حُـبّـُك عـصـفـورٌ أخْـضَـرُ.. بقلم: محسن حسن

حُـبّـُك عـصـفـورٌ أخْـضَـرُ.. بقلم: محسن حسن

تحليل وآراء

الأحد، ٦ مايو ٢٠١٨

- كانَ حُبُّكِ ،نبتةً عطريّةً ، صغيرةً رائعةً ، زَرعْتُها ، في قلبي ، مُختاراً ، طوعاً ، وحبّاً ، عِشقاً ...... في أحضانِ دفءٍ ، برعايةِ شموسٍ ، وضوءٍ ، وعبيرٍ ، وعبقٍ ، وربيع .... 
- كان قَلْبيَّ لِحُبِّكِ ، ذاك ، وعاءً ، أصيصاً ، حاضناً ، أرضاً ، دفئاً ، و حناناً ، يمنحُهُ البقاءَ ، و السعادةَ و النمّاء .... 
- وكان حُبُّكِ ، بريئاً ، ساحراً ، سعيداً ، مُختالاً ، فخوراً ، لا أحلى و لا أجمل .... 
- كان شجرةً صغيرةً ، ناعمةَ الجذورِ ، ، يَضُّمها قلبي ، بحنّوٍ و عشقٍ ، و تستسلم بين يديهِ ، بمِودّةٍ ، وصدقٍ .... 
- كان حُبُّكِ   طفلاً ، جميلاً ، أشقَرَ ، بدأ يخطوِ خطواتِه الأولى على طريقٍ طويلة ، مُعشَوْشَبَة ، يتعَثَّرُ ، و يقعُ ، و ينهَضُ ، و يتابع سَيْرَه ..... تعلَّمَ السيرَ ، والْعَدوَ ..... و الثّقةَ ، و المَهارةَ ، و التَّفَّوقَ .... أصبح  شاباً ، قويّاً ، عدّاءً ماهراً ، ألطفَ من النّسمَة ، وأسرع و أقوى من الرّيح .... 
- حُبُّكِ ،كان ، إشراقةَ شمسِ العُمُرِ ،وشهقةَ حديقةِ الزّهَر...هو مَعزوفةُ غابةٍ ، وقصّةُ جَبَلٍ ،وأٌغنيةُ وادٍ ،وبوحُ طبيعةٍ، ونسمةُ صباحٍ ، ربيعيّةُ ،وشدوُ عصافيرَ .... يملأ عُمُري ، ويحيط بي ... يَسكنني... يتبعُني .... يمشي ، - أحياناً - ، ورائي ، بطيئاً ويمشي– أحياناً – أمامي ،سريعاً ، يَسبِقُني ، وأجدُ مَشقّةً ،في اللحّاقِ به ، .... يمشي عن يميني تارةً ، و يمشي عن يساري تارةً اخرى....
- أصبح رفيقَ عُمُري ، لا يفارقُني .... 
- رافقني كالظّلِ ، ولكنَّه لا ينضبطُ  كما ينضبطُ الظلُّ ... الظلُّ يَنتحّي في جهةٍ واحدةٍ ، مَحدودةٍ ، يبقى فيها ، يَعشَقُها ، و لا يُغادرها ، مُطيعاً ، يَلَحْقُ بصاحبهِ ، و يبقى مَعَهُ يُقلّدُهُ ، كما يتصرّفُ ، يَقِفُ حين يَقف ،ويسيرُ حينَ يسير ، ويركضُ حين يركض ، و يطيرُ إن طار ... و لا يفُعل ، إلاّ ما يفعل ، ولا يُمكن أن يتركَهُ مهما فَعَلْ ... 
- حاصرني حُبُّكِ ، ورافقني ، كالظلّ ، ولكنّه ليس بجانبي ، وجواري بل داخل جسدي ، وفي سويداء قلبي ، يُفرِحُ ، وَيُشقي ، يُنيرُ ، ويُظْلِمُ ، يَرحَمُ ، ولا يقسو ،و لا يَترِكُ ، ولا يُغادر ....
- كان قلبي كبيراً ، وكان حُبُّكِ طفلاً جميلاً ، وديعاً ، حافياً ، طريَّ الأظافِرَ، حَبا ، ولَعِبَ، ونما ، وَكَبُرَ في ذلكَ القلبِ ، أيَنسَ به ، وعَزَفَ على أوتاره أجملَ الألحان ، ضَحِكَ ، وبكى ، أضحَكِ ، وأبكي ، سَعِدَ و شقي ، أسعَدَ ، وأشقْىَ .....!!
- نَعِمَ قلبي يِحُبِّكِ كثيراً ،وثقِ به ،وعاشا حبيبين معاً ، تقاسما ،وتبادلا السعادة ،والِنّعَمْ ....
- حُبُّك آياتٌ رتّلها القلبُ ، في حَضرة الرّوح ، خفقاناً ، وَجِلاً ، حنوناً ، ودوداً ، باحترام ، وإجلالٍ ،وَخَوفٍ و خشوع.... !!
- كَبُرَ حُبُّكِ ، و وصلْ الكمالَ ، أصبحَ شابّاً ، قويّاَ ، جميلاً ، واثقاً بنفسه لا يفارقُ المَرآة إعجاباً ، يختال - كما يريد ، و يفرحُ كما يشاء - لا يعرفِ المْستحيلَ ، و لم يُصادقْ اليأسَ ،قَطُّ ، فالشبابُ و الحيويّة ، و القوّةُ ، و الثّقةُ ، و النّشاط ، و الخُيلاءُ ، رفاقُ دربٍ ، لا يفارقونه و لا يبتعدون عنه .... رجوتُ له أن يبقى في قمّةِ شبابه - كما هو - لا يغادرها ، حتى لا ينحدر عنها ، نحو السفح ، و يصلُ إلى مرحلة ما بعدِها .... 
- تابعَ حُبُّكِ حياته ، وازدادتْ قوّتهُ ، وَعَظُمَتْ بنفسه ، ثِقَتُه ، وكَسرَ المرآة التي كانت رفيقتَه ، وأرتْهُ ، جمالَه عُمُرَاً ، عاشقاً سعيداً شاباً قويّاً ... 
- حُبُّكِ الذّي كان في شبابه بحراً أزرقَ صافيّاَ ، عَشِقتُ شاطئَه، وعشت عليه حيثُ المياهُ النقيّةُ الصافيّةً الهادئةُ ، والأسماكُ الصغيرةُ الملّونةُ الوديعُة الرائعةُ ، و أشعةً الشمسِ ، و الدفء ، و الجمالُ ، و الأمان ... أصبح فجأةً مُشاغِباً ، مُتحِكّماً بأمره ، يضجُّ ، ويَعْصِفُ ، ينامُ و يصحو ، متى يشاء ، ليس له موعداً ، وليس له نظامٌ ،  ولا يفعل إلاّ ما يُريد ، مُلّوناً كالفصول ، متنوعاً ، كالطّبيعة ، يظهر في الليل و النهار وفي السهول و التّلال ، و في الهضبات و الجبال ، وفي الأنهار و البحار.... كبُرَ بحرُه ، وعتدتْ أمواجُه ، و تبدّلت اسماكُه وقوي تيارُه ، و جرفني بقسوةٍ إلى الأعماق و أراني عواصِفَ وأمواج لا قِبَلَ لي بها ، أراني الظلماتِ و الأخطار و وضعني وجهاً لوجهٍ مع سَمَكِ القْرُشْ ، وأصبحتِ اللّعبةُ خطيرةً ، قريبةً ، من الموت لا يتحمّلها أحدّ و لا يستوعبُها جسدٌ ....
- حُبُّكِ أصبح طاغيةً ، جَبَّاراً ، تعملق وضجَّ ، وكَبُرَ .. كَبُرتْ أشياءه ، وتصلّبت جذورُه ، وشبّ عن الطّوق ، وأصبح يحتاجُ إلى قلبٍ ، لا يوجد مثيلاً له ، في صدور بشرٍ .... 
- ضاق قلبي عن الاتّساع له ، كَبُرتْ نبتةً العطرِ التي كانتْ صغيرةً عَبقَةَ .... كَبُرَتْ، وخَشُنتْ ، وتعالتْ وضاق قلبي الذي كان أصيصاً لها، عن استيعابها واحتمال جذورها ، فتحطّم القلبُ المسكينُ ، وتكَسَّرَ كوعاءٍ زجاجي و تبعثرتْ شظاياهُ ، بعيداً ، بعيداً ، عجز عن استيعاب حُبِّكِ الكبير ، فانكسرَ و تبعثَرَ ....
- تجاوزتِ النّارُ التي كانت تمنح الدفء ، حدودَ السيطرةِ و المألوف وشبّ الحريق و أتى على كلِّ ما حولِه و لم تَعُدِ النّارُ برداً و سلاماً على أبراهيم .... سُفحِتْ زجاجاتُ العُطر ، و تبعثر أريجُ العُمُر ... و ذُرِفَتْ دموعُ الوفاءِ ... دُهِشْتُ من الفاجعَةِ ، وعندما صحوتُ من الصدمَةِ ..... عكفتُ بحبٍّ و حزنٍ ، و ألمٍ على لَمْلَمَةِ أجزاءِ قلبي المبُعثرةٍ بحنوٍ و دِقَّةٍ ، وحَزْمٍ ، جزءاً ، جزءاً ، قطعةٍ ، قطعةٍ و ترميمِه بدرايةٍ و حَرفيةٍ ، وتقنيّةٍ ، مُدَعَّماً بكُلّ ، ما توصَّلَ أليه التطوّر الحضاريُّ ، من أسباب الترّميمو التَّدعيم و الإصلاح ، و إعادةِ الشبابِ ، و القوّةِ ، إليه ... ليعودَ قويّاً مقاوماً للنّار ، و الصخب و الضجيج ، و التَّيار و الانجرافِ و الأعماقِ و الظّلماتِ ... 
- فَحبُّك طفلنُا الوحيد و كنزنا اليتيمُ ... و قلبي الذي تحطّم ، هو القلبُ الوحيدُ الذّيأملكُهُ و لامجال لتبديله ، ولا سبيل حياتنا إلا بإصلاحه ، وإعادة حُبَّنِاَ إليه ، ليعودا كما كانا ، و إن كان لا يصلح العطّار ما أفسد الدّهرُ 
- وعند الانتهاءِ من ترميمه وجَمْعِ أجزائه ، سنذهَبُ ، أنتِ – و أنا - مُطمئنين عليه نُبلْسِمُ جراحَه ، ندعو له ،نُقبِّلُه .... نستسمِحُهُ عن أخطاءِ لم نُرَتَكَبْ ، ونذكّرُه بكلِّ ما استودعناه ، سابقاً عندما كُنّا في بداية العُمُرِ من حُبٍّ و أسرارٍ و حنينٍ و لهفةٍ وشوقٍ ...
- نزرَعُ فيه مُجِدَدَاً للمرّة الثانيّة ، بذرةَ حُبّنِا ، لتنموَ فيه صغيرةً من جديد ، وتعيد سيرتَها الأولى ، وَنَعِدُه ، و نتمنى له أن يبقى الحبُّ فيه أكثرَ رسوخاً ، ويَعطي له مستفيداً من أخطاء الماضي فخيرُ الخاطئينَ التَّوابون ، لينعما معاً بالدفء ، والرّاحةِ ، و الهدوءِ ، والجمال ، والاستقرار .... 
- فقلبي لحبّك ، كان وسيبقى وعاءً لا أكثر .. عندما كان صغيراً ، و عندما غَدَ كبيراً عندما كان سليماً موحداً ، قويّاً ، صلباً ، وعندما أصبح أجزاءً ، متصدعاً ، مُرمَّماً قَبلَ التّرميم وبَعْدَه ؟.... قبل التكوينِ ، وبَعْدَه ... هذا القلب بكلَّ مراحله ، وحالاتِه ، وأطواره هو قلبي الوحيدُ الذي أملكُه ، ولا أملُكُ سواه ، و الذي كان و لا يَزال الوحيدَ ، الذي يضخّ لي ماءَ الحياة ، في شراييني و أنحاء جسمي ، و الذي إن تركني ، وغاب عنيَّ ،فقدتُ ذاتي ، و أضعْتُ وجودي ...
- هذا القلبُ كنتُ أُخْليْهِ من كلَّ شيءٍ ، وأهبهُ لحِبِّكِ الغالي مسكناً فسيحاً يعيشُ فيه ، يلهو في فسحته ، ينعم برفقته ، في كلَّ مراحل عمره ، يزهو شباباً و نشاطاً ، وقوّةً و خيلاء ، و إعجاباً أُخْليْهِ له صغيراً ، مُوحّداً ، سليماً ... وبعدما غدا كبيراً ، و بعدما اصبح مُرَمَّماً ...و قِد تُورقُ الجذورُ ، و الجذوعُ ، التي شاخت ، فروعاً خضراءَ تضج شباباً ، و خِضرَةً ، وجمالاً ، وحَيويّةً .... تكون عنواناً لما فُقِدَ ، و تعبيراً ، و تذكيراً لما مضى ، وتجديداً لما فاتَ ، ورحَلَ ، و ذوى و أملَ الغدِ المُشرقِ الباسمِ القادمِ ...فأنتِ جواهرُ البحرِ، و محاراتُ النّهرِ ، و الدّوحاتُ الخضرِ ، في صحاري الدّهر ، و حبيبتي ، و أغلى أعطياتِ العمر ....