"النصرة" في سورية إلى الزوال .. ما مصيرها المنتظر؟

"النصرة" في سورية إلى الزوال .. ما مصيرها المنتظر؟

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٩ مايو ٢٠١٨

لم تعد المجموعات الإرهابية المسلّحة في سورية تتمتع بنفس النفوذ الذي كوّنته خلال عمر الأزمة السورية لأسباب مختلفة تتعلق بالانتصارات المتلاحقة التي يحققها الجيش العربي السوري في جميع الميادين التي يخوضها، وقدرته على كسب أي معركة مهما بلغت صعوبتها، فضلاً عن فكر هذه المجموعات والمبدأ الذي نشأت عليه والذي يتعارض مع أي مواطن سوري مؤيد أو معارض، لذلك لم يجد المسلحون تربة خصبة لهم في سورية.

حتى أن الداعمين لهذه المجموعات بدؤوا يتنصّلون من دعمها ويتبرؤن من بعضها خاصةً تلك التي تم وضعها على لوائح الإرهاب، الأسباب السابقة مجتمعةً مهّدت لحدوث انشقاقات داخل المجموعات الإرهابية، إن كان على مستوى المجموعة الواحدة أو بين المجموعات التي كانت تشهد تحالفات سابقة فيما بينها، وآخر هذه المجموعات الآيلة للانقراض، نذكر جبهة النصرة "جبهة فتح الشام".

النصرة لم تجد لها حليفاً ولا نصيراً على الأراضي السورية وبدأ يخفّ بريقها رويداً رويداً مع بروز بريق الجيش السوري الذي أعاد السيطرة على معظم أراضي البلاد وبقي موحّداً ثابتاً صامداً، مقابل انهيار كل من كان يبحث عن تفكيكه وتحويله إلى جيش فاشل عاجز عن حماية الأراضي السورية على اختلاف مساحاتها.

ما هو جديد النصرة؟!

الوقائع تقول بأن النصرة فقدت جميع أوراقها في سورية وتتجه حالياً دمشق لطيّ صفحة هذه المنظّمة الإرهابية، بعد أن بدأت "فتح الشام" تنهار من الداخل نظراً للانشقاقات الكبيرة التي تعصف بها على مستوى الأفراد والقيادات، ومن المرجّح أن ينضم من تبقى من عناصرها إلى مجموعات تشاركها الفكر والعقيدة مثل "تحرير الشام" وغيرها.

وبحسب صحيفة "رأي اليوم" ونقلاً عن مصدر مطلع في التيار السلفي الجهادي فإن زعيم تنظيم جبهة النصرة يقترب كثيراً من إعلان حلّ الجبهة، ووفقاً للمصدر لم يتبقًّ مع أبو محمد الجولاني سوى نحو 700 مقاتل فقط بعد انضمام أكثر من 4000 آلاف من مقاتلي الجبهة إلى مجموعاتٍ أخرى، ولا يوجد تقديرات مؤكدة على العدد الحالي لأنصار ومقاتلي جبهة النصرة داخل سورية.

 لكن الأعداد قلَّت بصورة كبيرة خلال العام الماضي وسط مؤشرات على أن الجبهة قررت ألّا تقاتل خصوصاً في درعا في حال اندلاع عمليّات عسكريّة خصوصاً بعد بيع بعض قادة الجبهة لعتادهم ولمخازن السلاح في عدة حالات.

نبذة مختصرة عن النصرة

ظهرت هذه المنظمة الإرهابية مع مطلع الحرب في سورية عام 2011 م، وتمكّنت خلال فترة قصيرة من التوسع والانتشار في البلاد لأسباب عديدة منها خبرة المقاتلين الذين انضموا إليها والقادمين من جبهات قتال صعبة مثل العراق وأفغانستان والشيشان، وتمكّن هؤلاء من إغراء الشباب وتوريطهم بالانضمام إلى صفوفهم، وفي 24 يناير/كانون الثاني 2012 دعت الجبهة السوريين للجهاد وحمل السلاح في وجه الحكومة السورية.

وبما أن النصرة ذراع القاعدة في سورية، تم تصنيفها من قبل أمريكا على لائحة الارهاب، ثم قرر مجلس الأمن إضافتها لقائمة العقوبات للكيانات والأفراد التابعة للقاعدة، ونظراً لهذا حاول زعيم "جبهة النصرة" أبو محمد الجولاني التنصل من انتمائه للقاعدة لعلّ واشنطن تزيله من هذه اللائحة، إذ قال الجولاني في لقاء مصوّر مع مذيع قناة الجزيرة أن النصرة عملها محصور في الشام فقط وليست في نيتها القيام بأي هجمات أو عمل عدواني في أوروبا أو أمريكا كما تدّعي القاعدة، وقال ربما ذلك من أهداف القاعدة لكنه ليس من أهدافنا.

لكن هذا الكلام لم ينفع الجولاني، إذ لم يستطع الرجل الذي بايع الظواهري أن يخفي جرائمه ضد المدنيين السوريين، فضلاً عن العمليات الانتحارية التي تبناها في كلّ من حلب والشام، وفي أبريل/نيسان 2014، انتقد الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين إعلان جماعة النصرة مبايعة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، ودعاها للعودة إلى صفوف الجيش الحرّ.

بعد هذا الضغط المستمر ومحاولة من الجولاني لتبييض صفحته أمام المجموعات الإرهابية الأخرى التي بدأ يتصارع معها على النفوذ، أعلن في 28 يوليو/تموز 2016 فكّ الارتباط مع القاعدة، وتغيير الاسم إلى "جبهة فتح الشام".

لا أحد يريد أن يتحالف مع منظمة قضت على 18 فصيلاً في الساحة السورية ولا تزال تمارس بأسلوب ممنهج انتهاكات وبغي وإلحاق الضرر بالمدنيين السوريين، ومن يستطيع أن يغفر للنصرة ما فعلته في "سجن العقاب" حيث إنّ جميع الفصائل المسلحة والمدنيين الموجودين في أماكن سيطرة المسلحين تنفر من هذه المنظمة الإرهابية.

يقع السجن الآنف الذكر في محافظة إدلب وعمدت جبهة النصرة على سحق كل من يعارضها في هذا السجن، حتى دون محاكمة، وبدأت باستغلال المدنيين من خلاله، إذ كانت تأخذ النصرة أموالاً طائلة لقاء الإفراج عن بعض الأشخاص المعتقلين لديها، وذاع صيت السجن بين أهالي المنطقة، وأصبح من أسوأ كوابيسهم، وهو يحتوي 36 زنزانة منفردة و3 زنازين جماعية، ويقع تحت الأرض.

الخلاصة؛ مصير النصرة وغيرها من الجماعات الإرهابية الهلاك ولن تتمكن من الاستمرار على الأراضي السورية في ظل تنامي قوة الجيش العربي السوري الذي يعمل على تجفيف منابع الإرهاب، قد ينتقل عناصر النصرة إلى جهة مسلحة أخرى ولكنهم لن يتخلّوا عن أفكارهم وهذا مؤكد، فقد اعتادوا على القتل والدم والإجرام، وهذا سيخلق نوعاً من عدم الثقة بين عناصر النصرة وعناصر الجماعات المسلحة التي ذهبت إليها ليبدأ صراع جديد داخل هذه الفصائل وتبدأ بتصفية بعضها البعض حتى تنحلّ جميعها، ولكن يبقى الخطر عندما يعود عناصر هذه التنظيمات إلى دولهم، فكيف سيتعامل من موّلهم معهم في حال عادوا إليه؟!.