أوروبـا والرحلة الشـاقـة للحفاظ على المصالح من دون إزعاج واشنطن

أوروبـا والرحلة الشـاقـة للحفاظ على المصالح من دون إزعاج واشنطن

تحليل وآراء

السبت، ١٩ مايو ٢٠١٨

بينما تمضي أوروبا في الرحلة الشاقة للحفاظ على مصالحها الاقتصادية بعد انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي المبرم مع إيران عام 2015 تحاول أن تثبت للعالم أن سيادة أوروبا «لم تعد مجالاً للاختراق من قبل الأمريكيين» من خلال موقفها الرافض للعقوبات والانسحاب من الاتفاق وتفعيل قانون «التعطيل» الذي يعود للعام 1996 الذي لا يزال الخبراء يشككون بفاعليته في الملف الإيراني.
 
نجح الأوروبيون حتى الآن في فصل المسار عن واشنطن محاولين تجنيب شركاتهم العقوبات والأضرار وبرز ذلك في قمة صوفيا الأوروبية الأخيرة التي وضعت خطوات للرد على الخروج الأمريكي من الاتفاق وأفضل السبل للحفاظ على بقاء إيران داخل منظومة الاتفاق.
 
حيث قال رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، في اختتام القمة: سيتم إطلاق «قانون التعطيل». وكان الاتحاد الأوروبي قد فعّل هذا القانون عام 1996 لمواجهة عقوبات أمريكية ضد عدد من الدول، في مقدمتها كوبا، ويعد بوابة تفسح المجال للشركات الأوروبية بالنجاة من العقوبات لكون القانون ينص على ألّا تخضع الشركات الأوروبية لقوانين تتعلق بعقوبات اتخذتها بلدان من خارج الاتحاد، وعدم تطبيق أي حكم مقرر من محاكم أجنبية بناء على قوانين العقوبات هذه.
 
الصورة التي خرجت من صوفيا أوضحت أن أوروبا بحاجة أكثر من أي وقت مضى للاختيار بين الرد أو الاستمرار بتبعية القرار لواشنطن. وبدت الوحدة الأوروبية تخوض اختباراً جديداً لمدى صلابتها بمواجهة التحديات الطارئة ومن هنا عكفت على تكثيف اللقاءات للتخفيف من وقع الانسحاب في ظل وجود شركات أوروبية تعمل في مجال النفط والصناعة والتجارة وغيرها من الاستثمارات الاقتصادية مع إيران وحاجة هذه الشركات للحماية لتجنيبها الخسائر المدوية خاصة أن عدداً من الشركات بدأت تعلن نيتها الانسحاب من أعمالها في طهران حتى قبل انتهاء المهل التي حددتها واشنطن التي جددت تأكيدها أن كل شركة أوروبية ستستمر بالعمل في طهران ستحاصرها بحزمة من العقوبات.
 
أوروبا التي تحافظ حتى الآن على مسار مخالف لواشنطن بشأن الاتفاق النووي لم تعلن التحدي الصريح لترامب في هذا الميدان ورغم انشغالها بتداعيات الانسحاب والخسائر الاقتصادية المتوقعة أبقت قنوات الاتصال مفتوحة موجهة الرسائل لترامب بأن ما يقلقه ستتم مناقشته مع الإيرانيين, مؤكدين «تفهمهم لمخاوف» واشنطن التي لم تتفهم بدورها مصالح الأوروبيين بل أعلنت الإصرار على السير قدماً بموضوع العقوبات.
 
يسعى الأوروبيون إلى عدم خسارة واشنطن سياسياً واقتصادياً بالمقابل يتمسكون بالاتفاق النووي مع طهران في محاولة فاشلة للإمساك بكل الأطراف دفعة واحدة. حتى الآن لم تمتلك أوروبا الجرأة الكافية لوضع حدً للتمادي الأمريكي الذي بات يهدد شركاتها ومصارفها مباشرة عبر البوابة الإيرانية ولا تزال تعتمد صيغة التفهم والتبرير لواشنطن. وقال صراحة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على هامش قمة صوفيا: «إن المسألة أولاً جيوسياسية, لن نصبح حلفاء لإيران ضد الولايات المتحدة, ولن نشن حرباً تجارية مع الولايات المتحدة في شأن إيران، كما لن نفرض عقوبات مضادة على شركات أمريكية».