بولتون وسورية والعراق.. بقلم: تحسين الحلبي

بولتون وسورية والعراق.. بقلم: تحسين الحلبي

تحليل وآراء

الخميس، ١٩ أبريل ٢٠١٨

يزداد يوماً تلو آخر الخوف والغضب عند القيادة الإسرائيلية من التصريحات المتكررة للرئيس الأميركي دونالد ترامب عن عزمه على سحب الوحدات العسكرية الأميركية التي تسللت إلى شمال سورية، فقد كرر هذه التصريحات في 29 آذار الماضي وفي 3 نيسان الجاري، فاتصل به رئيس كيان الاحتلال الصهيوني بنيامين نتنياهو بموجب ما نشر موقع مجلة «تايمز أوف إسرائيل» في الخامس من نيسان لكي يعرب عن رفضه لهذا الانسحاب الذي قيل إنه سيتم خلال الأشهر الستة المقبلة، ومع ذلك عاد ترامب وكرر هذا الموقف نفسه في 13 نيسان الجاري بموجب ما ذكرته صحيفة «نيويورك تايمز»، ولأن الحجة التي يرغب نتنياهو بالاستناد إليها من إصراره على استمرار وجود هذه الوحدات الأميركية هي «التحذير من الخطر الإيراني في سورية»، فقد أشار ترامب إلى ضرورة أن تشارك السعودية وقطر بشكل خاص مع دول عربية أخرى في تعبئة الفراغ الذي سيتولد عن انسحاب الوحدات الأميركية لمواجهة «خطر إيران»، ورغم أن دولاً مثل السعودية وقطر ترى فيهما إسرائيل نوعاً من الحليف العربي ضد إيران إلا أن القيادة الإسرائيلية تدرك أن مثل هذه الدول لن يكون بمقدورها تحقيق المصلحة الأميركية الإسرائيلية في شمال سورية، ناهيك عن استمرار النزاع بين السعودية وقطر وبين قطر والإمارات وتأثيره في أي دور لهذه الدول في شمال سورية.
تحولت دعوة ترامب لهذه الدول بنشر بعض وحداتها العسكرية في شمال سورية إلى سخرية عند دول كثيرة بل عند مسؤولين أميركيين، لأن السعودية التي يتباهى وزير خارجيتها بأنها «ستشارك في هذه الخطة إذا دعت الحاجة»، لم ترسل قوات سعودية إلى داخل اليمن بل أحضرت إليه في البداية مرتزقة من غير العرب تعاقدت معهم عن طريق شركات استخبارات خاصة أميركية مثل «بلاك ووتر» وغيرها، ثم حين هزمت مجموعات «أنصار الله» ووحدات الجيش اليمني المناهضة للسعودية ولـعبد ربه منصور هؤلاء المرتزقة، تعاقدت السعودية مع وحدات من الجيش السوداني، ويجري الحديث الآن بعد الهزائم المتتالية للسعودية في اليمن إلى التعاقد مع أوغندا لإرسال وحدات إلى اليمن، وهذا يعني أن السعودية تقدم المال للمرتزقة العرب والأجانب مقابل قتل اليمنيين داخل اليمن، على حين أنها ما زالت عاجزة عن حماية حدودها أمام عمليات الإغارة العسكرية البرية والجوية التي تقوم بها مجموعات «أنصار الله» والوحدات اليمنية العسكرية الوطنية.
إضافة إلى ذلك ألم يكن لكل من السعودية وقطر جيوش من الإرهابيين الذين مولتهم وسلحتهم وبلغ عددهم أكثر من 130 ألفاً ونقلتهم إلى سورية عبر تركيا ثم هزمهم الجيش العربي السوري وحلفاؤه خلال السنوات الماضية؟!
لاشك أن وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» تعرف كل هذه الحقائق، لكنها تريد ابتزاز العائلة المالكة سواء في السعودية أو في قطر لكي تدفع للجيش الأميركي عشرات المليارات بصفته البديل عن المرتزقة التي يمكن أن ترسلها لكيلا ترسل وحداتها السعودية العاجزة عن حماية قرية ومدينة سعودية قريبة من حدود اليمن، فواشنطن وتل أبيب تعملان معاً لتوجيه دول الخليج وفي مقدمها السعودية نحو الترويج والاعتقاد بوجود خطر إيراني في المنطقة لكي تبتز هذه الدول وتفرض عليها دفع العشرات والمئات من المليارات إلى بنوك الولايات المتحدة وتوظيف عشرات المليارات الأخرى لمصلحة إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وتصفية حقوق الشعب الفلسطيني.
وتحاول واشنطن استخدام هؤلاء الحكام لمصلحة ترسيخ التوسع الصهيوني على حساب كل العرب وليس الفلسطينيين وحدهم، وليتذكر الجميع ما قاله في 15 تشرين الثاني 2015 جون بولتون الذي أصبح الآن اليد اليمنى لترامب ومستشاره للأمن القومي في مقال نشره في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية: «إن أفضل بديل لداعش في شمال شرق سورية وغرب العراق هو وجود دولة سنية جديدة مستقلة»، ويعتقد بولتون أن «دولة سني ستان» كما أطلق عليها يمكن أن تكون عند ذلك «متراساً قوياً ضد الأسد وضد إيران» ويريد أيضاً، بموجب ما قاله: «إن وجود دولة انفصالية للأكراد هناك باعتراف دولي سيشكل مصلحة أميركية»، ولذلك سيتحول جدول العمل الأميركي الإسرائيلي بموجب ما يرى بولتون، إلى الشمال السوري بهدف ضرب التحالف السوري الإيراني العراقي المقبل الذي سيصبح حقيقة إقليمية لا يمكن التغلب عليها ولا النيل من قدراتها المتصاعدة.