السعودية تواصل هجومها "الصامت" على تركيا: هل يردّ أردوغان؟!

السعودية تواصل هجومها "الصامت" على تركيا: هل يردّ أردوغان؟!

تحليل وآراء

الخميس، ٣١ مايو ٢٠١٨

 ثلاثة مستويات تحاول من خلالها السعودية تقويض حجم تركيا في المنطقة ومنعها من الوصول إلى زعامة العالم الإسلامي الذي تعتبره السعودية حكراً لها، وتتمثل هذه المستويات بـ"العسكر، الإعلام والاقتصاد"، وفي كل ملف من هذه الملفات تستخدم السعودية ثقلها لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة في هذا الإطار مستفيدةً من الوجود الأمريكي على الحدود الجنوبية لتركيا ودعم الإمارات الحليف الخفي الذي يمارس ألاعيبه في الخفاء علّه يحافظ على سياسته الوسطية لكي لا يخسر كل شيء، فدائماً هناك طريق للعودة يصنعه الإماراتي بدهاء ولكنه لم يعد بنفس القوة التي كان عليها قبل عقدين من الزمن.

وبالعودة إلى ما يجري بين السعودية وتركيا، يمكننا التكهن بأن السعودية تعمل على شيطنة الأكراد لكي يكونوا حجر عثرة في وجه مخططات أردوغان وفي نفس الوقت يكسبون رضا الأمريكي، ولكن لا يعلم السعودي بأنه يعلب بالنار مع التركي، فالاقتراب من ملف الأكراد سيجلب نتائج غير مرضية للسعودية على المدى البعيد، لأن دعم الأكراد خط أحمر فكيف إذا ما كان الأمر هو تشكيل وحدات عربية في المناطق الكردية، كانت قد تحدّثت عنها وكالة الأناضول التركية.

العسكر

وبحسب مصادر محلية فقد زار عسكريون من السعودية والإمارات والأردن قاعدة عسكرية تابعة للتحالف الدولي في منطقة "خراب عشق" بريف عين العرب كوباني شمالي سوريا، وأضافت المصادر إن المذكورين التقوا في زيارة استمرت 24 ساعة قياديين مما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية وقياديين ميدانيين في التحالف الدولي.

وبحسب وكالة أنباء الأناضول فإن الزيارة تهدف إلى تأسيس وحدات عربية في المنطقة، نواتها فصيل "الصناديد" أحد الفصائل المنضوية تحت لواء ما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية، لتشكّل الوحدات إحدى القوى العسكرية في "قوات حرس حدود" سبق أن أعلنت مصادر أنها ستنشأ في الفترة المقبلة بتمويل سعودي.

هذا ليس الاستفزاز الأول الذي تقوم به السعودية هناك، فقد سبق لها أن أرسلت الوزير السعودي للشؤون الخليجية ثامر السبهان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى مدينة الرقة التي يسيطر عليها الحزب، والتقى مسؤولين أمريكيين فيها، غضبت حينها تركيا واعتبرته استفزازاً لها، وبعد ذلك الحين بدأت العلاقات تتوتر رويداً رويداً، ولا سيما حين زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجزائر وهذا ما اعتبرته السعودية استفزازاً لها وسعياً للسيطرة على العالم الإسلامي، تبعها تصريحات من محمد بن سلمان أشبه بالحرب الكلامية، إذ صرّح ابن سلمان للصحفيين خلال زيارته الأخيرة لمصر بأنه: "يوجد ثالوث من الشر، يضم تركيا وإيران والجماعات الإرهابية". كما أوضح أن "تركيا تريد الخلافة وفرض نظامها على المنطقة، بينما تريد إيران تصدير الثورة، والجماعات الإرهابية التي تحاصرها الدول العربية".

لا يمكن العبث مع تركيا في موضوع الأكراد، وقد حاولت أمريكا وفرنسا ذلك مراراً وكانت النتيجة صدام مع التركي وتوتر في العلاقات على أعلى مستوى، فهل ستكون السعودية "كبش فداء" في هذه المسألة تضحي بنفسها من أجل الأمريكي أم إنها تفعل ذلك بمحض إرادتها ودون تحريض من أحد؟!.

قد يدّعي البعض بأننا نتهم الأمريكي بأنه سبب جميع المؤامرات في المنطقة، ولكن الحقيقة أن أمريكا لم تُبدِ أي حسن نية في منطقتنا بل على العكس جلبت لنا الخراب مع طائراتها التي دمّرت بلادنا وشرّدت أهالينا تحت ذرائع كاذبة ما زالت تمارسها حتى كتابة هذه السطور، وما يجعلنا نربط ذلك بواشنطن هو حديث ترامب الأخير حول خروج قوات بلاده من سوريا مقابل نشر قوات عربية، لذلك لا نستبعد أن تكون أمريكا وراء هذا التحريض الذي يرافقه دون أدنى شكّ رغبة سعودية بإضعاف تركيا.

الاقتصاد

إذا أردنا أن نتكلم عن اقتصاد تركيا "الذي لا يبدو أنه بخير هذه الأيام من خلال انخفاض قيمة صرف الليرة التركية أمام الدولار"، لابد أن نمرّ على الواقع السياحي في البلد والذي يشكّل شريان تركيا الاقتصادي، وحالياً تتعرض السياحة في تركيا لهجمة شرسة وغير مسبوقة من السعودية والإمارات، اللتين تحثان مواطنيهما لعدم الذهاب إلى تركيا في العطلة الصيفية، وقد خرجت حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تهدف إلى مقاطعة السياحة في تركيا بدعوى تردي الوضع الأمني فيها وانتشار أعمال العنف، وقد أرفق مطلقو الحملة تغريداتهم وتدويناتهم بمقاطع فيديو قالوا إنها لخليجيين تعرضوا لعمليات احتيال ونصب واعتداء في تركيا، في حين تعتبر وسائل إعلام رسمية تركية أن الحملة تدخل ضمن "المكائد الخارجية" التي تسعى لضرب اقتصاد البلاد والليرة قبيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في 24 يونيو/حزيران المقبل.

الإعلام

هنالك هجوم إعلامي شرس تشنّه وسائل الإعلام السعودية ضد تركيا وبشكل ممنهج وحرفي، وصل إلى حد استهداف شخص الرئيس التركي، حيث هاجمت صحيفة "عكاظ" السعودية مؤخراً الرئيس أردوغان في مقال يحمل عنوان، "أردوغان.. أوهام السلطان"، أفردت الصحيفة صفحة كاملة، تضمّنت انتقادات حادة لسياسات الرئيس التركي، والربط بينه وبين جماعة "الإخوان المسلمين" التي تحظرها السلطات في السعودية، وتشبيه الخطر الذي يمثله على الرياض بالخطر الإيراني.

كما وصفت الصحيفة سياسات الرئيس التركي بأنها "مخططات عبثية.. وأجندات مشبوهة"، مسلّطة الضوء على العلاقة التركية الإسرائيلية، واعتبار العلاقات الاقتصادية مع تل أبيب دليلاً على ما وصفته بـ"البراغماتية التركية".

طبعاً مثلما تعتبر تركيا موضوع الأكراد خطاً أحمر، تعتبر السعودية "الإخوان المسلمين" خطاً أحمر أيضاً، وكل منهما يحارب الطرف الذي يدعمه الآخر، ولا نعلم إذا كانت تركيا ستحرّك الإخوان المسلمين ردّاً على السعودية أم لا، وفي حال حصل ذلك ربما نكون على موعد مع مواجهة سعودية - تركية مقبلة، لكن في الوقت نفسه لا نعتقد بأن أردوغان سينجر إلى هذا المستنقع، فالرياض ليست من أولويات تركيا اليوم كون أنّ قدرات الأولى لن تؤثر على الدور التركي في المنطقة.