إيران ليست جائزة ترضية المهزومين .. بقلم: د. وفيق إبراهيم

إيران ليست جائزة ترضية المهزومين .. بقلم: د. وفيق إبراهيم

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢ مايو ٢٠١٨

يشدِّدُ الأميركيون من هجماتهم على إيران، جاذبين فريقاً سعودياً خليجياً يستعجلُ سحقها عسكرياً، مؤمناً لـ«إسرائيل» «التغطية الإسلامية» لتدميرها، وفاتحاً الطرقات لبلدان أوروبية تتعمّد مهاجمة المشاريع غير النووية لطهران.. فتكسب بذلك الذهب الخليجي والاستحسان الأميركي، ولا تقطع مع الجمهورية الإسلامية بشكل كامل تحسباً لحدوث تغيير طارئ في الخطط.
فيبدو الشرق الأوسط بكامله على «برميل بارود» يحمل فتيل تفجيره الرئيس الأميركي ترامب الذي حوّل المناخات الدولية إلى مرحلة ما قبل نشوب الحرب الكبرى، تفوح منها رائحة الجثث، إنما قبل أنّ يسقط جريح واحد.
ما الذي يجري؟ وهل هناك أسباب واضحة لنشوب حرب؟
كانت إيران الشاهنشاهية قبل 1979، على صداقة عميقة مع الغرب و»إسرائيل» والخليج السعودي ومصر أنور السادات وأردن الهاشميين.
وأهّلها حجمها لأن تؤدي دوراً محورياً من خلال النفوذ الأميركي الذي منحها الحق بتدمير الحركات الثورية في عُمان ومناطق أخرى عربية.. كما أمّنت تغطية للسعودية والخليج بمنعها أي ولادة فعلية لحركات شعبية جذرية، بالإضافة إلى التغطية العسكرية الكاملة التي وفرها الشاهنشاه لكل الخليج. وكان حليفاً كبيراً لـ«إسرائيل» وتركيا.
هذا الوضع التحالفي انهار بكامله بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران بطرد الشاه وتحويل إيران جمهورية إسلامية لها ايديولوجية ترفض النفوذ الأميركي وتعمل على تحرير كامل فلسطين المحتلة، وتقدّم نموذجاً إسلامياً يجمع بين ولاية الفقيه وحق الإيراني بانتخاب ممثليه في رئاسة الجمهورية ومجلس النواب والحكومة.. حتى أنّ الولي الفقيه الذي يتمتع بصلاحيات مطلقة، منتخب بدوره من مصلحة تشخيص النظام الضيقة.
تتعارض هذه الايديولوجية مع الهيمنة الأميركية على العالم الإسلامي، والدور السعودي الذي يريد إنهاء القضية الفلسطينية بإقرار تسويات تعيد 30 في المئة من فلسطين التاريخية ومن دون المسجد الأقصى الذي يشكل أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين التي تتناقضُ مع ممالك عربية تزعم انها تحكم باسم الدين بشكل دكتاتوري وراثي مخالف للشورى في الإسلام.. كما تنظم علاقتها برعاياها على ما «تسميه» بأسلوب السمع والطاعة. فالملك الذي يؤدي دور «ولي الأمر» يأمر، وما على الناس إلا الطاعة من دون حق الاستفسار والاستعلام، وإلا فإن المطاوعة والجلاوزة حاضرون لتأديبه وصولاً إلى إنهاء حياته.. يمكن إضافة نقطة تتعلق بالمال العام المتأتي في الخليج من بيع النفط.. هذا المال يمتلكه ولي الأمر الخليجي فيُنفِقهُ ويوزّعهُ ويحرمهُ حسب مصالحه ومزاجه ومن دون قواعد. في حين أنّ الدولة الإيرانية تتعامل مع الناتج الوطني على أنّه مال الناس، تتولى إدارتهُ سلطة انتخبها هؤلاء الناس ولمصلحة تطورهم. قد تحدث أخطاء وحالات فساد، مشابهة لحالات تماثلها في أرقى الأنظمة الديموقراطية، لكنها تبقى الاستثناء على قاعدة الإنفاق لتطوير المواطنين.
لعل هذه المقدّمة تُضيء على أسباب العداء الأميركي لإيران ومنذ تحوّلها جمهورية إسلامية، بدليل أنّ الغرب والسعودية مع دول الخليج دعموا الرئيس العراقي السابق صدام حسين في 1980 في حرب أعلنها من دون أسباب وجيهة على إيران مستغلاً عدم استقرار نظامها الجديد.. فاخترقها بمسافة تجاوزت المئة كيلومتر طولاً. لكنه لم يتمكّن من تدمير نظامها الذي استعاد توازنه محارباً الجيش العراقي لنحو ثماني سنوات، إلى أنّ أعاده إلى الحدود.
بالبعد السياسي كانت هذه الحرب محاولة سعودية ـ إسرائيلية لإسقاط حكم آيات الله بدماء العراقيين الذين كان يخشى رئيسهم صدام من تحريك إيران للشيعة العراقيين ضد نظامه، فحاول إسقاطها قبل انتقال تأثيرها الديني ـ السياسي إلى بغداد.
هناك إذا عداء قوي لإيران ومنذ ولادة نظامها الجمهوري باتجاهاته الجديدة.
أي قبل ولادة «مسألة النووي» الذائعة الصيت. هذا ما دفع إيران لبدء رحلة شاقة في الاقليم الإسلامي لتأمين أهداف عدة، وأولها التزام الأبعاد الإسلامية والفلسطينية والعداء للغرب، لايديولوجيتها وحماية نظامها من الاستهدافات الإقليمية والدولية المتنوّعة.. هذا ما قادها لمحاولات التحالف مع «الإسلام السني» في مصر والمنظمات الفلسطينية والسودان.. لكن الاستعمال الأميركي، لأسلوب الفتنة السنية ـ الشيعية أصابها بخيبة أمل، فاستدارت نحو الأقليات الشيعية في آسيا الوسطى وباكستان والهند وركزت على شيعة العراق الذين يشكلون أكثرية، وتحتل بلادهم أميركا لأسباب مزعومة. كما تحالفت مع سورية، وتعهدت بشكل كامل حزب الله المناهض بنيوياً لـ«إسرائيل». أدى هذا الاختراق إلى نجاح إيران بتكوين نفوذ قوي جداً من افغانستان وحتى لبنان ولا يضارعه في القوة والانتشار إلاّ النفوذ الأميركي. بالمحصلة يمكن التأكيد أنّ إيران ارتفعت في النفوذ الإقليمي على حساب تراجع النفوذين الأميركي والسعودي. وهذا واضح في فشل كل المقاطعات والحصار الذي ضربته أميركا عليها إلى جانب عداء سعودي قويّ لا يزال يستهدفها بمحاولات تمويل أقليات إيرانية لتحريكها ضد النظام.
لقد تمكّن نظام الملالي من اقتصاص غضب الغرب عليه موافقاً على مضض بإيقاف مشروع إنتاج سلاح نووي، علماً أنّ الغرب يعرف أنّ إيران تمتلك الأسرار العلمية والمادية لإنتاج سلاح نووي.
إنها نفوذ إقليمي كبير من دون نووي. بدليل أنها تمكنت من إنتاج معظم ما تستهلك من دون أي استيراد. ولا تنفك تسجل تطورات حيوية في ميادين العلوم والصناعة، فلماذا تعرّضُ أمنها الوطني للخطر مقابل سلاح نووي لن تستعمله؟
يمكن إضافة عنصر أفقد الغرب صوابه.. وهو ثنائي: الأول نجاح الجيش السوري المدعوم إيرانياً وروسياً من الوصول إلى حدوده مع العراق ونجاح الجيش العراقي من تنظيف معظم بلاده من الإرهاب. وهذا له معنى حتى السياسة البسيطة ويتعلق بتراجع النفوذين الأميركي والسعودي في المشرق العربي مع ما يعنيه من خسارة لكنوز من موارد الطاقة الغازية والنفطية والموقع الاستراتيجي والسيطرة على الاستهلاك، لذلك فهذه هي الأسباب الفعلية التي تفرض على واشنطن اعتبار طهران العدو الفعلي للجيوبولتيك الأميركي، مع لفت النظر إلى أنّ طهران تدخلت في الأزمة السورية قبل ثلاث سنوات من التدخل الروسي، أي أنها مهّدت الطريق للعودة الروسية إلى الشرق الأوسط بدخولها طرفاً محورياً في الأزمات الأفغانية والباكستانية واليمنية والبحرينية والعراقية والسورية واللبنانية إلى جانب رعايتها حزب الله في معاركه ضد «إسرائيل» والإرهاب المتطرف، وعلاقتها العميقة بالمنظمات الفلسطينية كحماس والجهاد الإسلامي وغيرها.
هذه هي الأسباب الحقيقية التي تجعل واشنطن والرياض وتل أبيب تحاول بكامل قواها اسقاط الجمهورية الإسلامية بذرائع صواريخ بالستية يوجد أضعاف منها في «إسرائيل» والسعودية والإمارات والغرب، وربما تتفوّق تقنياً عليها، أما اتهامها بالإرهاب فهو أمر مثير للسخرية. فإيران تقاتل الإرهاب وتدعم كل مَن يقاتله في كل مكان.. الحوثيون أصداؤها يقاتلون القاعدة في اليمن والإرهاب السعودي.. وحلفاؤها في الحشد الشعبي يحاربون داعش في العراق.. أما حليفها الأكبر حزب الله فتدعمه منذ 1982 في وجه «إسرائيل» والإرهاب المتنوّع بشكل كامل.
وهذا يؤكد أنها ذرائع غربية مختلفة لتبرير العدوانية الغربية ـ السعودية ـ الإسرائيلية، ما يدفع إلى طرح التساؤل التالي: منْ هو الإرهابي: أهي إيران التي لم تعتد على بلد مجاور منذ الفتوحات الإسلامية، أم هذا الغرب الذي يراكم في رصيده التاريخي مئات ملايين القتلى في كل زوايا الأرض.. فهل يستطيع التحشيد الغربي ـ السعودي النيل من طهران؟ إيران مستهدفة منذ 1979 ولم يكن لديها حلفاء واستطاعت أن تنجو. فكيف يكون حالها اليوم مع حلفائها المنتشرين في الشرق الأوسط وروسيا.
الأمر الذي يكشف أنّ هذا التحشيد ليس إلا جعجعات تمنح السمسار ترامب فرصة المزيد من ابتزاز حكام عرب يدفعون آلاف المليارات للبقاء في ممالكهم الكرتونية.