا تلبية لرغبات إسرائيل (رغم صعوبة حصول هذا السيناريو). وما يعزز هذا الاحتمال هو العداء المطلق والعقائدي إذا صحّ التعبير، والذي يحمله بومبيو وبولتون تجاه طهران. بالتالي فإن الموقف الأميركي حيال سوريا قد يتحول ليس فقط إلى القبول بالرئيس بشار الأسد رئيساً لسوريا، بل أيضاً إلى تطبيع العلاقات بين واشنطن ودمشق والقبول بالنفوذ الروسي في سوريا، لكن شرط دحر نفوذ وتواجد إيران وحزب الله.
 
ومن التداعيات المحتملة الأخرى البارزة لدخول طاقم ترامب الجديد إدراج منظمة الإخوان المسلمين على لائحة الإرهاب الأميركية، والذي سيكون له بدوره تداعيات كبيرة على علاقات واشنطن مع بعض دول المنطقة.
 
ويشار بهذا السياق إلى أن إدراج الإخوان المسلمين على  لائحة الإرهاب موضوع طرح سابقاً في إدارة ترامب، وإلى ، تيلرسون كان من أبرز الرافضين لهذه الفكرة. أما بومبيو من جهته فعندما كان عضواً في الكونغرس رعى مشروع قرار بتصنيف الإخوان المسلمين منظمة إرهابية.
 
كذلك فإن كل من بومبيو وبولتون مقربان من المدعو فرانك غافنيه وهو شخصية معروفة عمل بإدارة  رونالد ريغون، ورئيس "مركز الدراسات الأمنية"، ويشتهر غافنيه بعدائه للإخوان المسلمين، حيث يرى أن هذا التنظيم يسعى إلى "أسلمة" أميركا من خلال المساجد والمؤسسات الإسلامية الموجودة في الولايات المتحدة.
 
وفي حال تمّ بالفعل إدراج الإخوان المسلمين على لائحة الإرهاب الأميركية، فإن ذلك من شأنه توتير العلاقات الأميركية التركية المتوترة أصلاً، إضافة إلى توتير العلاقات الأميركية القطرية (التي سعى تيلرسون بدوره إلى عدم المسّ بها عقب الأزمة الخليجية)، ما يعني إطالة أمد الأزمة الخليجية وانحياز أميركي واضح مع المعسكر الإماراتي السعودي.
 
يتبين إذاً بأن ترامب وإذا ما نجح مع طاقمه الجديد بفرض أجندته، فإنه سينتهج سياسة تقوم على الشراكة والعلاقات القوية مع 4 أطراف أساسية في المنطقة: وهم مصر و"إسرائيل" والإمارات والسعودية. ويضاف إلى ذلك إمكانية الدخول في تحالف مع روسيا لمحاربة "الإرهاب الإسلام الراديكالي"، لكن هذا السيناريو الأخير ليس حتمياً أبداً كونه سيكون مشروطاً على الأرجح بأن تفكك روسيا تحالفها مع إيران وتحدّ من نفوذ إيران وحزب الله في سوريا. فموسكو من جهتها ليس فقط قد لا تريد ذلك، وإنما حتى قد لا تكون قادرة على القيام بذلك.