ذكرٌ وامرأة ودونالد ترامب ثالثُهما: صواريخُ حقدكم لن تُسقطَ قاسيون

ذكرٌ وامرأة ودونالد ترامب ثالثُهما: صواريخُ حقدكم لن تُسقطَ قاسيون

تحليل وآراء

الأحد، ١٥ أبريل ٢٠١٨

فرنسا- فراس عزيز ديب
منذُ عقودٍ غنّت دلال الشمالي رائعةَ خليل خوري «من قاسيونَ أطلُّ يا وطني»، لكننا اليوم لم نعد نعرف عن أي قاسيون كانوا يتحدثون، هل هو ذاك الجبل الغافي في حضنِ التاريخ والحضارة لتتكئ عليهِ أقدمَ عاصمةٍ مأهولةٍ في التاريخِ، أم تلك الجبال الغافية على السلاح لتذودَ عن حياضِ الوطن فجعلوا دمشقَ «تعانقُ السحبا» لتكونَ شمس انتصاراتٍ وردٍّ للعدوان، كيف لا وهي من قال فيها يوماً عمر أبو ريشة:
كلما انقضَّ عليها عاصفٌ دفنته في ضلوعِ السحب.
لكن عذراً من روح شاعرنا فمصرَ لم تعد «أغاني جِلّق»، وبغداد لم تعد «نجوى يثرب»، هل أحدّثك عن الأولى كيف يخافُ أولي أمرِها أن يخرجوا ويقولوا: من القاهرة، هنا دمشق، ليبقى من ذكرى عروبتهم خطابٌ لجمال عبد الناصر يقول فيه: «جزمة كل شهيد أشرف من تاج الملك سعود والملك حسين»، أم أحدثك عن بغداد التي تاجر بها الذين يحتلون «يثربَ» هذهِ الأيام، فتنكروا برمزية رحلتي «الشتاء والصيف»، لتصبحَ رِحالهم التجارية بين واشنطن ولندن لبيعِ ما تبقى من شرفِ هذه الأمة في سوقِ النخاسة «المتحضر».
وحدها دمشق من بقيت، وحدها دمشق من أرسلت عليهم حجارةً من سجيل، لتقول: خسئتم؛ قد يسقط التاريخ قبلَ أن تُسقطوني.
هكذا نفذ «دونالد تويتر» تهديداتهُ عندما شن تحالفٌ يضم كلاً من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة هجوماً على عدةِ نقاطٍ قالوا إنها تمثل نقاط قوةٍ للجيش العربي السوري.
بالتأكيد لا يمكننا بأي حالٍ من الأحوال القولَ إن هذا العدوان ثلاثي، ولا حتى سداسي انطلاقاً من الدول الذي دعمته ومولته وهي بالتحديد مشيخات الذل، هذا العدوان يضم حتى من يصمت عن إدانتهِ، لأن المواقف المبدئية للدول المستقلة أو حتى تلك التي تظن نفسها مستقلة لا يمكن لها أبداً أن يجعلها تتغاضى عن انتهاك القانون الدولي ليصبحَ قرار الحرب والأدلة التي تبرر شنَّها مأخوذاً من مواقع التواصل الاجتماعي، عبر ذكَرٍ وامرأة اجتمعا فكان الشيطان ثالثهما، وبالتالي فإن من لا يدين هو مشارك، وإن كنا لن ننسى من لا يدين، فكيف بمن موَّل وسهّل ونفّذ، ليبقى السؤال المطروح لماذا استعجلوا العدوان بهذه الطريقة حتى قبل وصول لجنة التقصي بشأن الهجوم الكيماوي في الغوطة؟
ربما؛ حتى المعتدينَ أنفسهم والممولين وجمهورهم يعلمون أن قضية الهجوم الكيماوي في الغوطة كانت ذريعةً لشن العدوان، وليس مجردَ ذريعةٍ لإحراجِ روسيا في مجلسِ الأمن لأنهم كانوا يعلمون أن الفيتو جاهز، أي إن مسرحية الكيميائي بالأساس وتسويقها كانت للتجهيز لضربةٍ قاصمة، ليس فقط على مراكز قوة الجيش العربي السوري، لكن سيتعداها ليكونَ على مراكز قوة ما يسمونه «النظام السوري»، هذا الأمر كان جارياً فعلياً وعملوا عليه، أي إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان صادقاً بـ«تغريداته» وهناك في الطرف الآخر من أدرك أن هذا المعتوه سيقود حلفاءه نحو المجهول، وعليه ارتفع سقف المواجهة الدبلوماسية لتصبح عسكرية في الساعات القليلة قبل الإعلان عن الهجوم، وبمعنى آخر كان اللغز بقدرةِ الروس على الذهابِ بعيداً في الحشد المضاد، ومع إعادةِ تموضع البوارج الروسية في المتوسط بدا الأمر وكأنه رسالة للطرف المقابل بأن الأمر ليس نزهة، تحديداً أن الروس قبل غيرهم يعلمون فرضية أن انتصار الغوطة الذي حققه الجيش العربي السوري هو بمنزلة زلزالٍ عند الطرف الآخر؛ ومن ثم كان هناك استعداداتٍ لأي احتمالاتٍ وما يدعم هذه الفرضية أن الهجوم إخفاق قبل أن يبدأ فما يثبت ذلك؟
أولاً؛ الانقسام الداخلي بين الأذرع المتصارعة في الدول التي تقود العدوان، هذا الأمر كان أقل انكشافا في كل من فرنسا وبريطانيا، فالمصادر الدبلوماسية في عاصمة «الحريات المدنية» مثلاً تحدثت عما سمته إقالاتٍ وتنقلاتٍ طالت عدداً من المسؤولين الأمنيين والمستشارين العسكريين للإليزيه الرافضين لهذه المشاركة التي تخدم الإرهابيين، أما الجانب الأهم وهو الأميركي فإن الانقسام الحاد بين جميع المؤسسات بما يتعلق بالحرب على سورية ككل بات واضحاً وضوح الشمس، بل إن هذا الانقسام يبدو كأنه المسار الذي يقود العالم إلى الفوضى، لكن الأهم أن هذا الانقسام ساهم ربما في تهدئة الرؤوس الحامية وعدم الذهاب بعيداً في تجاوز الخطوط الحمراء.
ثانياً، وهو مرتبط بما يمكننا تسميته «بنك الأهداف»، وبمعنى آخر ما الذي كان يريده المعتدون على الورق وما الذي حققوه، هذا الأمر ربما يمكن تسميته «الخطوط الحمراء» التي قصدناها آنفاً، إذ بدا واضحاً أن هناك هوة كبيرة بين حجم التهديدات وبين ما تم استهدافهُ وإلا فإن بنك الأهداف الرامي لإضعاف الجيش العربي السوري كان سيتعدى هذه الأهداف وربما ليصل لاستهداف القصر الرئاسي ومطار المزة العسكري، هذا الأمر كان «عشماً» خليجياً ممهوراً بختم المعارضات السورية التي كانت ولا تزال تمني النفس بأن تدخل دمشق على ظهر الدبابات المعتدية.
كل هذا الأمر لم يتحقق، بل إن الأهداف التي استهدفوها ونجحوا هي أهداف أقرب للمدنية، كالمنشأة التعليمية في مركز البحوث العلمية والأهم إن كانوا كما يروجون في أكاذيبهم قد استهدفوا في دمشق مركزاً لتطوير الأسلحة الكيميائية هذا يعني على الأقل كان علينا أن نستيقظ لنرى نصف سكان دمشق على الأقل قد ماتوا بتأثير هذه المواد!
ثالثاً، وهو التناقض في التصريحات ما قبل العدوان وما بعده، إذ حاولت البيانات الرسمية للدول المعتدية أن تركز على مصطلحات من قبيل، «تدمير الأهداف» «تحقيق الحملة لأهدافها» فرئيسة الوزراء البريطانية مثلاً قالت إن الهدف ليس قلب الحكومة بقدر ما هو «ردعها عن إنتاج السلاح الكيميائي»، وهو ذات الكلام تقريباً الذي كرَّرهُ وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، لكن حتى هذه الذريعة بدت مرتبكة تحديداً أن القيادة العسكرية الأميركية وبعد ساعات من تغريدة ترامب حول موعد استهداف سورية، سارعوا لنفي امتلاكهم أدلةً تثبت مسؤولية الحكومة السورية عن الهجوم الكيميائي الذي ضرب الغوطة، وهو يتعارض بشكلٍ متزامنٍ مع كلامٍ قاله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال حديثٍ تلفزيوني مساء الخميس بأنهم باتوا يمتلكون أدلةً على هذا التورط، هذا الارتباك بين الأهداف والمبررات وما حققه العدوان على أرض الواقع لا يثبت لنا فقط أن ما حدث تم على عجلٍ لكنه يثبت أن الرد السوري كان قاسياً، وهذا الأمر يقودنا لتساؤل مهم: ماذا بعد هذا العدوان؟
بالتأكيد لن نكرر الجملة السمجة «ما بعد العدوان ليس كما قبله»، لأننا منذ آذار 2011 حتى اليوم ونحن نعيش العدوان، وسنظل حتى تحرير سورية من آخر إرهابي ومحتل، لكن المفيد هنا ماذا بعد العدوان بالنسبة لأعدائنا؟
كان لافتاً أن يتحدث البيان الرسمي للجيش العربي السوري عن تدمير أغلبية الصواريخ، بل إن بعضها جرى «حرفهُ عن مسارهِ»، فما التقنيات التي يملكها الجيش العربي السوري ليقوم بهذه المهمة التي تبدو في العلوم العسكرية أعقد من استهدافها بمضادات الدفاع الجوي، إضافة لذلك ما المنظومات التي استخدمها الجيش العربي السوري في الرد على هذه الصواريخ، فالأميركي مثلاً اعترف أن الروس لم يشاركوا بشكلٍ مباشر، والمنظومات التي تحدث عنها الروس تم إنتاجها قبل عقود من الاتحاد السوفييتي، فما التعديلات التي جرت عليها؟
هذا السؤال لا يفتح فقط ملفاً إجراميا ترتبط فيه المعارضات السورية التي استهدفت ومنذ الأشهر الأولى للحرب منظومات الدفاع الجوي والشخصيات العلمية السورية التي اغتيلت لأنها عملياً مرتبطة بتطويرٍ وتحديث كهذا، لكنه يفتح الملف الأهم الذي مازال الجميع في الحلف المعادي لا يمتلك الجواب عليه:
ما الذي يمتلكه الجيش العربي السوري من منظومات إذا كانوا حتى الآن لم يستلموا منظومة إس 300 وأين هي؟ هم لم يستفيقوا بعد من صدمة إسقاط طائرة أف 16 الصهيونية لتأتيهم الصواريخ التي تم اصطيادها، مع التأكيد أنهم استخدموا بهذا العدوان أحد آخر مسرحياتهم وهي الهجوم بالسلاح الكيميائي فكيف سيكون المبرر مستقبلاً، أو بالأصح ماذا ينتظرنا؟
ليس عدواناً لحفظ ماء الوجه أو لتضع الحرب أوزارها، الحرب الحقيقية لم تبدأ بعد وكل ما يجري يبدو فيما يبدو «بروفا» لما هو قادم، فإما تراجعاً وإقراراً بالهزيمة أو الذهاب نحو المواجهةِ الكبرى باعتبار أن إطالة مدى الحرب لم يعد ممكناً في ظل تلاشي الإرهابيين على الأرض، لكن بكل الأحوال سيسجل التاريخ يوماً أن سورية بجيشها وشعبها قد أسقطت أحلام الواهمين، أما المصفقون لهذا العدوان فهم ببساطة تنطبق عليهم مقولةً منسوبة لأحد رموز الثورة السورية وهو سلطان باشا الأطرش: «نيال اللي ماعندو شرف» ونضيف عليها: «نيال اللي ماعندو كرامة».
ألم نقل لكم في أكثر من مناسبةٍ، من خُلق ليزحف فلن يطير!