إسرائيل تُغامر... وتستدرج تورّطاً أميركياً؟.. بقلم: علي حيدر

إسرائيل تُغامر... وتستدرج تورّطاً أميركياً؟.. بقلم: علي حيدر

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٠ أبريل ٢٠١٨

يتجاوز الاعتداء الإسرائيلي على مطار T4 في سوريا في رسائله ومفاعيله مجرّد كونه ضربة عسكرية نفذها سلاح الجو أدت الى سقوط خسائر مادية وبشرية في صفوف «الحرس الثوري»، وينطوي على محاولة تأسيسية متجدّدة تهدف إلى احتواء مفاعيل الانتصار الذي حققه محور المقاومة في سوريا، والحد من تداعياته على الأمن القومي الإسرائيلي. ومع أن البعد الاستراتيجي – السياسي هو الأكثر حضوراً في هذا الاعتداء، إلا أنه أيضاً يندرج ضمن أخطار الخطوط الحمراء التي أعلنها قادة العدو مراراً، منذ تبلور فشل الرهانات على الجماعات المسلحة في سوريا.
منذ ما بعد العاشر من شباط الماضي، وإسقاط طائرة الـ«أف 16» الإسرائيلية، أعربت تل أبيب عن تخوفها من أن يتحول هذا الحدث إلى محطة تأسيسية يمكن أن يقيّد أداءها العملاني. وعلى هذه الخلفية، حرصت مراراً على تأكيد أن ما جرى لن يردعها عن مواصلة اعتداءاتها، إدراكاً منها أن أي تراجع في مسار اعتداءاتها سيؤدي إلى تراجع حضورها في الساحتين الاقليمية والدولية، وسيقوّض قدرتها الردعية. وسواء كان الاعتداء على مطار T4 هو الأول منذ ما بعد حادثة إسقاط الـ«أف 16»، أو لم يكن كذلك، كما لمّح وأكد كلّ من رئيس أركان جيش العدو غادي أيزنكوت في سلسلة مقابلاته عشية عيد الفصح اليهودي، أو كما ردّد وزير الأمن أفيغدور ليبرمان، فإن هذا الاعتداء الأخير يهدف – من ضمن أهداف متعددة – إلى محاولة منع تكريس كبح استراتيجيتها العسكرية في الساحة السورية. في المقابل، لا تستطيع تل أبيب التأكد من أن ما جرى في العاشر من شباط لن يتكرر بشكل أو بآخر، بل بات صنّاع القرار أكثر اقتناعاً بأن المسار الذي تسلكه إسرائيل ينطوي على الكثير من الألغام التي قد تنفجر في وجهها بعد هذا الاعتداء أو ذاك. من هنا، فإن الضربة الجوية تشكّل محاولة فعلية صاخبة لمنع بلورة معادلة تكبح سياساتها العدوانية، وتهدف إلى تكريس المعادلة التي فرضتها منذ سنوات، باعتبارها إحدى الفرص التي وفرتها الحرب التي تم شنّها على سوريا.
يأتي هذا الاعتداء بعد سلسلة من الرسائل الكلامية والعملانية التي وجّهتها إسرائيل تجاه الساحة السورية. وكخلاصة للتقييم الاجمالي لاستراتيجية المعركة بين الحروب، في الساحة السورية، يقرّ الإسرائيليون بأنّ حزب الله بات أكثر قوة وخبرة وتوثباً من أي وقت مضى. ويقرّون بشكل صريح أيضاً بأن مآل تطورات الساحة السورية انتهت إلى صيغة كانت أبعد ما تكون عن مخيّلة أجهزة التقدير والاستخبارات والقرار السياسي، بل يصح القول إنّ ما جرى هو من أخطر السيناريوات التي تتخوّف منها إسرائيل لجهة ما تنطوي عليه من تعاظم قدرة ردع محور المقاومة. من هذه الزاوية، أيضاً، يشكّل الاعتداء الإسرائيلي محطة تصاعدية في سياق استراتيجية العدوان والرسائل التي تعتمدها في/ وعبر الساحة السورية.
يأتي الاعتداء الإسرائيلي بعد قمة أنقرة التي شكّلت من منظور إسرائيلي محطة كرّست هوية المنتصرين في الساحة السورية، كونها انطوت على تسليم تركي بالنفوذين الإيراني والروسي، وتسليم روسيّ بالحضور والنفوذ الإيرانيين. وهو ما يعني عملياً استنفاد كافة الرهانات التي كانت تأملها تل أبيب من خلال الرهان على دور روسي كابح لإيران ومحور المقاومة. ومع أن موسكو تتمتع بعلاقات مميزة مع تل أبيب، لكنها في الوقت نفسه تتقاطع مع طهران في أكثر من ملف وقضية إقليمية، وعلى رأسها محاربة الارهاب التكفيري في سوريا والعراق، فضلاً عن العلاقات الخاصة على قاعدة مواجهة التحدي المشترك المتمثل في تهديدات واشنطن.
وما فاقم مخاوف الإسرائيلي هو اقتران هذه التطورات بإعلان ترامب عزمه على الانسحاب من سوريا. وبغض النظر عمّا سيؤول اليه هذا المسار، فإن صدور مثل هذا الموقف من رئيس الولايات المتحدة، وفي هذه المرحلة التي تمر بها سوريا والمنطقة، يشكّل مصدر قلق عميق بالنسبة إلى إسرائيل، وهو ما يفسّر ما تناقله العديد من وسائل الاعلام قبل أيام، عن مكالمة هاتفية متوترة بين نتنياهو وترامب على خلفية عزم الأخير على الانسحاب من سوريا.
على خلفية كل ما تقدم، أدركت إسرائيل أنها في «ورطة استراتيجية»، في حال لم يتم كبح تشكّل «قوس شمالي»، بحسب تعبير نتنياهو، يهدّد عمقها الاستراتيجي، ويُقيِّد هامش اعتداءاتها، وبتعبير أدق يقيّد دورها الوظيفي الغربي في المنطقة. وهكذا وجدت تل أبيب نفسها مدفوعة للمسارعة إلى تصعيد اعتداءاتها على أمل أن تتمكن من الدفع نحو الهدف الاستراتيجي المعلن من قبلها، وبحسب أدبيات المسؤولين الإسرائيليين «منع التمركز الإيراني في سوريا». ولكن يفترض أن تل أبيب تدرك أيضاً أن المسافة ما زالت طويلة، بل طويلة جداً، بين هذا الاعتداء أو ما يشبهه، حتى لو أدت الى نتائج عسكرية ما، وبين تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي.
أما بخصوص التوقيت الظرفي لهذا الاعتداء، فمن الصعب الفصل بينه وبين مقولة استخدام الكيميائي في دوما، خاصة بعدما تم الكشف عن أن تل أبيب أبلغت واشنطن بالهجوم مسبقاً، كما كشفت قناة «كان» العبرية. وهو ما يحسم مسألة التنسيق المسبق، والتخطيط لمرحلة ما بعد الاعتداء. ومع أن إسرائيل تدرك منسوب المغامرة المرتفع في مواصلة اعتداءاتها وتصعيدها، إلا أنها ترى أن الوقت يضيق أمامها، وبالتالي عليها استغلال وجود ترامب، وتحديداً قبل تنفيذ ما يعلنه من مواقف تتصل بالانسحاب من سوريا، وقبل استكمال الترتيب السياسي الذي يكرس انتصار دمشق ومحور المقاومة، ويحوِّل موسكو إلى الملجأ الوحيد لتل أبيب.