إذا عُرِف السبب بطُل العجب..بقلم:رفعت البدوي

إذا عُرِف السبب بطُل العجب..بقلم:رفعت البدوي

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٨ مايو ٢٠١٨

مع اشتداد المواجهة بين أميركا وإيران مع محور المقاومة واستمرار العقوبات والشروط الأميركية المفروضة على إيران برز الموقف الأوروبي الممتعض من السياسية الأميركية التي لا تراعي مصالح أوروبا الاقتصادية في المنطقة، ما خلق هوة بين أوروبا وأميركا يصعب ردمها في المدى المنظور.
وبالعودة إلى تاريخ الشروط الأميركية نجد أنها مستمرة على بلاد المنطقة وخصوصاً على دول محور المقاومة وخصوصاً إذا بدأنا بمطالب حاولت أميركا فرضها على سورية في عام 2003 مروراً بعام 2006 على لبنان وصولاً إلى عامنا هذا 2018 على إيران.
ولو قمنا بمقارنة بين شروط كولن باول وزير الخارجية الأميركية على سورية في 2003 بعد اجتياح العراق وبين شروط مايك بامبيو في عام 2018 نجد أن الشروط الأميركية لم تزل هي نفسها قائمة على ممارسة الضغط على دول محور المقاومة التي تقاوم تنفيذ الأجندة الأميركية الإسرائيلية القاضية بضرب قدرات دول محور المقاومة وتفتيتها وتمزيقها وابتزازها وذلك خدمة لإسرائيل.
اعتبرت الولايات المتحدة الأميركية أنها تستطيع لعب دور سيد العالم وخصوصاً بعد إسقاط نظام صدام حسين في العراق بالاشتراك مع بريطانيا ورفضها أي مشاركة أوروبية لإدارة العالم ونهب ثروات المنطقة.
وعلى الرغم من شعور أميركا بفائض القوة في تلك الفترة، بيد أنها لم تستطع فرض شروطها على سورية التي قاومت المطالب والشروط الأميركية ورفضتها ببسالة نادرة رفضاً قاطعاً معتبرة أن تلك الشروط تمس بالسيادة والقرار السوري الوطني الذي لا يمكن المساومة عليه.
أميركا طلبت من سورية في 2003:
– وقف دعم حركات المقاومة أي حماس والمنظمات الفلسطينية المقاومة إضافة إلى وقف دعم حزب الله في مواجهته العدو الصهيوني.
– فك التحالف الإستراتيجي بين سورية وإيران.
– احترام سيادة لبنان، حسب المفهوم الأميركي، وخروج القوات السورية من لبنان.
– منع تهديد أمن إسرائيل الذي اعتبره وزير الخارجية الأميركي حينها كولن باول آنذاك مهماً لأمن المنطقة فقط.
ورغم الغطرسة الأميركية أنهى رئيس الجمهورية العربية السورية بشار الأسد اجتماعه مع حامل الشروط الأميركية باول معلناً رفض سورية للإملاءات، فحاولت أميركا فرض شروطها انطلاقاً من الجبهة اللبنانية حيث أوعزت للعدو الإسرائيلي بشن حرب تدميرية ضد حزب الله في لبنان عام 2006 ورغم فائض القوة الإسرائيلية الأميركية بيد أن فائض القوة مني بهزيمة نكراء في لبنان وانتصر حزب الله ليقلب المعادلة وتدخل المنطقة في مرحلة جديدة.
حين أدركت أميركا وإسرائيل عجزهما عن فرض أو تحقيق أي من الشروط أو الأجندة الأميركية كانت الوجهة نحو سورية العروبة لتبدأ المؤامرة الكونية عليها في عام 2011 وذلك لتدفع سورية ثمن مقاومتها ورفضها الإذعان للإملاءات الأميركية الإسرائيلية، حينها لم يكن محور المقاومة قد تشكل ولم تكن روسيا في وارد الدخول في الأزمة السورية لدفع البلاء عنها ورغم ذلك قاومت سورية وحدها كل الجبروت الأميركي الإسرائيلي ونجحت في التحدي عبر صمود أسطوري قلب العالم من حكم القطب الواحد إلى تعدد الأقطاب ورسم معالم نظام عالمي جديد، وبعد الفشل الأميركي الإسرائيلي في سورية الذي جاء نتيجة صمود سورية ودخول روسيا في 2014 على خط دعم سورية ومنع إسقاطها وتشكيل محور المقاومة الممتد من إيران إلى العراق مروراً بسورية وصولاً إلى لبنان وغزة، باتت الوجهة الأميركية نحو إيران في محاولة لفرض الشروط الأميركية نفسها التي طلبتها من سورية في عام 2003 بهدف فرضها على إيران الآن في عام 2018 لكن أضيف إليها:
– وقف دعم الحوثيين في ملف اليمن.
– وقف دعم الحشد الشعبي في العراق.
– سحب القوات الإيرانية العاملة في سورية.
– وقف التمدد الإيراني في المنطقة.
– وقف برنامج التطوير الباليستي الإيراني.
ليس من قبيل المصادفة أن تفرض عقوبات جديدة على إيران مع الإعلان عن الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني بالتزامن مع الترويج إلى ما يسمى «صفقة القرن» ونقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني في محاولة أميركية إسرائيلية لطمس القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين في تزوير بائن لكل قواعد التاريخ والجغرافيا بل في تزوير لنظام الطبيعة الكونية.
إن الضغوط الأميركية على إيران مع ترجيح ازديادها، لن يكون لها أي تأثير في السياسة المتبعة في إيران تجاه الدعم المطلق لسورية وللقضية الفلسطينية وتحقيق الحقوق الفلسطينية التاريخية التي أقرتها الأمم المتحدة وكل الشرائع الدولية، ومخطئ من يعتقد أن العقوبات والشروط والمطالب الأميركية يمكن أن تنال من عزيمة إيران في دعمها لفلسطين وتصميمها مع سورية العروبة ومحور المقاومة على مواجهة الأجندة الأميركية في منع تمرير «صفقة القرن» أو التنازل عن القدس.
إن إيران سبق لها ونجحت في التعامل مع العقوبات الأميركية لمدة أربعين عاماً ورغم ذلك فإن إيران تقدمت في شتى المجالات وحققت مع سورية ومحور المقاومة واقعاً جديداً باتت معه إسرائيل تعيش صراع وجود لا صراع حدود وهنا يبرز السؤال: ما الذي يدفع إيران لتقديم تنازلات بعد تراكم النجاحات؟
الجواب جاء على لسان المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي حين استبق الاستجابة الأوروبية على الشروط 12 التي وضعها وزير الخارجية الأميركية مايك بامبيو بشروطٍ إيرانية فرضت على الأوروبيين لتنفيذها من أجل استمرار الالتزام الإيراني بالاتفاق النووي وللحفاظ على مصالح أوروبا الاقتصادية في إيران معلناً انتقال إيران من تلقي الشروط إلى مرحلة فرضها ومن باب القوة.
إن الرئيس الأميركي يحاول صرف الضغوط والشروط والعقوبات في الداخل الأميركي بهدف إرضاء اللوبي الصهيوني وخصوصاً أن ترامب يواجه انتخابات نصفية تحدد مصيره في البيت الأبيض.
عندما يقول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: أعتقد أن الرئيس ترامب خسر في موضوع إيران وربما ربح داخلياً لكنه سيخسر في حال فشل الاتفاق، عندها ندرك معنى القول: إذا عرف السبب بطل العجب.