عصفٌ فكري..؟.. بقلم: سامر يحيى

عصفٌ فكري..؟.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٤ أبريل ٢٠١٨

الإنسان هو الكائن الوحيد العاقل والمالك لدماغٍ عالي التطّور، الذي يستخدمه للتفكير المجرّد الذاتي الداخلي، والعصف الفكري لإيجاد الحلول للمشكلات وتحقيق النجاحات، والنطق باستخدام اللغة للتعبير عن موقفه، والتواصل مع الآخر وتبادل الأفكار والخبرات، ضمن مجموعات تعاونية أو تنافسية أو متعارضة، بدءاً من الأسرة وتنتهي بتشكيل الأمم...
فالتسليم بالأمر المطلق، سواءً بالقبول أو الرفض جريمة كبرى بحق إنسانية الإنسان، فالمفترض أن يعتمد الإنسان التفكير، سواءً أعجبه الموضوع أو لم يعجبه، بعيداً عن تبنّي فكر الآخر دون تفكيرٍ أو تمحيص مهما كانت صلته به، والمشكلة التي نعاني منها أننا ننقل كلام الآخر على أنّه كلامنا، أو مصطلح ما دون أن ندرك أبعاده أو حتى نمحّص في جوانبه، وهنا نتساءل هل من الحكمة والصواب استمرار إلقاء التهم على البيئة الحاضنة ومنطقة بعينها، متجاهلين دورنا كمثقّفين في إطار الانطلاق بقوّة لعدم السماح للمؤامرات ومحاولات التدمير الممنهج من قبل أعدائنا ومن يسير في ركبهم، لكي يحرف مسار أبنائنا من السير على طريق العلم والتفكير والبناء، إلى تمجيد الآخر والافتخار بإنجازاته والاقتصار على تحقيق أدنى متطلّبات الحياة الإنسانية من طعام وشراب وأمنٍ وتلبية رغبات...،
إن مصطلح البيئة الحاضنة، يحتاج من المثقّفين إعادة التفكير جيّداً به، فمن الطبيعي أن يكون الإنسان منتمياً لأسرته ومستمدّاً أفكاره من بيئته ومحيطه، ووسائل الإعلام والتقنيات التي باتت متوفّرة بيدي الجميع تقريباً، التي بات لها الجزء الأكبر في صناعة الرأي العام، الذي للأسف نتجاهله بشكلٍ كبيرٍ جداً، لا سيّما المؤسسات الحكومية ومن ثم شبه الحكومية والمجتمع المدني، ودور المثقّفين، ولعلّنا نستفيد من الفترة التي مرّت بنا، ومن الأخطاء والنجاحات، وهنا لا بد من التنويه أنّه في القرن العاشر الميلادي تقريباً تنبّه بعض القادة لأهمية بناء الرأي العام وتوجيه الجيل، وانتقاله من مجرّد نيل العلوم الدينية ضمن حلقاتٍ مساجدٍ وزوايا، إلى تغذية عقول الأطفال وتنشئة جيل علمي، فأسس "نظام الملك السلوقي" المدرسة النظامية، والخليفة العباسي المستنصر بالله، "المدرسة المستنصرية"، قبل قرنين من الزمن، عندّما بدأ العالم الغربي بالتنبّه لهذه الفكرة، حيث بدأت فكرة المدارس في عام 1369 "على يد هاري بي سكول" و"هوارس مان"  عام 1837، و "جون دوي" (1859ـ 1952)، بهدف تأديب وتربية الأولاد السيئين، وتطوّرت العملية التعليمية للوصول لعصرنا الراهن التي باتت عشرون عاماً ليكون الشخص مؤهلاً لخوض غمار غالبية مجالات العمل بشكلٍ علمي وسليم ومدروس، بدءاً من الأخلاق والتربية والتعليم وصولاً لتخصّص التخصص الذي بتنا نراه في رسائل الماجستير والدكتوراه، التي باتت لقباً لا علماً يحمله صاحبه وفكراً وإنتاجاً. وهنا يحقّ لنا التساؤل، بل والبرهان، أنّ ساعةً واحدة خلال أسبوعٍ دراسي لن يكون لها التأثير السلبي الذي حمّلناها إياه، وكذلك ساعة أسبوعية على منبرٍ ما، لن تكفي لتغيير فكر الجيل وتوجيهه سلباً، بل هي عملية متكاملة، إهمال أو ترك الساحة للآخر، وللأسف لا زلنا مستمرين بتحميل المسؤولية للآخر، والاعتراف بأخطائنا دون البدء بتصحيحها، على الأقل ضمن المؤسسات الحكومية التي لا زالت تسير بالحد الأدنى من المفترض القيام به، أو المراكز الثقافية ومؤسسات المجتمع المدني التي لا زالت نشاطاتها إشهارية دعائية آنية، بعيداً عن التفكير بما يجب القيام به بالخطوات المقبلة، نحمّل الآخر الخطأ أو نتحمّله، ونشيد بالآخر وننافق به خوفاً من التخوين أو لكسب الثقة، بعيداً عن العمل الوطني، والتفاعل الجاد بين الجميع لتنشئة المجتمع، وتطوير الأداء، وتعظيم عملية الإنتاج، وهذا ما يجب التنبّه إليه، فمن الخطأ بناء علاقة بين ابناء الوطن على الحب المطلق أو الكره المطلق، بل على التعاون والانتماء بهدف التعاضد، لنسمو بالوطن ويسمو بنا كلّنا معاً، وأن يكون لكلٍ منا تأثير على الآخر على الأقل البيئة المحيطة به، أو المقرّبين منه، لا سيّما المدراء وأصحاب القدرة على التأثير على الآخر، لتحويل المؤسسة من خاسرةٍ لرابحةٍ ضمن الإمكانيات المتاحة، وكذلك تحويل المؤسسة الناجحة لمؤسسة تضاعف إنتاجيتها، سواءً كانت خدمية أو إنتاجية، بعيداً عن الربح الوهمي، والأرقام الخلّبية البعيدة عن الواقع على أرض الواقع التي لا يلمسها المواطن، وحتى الموظّف، لنتمكّن من بناء رأيٍ عامٍ حقيقي، وتعزيز الانتماء الوظيفي والولاء المؤسساتي.
إن دور كل مثقّف وصاحب فكرٍ ورأي وسلطة مهما كانت بسيطة، نشر الفكر واستنهاض الهمم، وبدء تحمّل المسؤولية واستثمار البشر، لا الاستثمار بالبشر، واحترام الكيان الوظيفي من طرفي الهرم، فكما يجب احترام القمة من قبل القاعدة، واجب القمة احترام القاعدة، وأي مسؤولٍ يحمّل الآخر مسؤولية فشله أو تقصيره أو ضعف أدائه، أو حتى يضع خطّة زمنية بعيدة المدى، دون أن يضع خطّة للتطبيق الآني الذي يلمس نتائجه، ما هو إلا فشلٌ واضحٌ ولكنّه مضاعف، وأسابيع قليلة كافية لكي تظهر النتائج على الأرض لا سيّما مع وجود شعبٌ حيٌ قادرٌ على العطاء والإبداع، وتكنولوجيا متطوّرة متسارعة، وقدرات وإمكانيات بالحدّ الأدنى قادرة على الإنتاج ضمن الحدود المطلوبة إن انطلقنا من الواقع المعاش وحب الوطن.. بعيداً عن النجاح الطبيعي نتيجة سيرورة الحياة، فلا يحقّ لأحد الافتخار بأن الشمس لا زالت تسطع كل يومٍ، بل نحتاج النجاح الذي نستحق كشعب عربي سوري حيوي ونشيط، وأثبت بأنّه قادر على ذلك في كل مكان ذهب إليه.  
لنبتعد عن المحاباة ومحاكاة المنصب أو النفاق الوظيفي، والعمل على استنهاض الهمم والتفكير الجدّي والنقاش البنّاء، والحوار المبني على معرفة ومعلومات، فالشهداء لم يقدّموا لنا دماءهم لهواً وعبثاً وخجلاً من فلانٍ أو نفاقاً لفلان، وإنما لتطهير تراب سوريتنا من رجس الإرهاب، وكذلك القيادة السياسية التي تعمل لإفشال كل المؤامرات والمخططات، مما يحمّل بقيّة المؤسسات الوطنية أن تكون على قدر المسؤولية، كلٌ من مكانه وإمكانياته لاستكمال بناء وطننا بالاستثمار الأمثل لموارده المادية والبشرية ..