الجنوب السوري انسحاب مقابل اتفاق... هل هو سقوط ما قبل المعركة؟

الجنوب السوري انسحاب مقابل اتفاق... هل هو سقوط ما قبل المعركة؟

تحليل وآراء

الخميس، ٧ يونيو ٢٠١٨

مهران نزار غطروف
يبدو أنّ المعارك المفصلية ضدّ الإرهاب ومستثمريه في أتون الحرب السورية، سواء معركة استعادة حلب، التي أصبح ما بعد تاريخ تحريرها غير ما قبله، أو معركة الغوطة الشرقية، التي غيّرت وأعادت رسم الخارطة السياسية في العالم، هي خير الأمثلة الحيّة على ردود الفعل الأميركية، رأس أطراف العدوان على سورية، قبل كلّ معركة تكون من الأهمية الاستراتيجية بمكان، يحاكي نوعية وسوية معارك كهذه.
في هذا الصدد، تندرج التحذيرات الأميركية الأخيرة في 25 أيار/ مايو الماضي، بقولها إنها ستتخذ «إجراءات حازمة ومناسبة» ضدّ القيادة السورية، حول نيتها المعلنة في حسم ملف الإرهاب في الجنوب السوري درعا – القنيطرة ، والتي عملياً دخلت حيّز التنفيذ، ولو بشكل لوجستي حتى الآن.
التصعيد الذي رافق معركة تحرير الغوطة الشرقية، من عدوان ثلاثي وانتهاكات إسرائيلية، وكلّ ما أعقبها من تحرير باقي المناطق في دمشق وريفها، وصولاً لإعلانهما مناطق خالية من الإرهاب لأوّل مرة، منذ عام 2011. على ما يبدو، لم يكن أكثر من حركة استباقية، قامت بها كلّ من واشنطن وحلفائها، لمنع الجيش السوري وحلفائه، من الوصول لفتح معركة بحجم هذه المعركة الجوهرية والأساسية، في سياق الصراع العربي الإسرائيلي. فالوصول لهذه المرحلة من الحسم، يعني شيئاً واحداً فقط، هو موت الحلم الإسرائيلي الذي ولد وعاش وسيموت إرهابياً، أقلّها حسبما تقول الوقائع الميدانية…
التحركات المكوكية على جميع الأصعدة، وفي جميع الاتجاهات، التي واكبت وجهة الجيش السوري ما بعد دمشق وريفها، لم تزل مستمرة على أشدّها من قبل أطراف العدوان، تحت ذريعة أساسية هي ضرورة إلغاء الانتشار الإيراني المزعوم في الجنوب السوري، مقابل عودة الجبهة الجنوبية إلى ما كانت عليه، عند خط فصل القوات عام 1974، والذي انتهكته «إسرائيل»، من خلال دعمها إرهابيّي النصرة وغيرهم، على مدى عمر الحرب.
ربما يفسّر ذلك، زيارة أفيغدور ليبرمان وزير الأمن الإسرائيلي الأخيرة إلى موسكو، على رأس وفد أمني يوم الخميس 31 أيار/ مايو الفائت، وما تبع الزيارة من تصريحات الكرملين، عن اتصال بين بوتين ونتنياهو حول آخر التطورات، وخاصة على الصعيد السوري.
كذلك تأكيد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، خلال مؤتمر عقده الجمعة، في مقرّ الأمم المتحدة، بمناسبة تولي روسيا رئاسة مجلس الأمن الدولي لشهر حزيران/ يونيو الحالي، التوصّل لاتفاق حول سحب القوات الإيرانية من جنوب غرب سورية قرب الحدود مع الأراضي السورية التي لا تزال تحتلها «إسرائيل»، وتوقع تطبيقه خلال أيام.
وبغضّ النظر عن هذا الجدل حول الوجود الإيراني الذي تؤكده القيادة السورية على أنه استشاري ومحدود وشرعي، وتنفيه على أنه عسكري قواعد وقوات ، فإنّ الاتفاق بحدّ ذاته – أيها اتفاق – أسقطه وزير الخارجية السوري وليد المعلم، في مؤتمره الصحافي الذي عقده ظهر السبت 2 تموز/ يونيو الحالي، بالضربة القاضية، بقوله: «لا تصدّقوا أيّ تصريح، أو اتفاق بشأن الجنوب، قبل انسحاب القوات الأميركية من التنف».
ليربط بذلك ماهية أيّ اتفاق يتمّ الحديث عنه، أو التوصّل له، من قبل أي كان من أطراف حليفة أو غيرها، بهذا الانسحاب. فالانسحاب الأميركي هو عنوان أيّ مرحلة مقبلة سلماً أو حرباً، بحسب رسائل المعلم، رأس الدبلوماسية السورية…!
ما فات الأميركي وحلفاءه خاصة الإسرائيلي منهم، أنّ ماء خوذهم البيضاء التي غسلت كيمائي «النظام» المزعوم، في أكبر مسرحية هزلية عرفها تاريخ سياساتهم الفاشية، للتدخل في مصير الشعوب حتى اليوم، لم يجفّ بعد عن أرض دوما، إمارتهم السابقة في الغوطة الشرقية، ولا عن غيرها من الأراضي السورية، التي عاث فيها إرهابيوهم أو وجودهم طيلة سبع سنوات ماضية.
ما يعني بالضرورة، أنّ كلّ اتفاق لا يكون عنوانه رحيل الأجنبي – أيّ أجنبي – وزوال الإرهاب ومظاهره عن كامل الأرض السورية، هو اتفاق غير ملزم للقيادة السورية، مهما كانت أطرافه.
«هذه أرضنا، وهذا حقنا، ومن واجبنا تحرير تلك المنطقة. وعلى الأميركيين أن يغادروا، وسيغادرون بشكل ما. أتوا إلى العراق دون أساس قانوني، وانظر ما حلّ بهم. عليهم أن يتعلّموا الدرس. العراق ليس استثناء، وسورية ليست استثناء. الناس لم يعودوا يقبلون بوجود الأجانب في هذه المنطقة».
كانت هذه رسالة الرئيس بشار الأسد لأميركا وأدواتها، حول تمركزها غير الشرعي في بلاده، في آخر إطلالة له خلال مقابلة أجرتها معه قناة «روسيا اليوم»، نشرت صباح الخميس 31 أيار/ مايو الفائت، فهل وصلت الرسالة؟ وهل سيتعلمون الدرس هذه المرة، بشكل أفضل؟
بين مؤشرات الخروج الأحادي من الاتفاق النووي الإيراني، وما خلّفه من قلق في العلاقة مع الشريك الغربي للسياسات الأميركية، وصولاً للتجاذبات الأخيرة، الحاصلة في المسألة الكورية وتطوّراتها، وما بين ذلك من حروب اقتصادية كبرى، لا زال الرماد يسيطر على نيرانها حتى الآن، وصولاً للفقدان شبه التامّ للمناورة في الملف السوري، يبدو أنّ العمى الاستراتيجي الأميركي يتفاقم بزعامة ترامب وصقوره.
فهل هي بداية الحصاد المرّ لأميركا، وهزيمة سياساتها في هذا الشرق؟ وهل شاءت الأقدار أن تكون سورية هي منصة إعلان هذه البداية..! كما كانت عبر التاريخ، أرض الانطلاقات والحضارات خيراً ونصراً…
لننتظر مقبلات الأيام…