هل تكون أوكرانيا الوطن البديل لليهود؟.. بقلم: د. محمد الصياد

هل تكون أوكرانيا الوطن البديل لليهود؟.. بقلم: د. محمد الصياد

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٥ مايو ٢٠١٨

في زيارة أخيرة لإحدى الدول الأوروبية، أسر لي صديق أوروبي، بأن عين «إسرائيل» على أوكرانيا، كخيار للانتقال إليها للعيش بدلاً من فلسطين المحتلة في حال أصبح العيش في «إسرائيل» لا يطاق من قبل «الإسرائيليين»؛ بسبب انخراطهم المستمر في الحروب، والتهديد بشن الحرب على مدار الساعة. وقد أشار إلى عدة معطيات دفعته للشك بهذا الاتجاه؛ منها إعادة حبل التواصل مع ما تبقى من أقلية يهودية في أوكرانيا، بعد النزوح اليهودي الكبير منها إلى «إسرائيل» مطلع تسعينات القرن الماضي، أي بعد انفراط عقد جمهوريات الاتحاد السوفييتي، وسيطرة اليهود اليوم على مواقع الصف الأولى للسلطة في أوكرانيا، و80% من دوائر صنع القرار فيها. وهو ما أكدته النائبة في البرلمان الأوكراني ناديجدا سافتشينكو في لقاء مع قناة «نيوز أوان» التليفزيونية. وكانت هذه النائبة قد شاركت في الحرب، التي تشنها أوكرانيا؛ لاستعادة السيطرة على منطقة دونباس، إلا أنها في الفترة الأخيرة حوّلت انتقاداتها صوب السلطة الحاكمة في بلادها، كما وصفت في شهر فبراير/‏شباط الماضي الرئيس الأوكراني «بيوتر بوروشينكو»، بأنه «عدو الشعب».
في 26 يونيو/‏حزيران 2015 قدَّرت صحيفة «يديعوت أحرنوت» عدد اليهود في أوكرانيا بنحو 63 ألفاً. وكان «صندوق الصداقة اليهودي»، قد نظم عملية تهجير لأعداد من يهود أوكرانيا تحت ضغط الأزمة، التي تعيشها منذ الانقلاب على السلطة، الذي نظمته الولايات المتحدة بمساعدة بريطانيا وألمانيا في فبراير/‏شباط 2014، وخصص لهذا الغرض ألف دولار لكل مهاجر بالغ، و500 دولار لكل طفل، إضافة إلى تكاليف رحلة السفر من أوكرانيا إلى «إسرائيل»؛ ولكن السلطات «الإسرائيلية» بدأت في شهر فبراير الماضي، وبشكل عاجل، عمليات ترحيل جماعية للمواطنين الأوكرانيين، في أعقاب تغير سياسة الهجرة «الإسرائيلية» وإعادة تصنيف أوكرانيا كبلد آمن؛ وذلك أسوة بما فعلته «إسرائيل» بالمهاجرين الأفارقة. 
جديرٌ بالذكر أن لدى اليهود منطقة حكم ذاتي أُنشئت في 7 مايو/‏أيار 1934 إبان الاتحاد السوفييتي ضمن مقاطعة الشرق الأقصى الفدرالية، ومركزها الإداري مدينة «بيروبيدجان» Birobidjan«، وهي تقع جنوب شرق روسيا، وتحدها الصين من الجنوب، وهي المنطقة الوحيدة في الاتحاد الروسي، والوحيدة في العالم - إذا ما استثنينا«إسرائيل»- التي تتمتع بوضع منطقة حكم ذاتي لليهود في العالم، باعتبارها كياناً إدارياً يهودياً بصفة قانونية رسمية. ووفقاً لتعداد عام 2010 فقد بلغ مجموع سكان المنطقة 176,558 نسمة، لم يتجاوز عدد السكان اليهود منهم 1628 شخصاً. وتعد «اليديشية» لغة رسمية هناك إلى جانب الروسية، وهي تمتد على مساحة 36300 كيلومتر مربع، مقارنة بمساحة فلسطين البالغة 27000 كيلومتر مربع. وكان الحكم السوفييتي قد منح هذه المنطقة لليهود في إطار المعالجة الشاملة لقضية القوميات في الاتحاد السوفييتي آنذاك.
بيد أن أنظار اليهود وقياداتهم كانت معلقة على أوكرانيا، وتحديداً شبه جزيرة القرم، وهو ما كان دعا إليه رئيس الجمعية اليهودية يوري لارين، الذي كانت وضعته السلطات السوفييتية في عام 1925 على رأس هيئة؛ لمتابعة وتسهيل أوضاع اليهود الفارين من القمع النازي؛ إذ أعرب الأخير عن أمله في استيعاب 400 ألف يهودي في مجال الزراعة في شبه جزيرة القرم. كما عبّرت عن نفس الطموح قيادات يهودية أوروبية أخرى، مستندة، وفق زعمها، إلى القاموس الموسوعي لليهود؛ ولكن سرعان ما تبخرت هذه الأحلام، تحت الرفض القاطع للفكرة من قبل القيادة السوفييتية آنذاك، والتي أوضحت بأنه سيكون لدى اليهود أرض؛ ولكنها ليست القرم، كما لاقت الفكرة اعتراضات من جانب الأوكرانيين والبيلاروسيين والقوميين ومناهضي السامية. وقتذاك أيضاً طُرحت أسماء 5 مناطق أخرى، إلى جانب القرم، كخيار لمنطقة الحكم الذاتي لعموم يهود الاتحاد السوفييتي، من بينها مدينة أوديسا على البحر الأسود، ثالث كبرى المدن الأوكرانية؛ بعد كييف وخاركوف، ومدينة نيكولايف (ميكولايف بالأوكرانية)، ومدينة زاباروجيا، ومدينة دنيبروبتروفس. وعلى ذلك يصبح تجدد الحديث»المكتوم» خلف الكواليس، عن عودة الصهيونية العالمية للخيار الأوكراني، أمراً غير مستبعد على الإطلاق.