الدور الثقافي لترامب.. بقلم: د.منار الشوربجي

الدور الثقافي لترامب.. بقلم: د.منار الشوربجي

تحليل وآراء

الجمعة، ٨ يونيو ٢٠١٨

الجدل الصاخب الذي شهدته الولايات المتحدة بخصوص مسلسل تلفزيوني يعبر عن حجم الاستقطاب الذي تعانيه أميركا اليوم، ويشير بوضوح إلى أن المسألة العرقية تظل في القلب من ذلك الاستقطاب السياسي.
وقد بدأت الحكاية منذ شهور حين أعلنت مؤسسة ديزني، المالكة لشبكة إي بي سي، أنها ستطلق حلقات جديدة من المسلسل التلفزيوني الشهير «روزان» الذي كانت له شعبية طاغية حين كان يعرض في تسعينيات القرن العشرين.
والمسلسل الذي سمي باسم بطلته الممثلة روزان بار، كان يحكي أحوال أسرة من الطبقة العاملة البيضاء، عبر يوميات أفراد تلك الأسرة، في إطار كوميدي خفيف، وبالفعل، أطلقت إي بي سي المسلسل، إلى أن تم إيقافه مؤخراً بعد أن كتبت بطلته روزان عبر حسابها الشخصي على "تويتر" عبارات عنصرية قبيحة في حق فاليري جاريت، التي كانت كبيرة مساعدي الرئيس السابق باراك أوباما، حيث وصفتها بأنها تأتي من «كوكب القرود»، وهو تعبير بالغ العنصرية له تاريخه القبيح منذ زمن العبودية والفصل العنصري.
والحقيقة أن الجدل الصاخب الذي أثارته عبارات روزان بار، ثم الوقائع التي تلت إيقاف المسلسل ذات دلالة كاشفة، فروزان كتبت اعتذاراً عما كتبته في حق جاريت، لكنها عادت وكتبت تعليقاً آخر قالت فيه إنها كانت قد كتبت تلك العبارات العنصرية، وهي تحت تأثير عقار شهير يساعد على الخلود للنوم، وهو ما دفع شركة سانوفي المنتجة للعقار إلى إصدار بيان كان لافتاً بكل المقاييس، فالبيان قال إنه «بينما توجد أعراض جانبية لكل دواء، فإن العنصرية ليست من بين الأعراض الجانبية لأي من العقاقير التي تنتجها سانوفي»، وعندما قدم المدير التنفيذي لديزني اعتذاراً لفاليري جاريت، دخل الرئيس الأميركي نفسه على الخط، فكتب عبر حسابه على "تويتر" أنه لم يتلق من إيه بي سي أبداً اعتذاراً مماثلاً بعد أي انتقادات مغلوطة له كرئيس.
أما الساحة السياسية والثقافية فعانت اصطفافاً فورياً، حيث صار اليمين مدافعاً عن روزان بار، بينما أثنى الليبراليون واليسار على ديزني لإلغائها المسلسل، والحقيقة أن ذلك الاصطفاف نفسه يدعو للتأمل، فالممثلة روزان بار، على الرغم من أنها من مؤيدي الرئيس ترامب، فإنها لم تكن يوماً محسوبة على اليمين، وشبكة إي بي سي، المملوكة لديزني، التي ألغت المسلسل، كانت تعلم بالضرورة قبل قرارها بإعادة مسلسل روزان للحياة، أن روزان بار طالما أطلقت عبارات مثيرة للجدل.
فروزان بار، التي يصطف وراءها اليمين اليوم، كانت من أشد المعادين للرئيس الجمهوري المحافظ جورج بوش الابن، حين كان في الحكم، وترشحت ذات مرة عن حزب الخضر الأميركي، وعلى الرغم من أنها ممثلة كوميدية بارعة، فإن تصريحاتها المثيرة للجدل لم تتوقف يوماً، فلها عبارات على "تويتر" وغيره عبر سنوات طويلة، بها لمحات عنصرية لا تخطئها العين، والتعبير العنصري الفج الذي استخدمته في حق مساعدة أوباما كانت قد استخدمته في حق سوزان رايس، مستشارة أوباما للأمن القومي، بينما أوباما لا يزال في السلطة، ولا بد أن شبكة إي بي سي كانت على دراية بكل ذلك قبل أن تتخذ قرارها بإعادة إنتاج المسلسل.
غير أن الأهم من هذا وذاك، هو أن رئيس الولايات المتحدة كان الحاضر الغائب في القصة برمتها، فشبكة إي بي سي، حين قررت إحياء المسلسل، كانت تهدف، إلى جانب الأرباح الطائلة، لمزيد من الفهم لجمهور ترامب، خصوصاً أن روزان شخصياً من مؤيدي الرئيس، فقد تصورت المؤسسة أن بإمكانها، من خلال يوميات أسرة من الطبقة العاملة البيضاء، هي أسرة روزان بالمسلسل، أن تنشئ حواراً مجتمعياً بشأن هموم ذلك القطاع تحديداً، معتبرة أن صناعة الترفيه والإعلام الأميركية عموماً قد غضت الطرف عن فهم ذلك القطاع ففوجئت بفوز ترامب.
المفارقة في الأمر هي أن المؤسسة على ما يبدو فشلت في توقع تبعات ما يمكن أن يصدر عن روزان شخصياً، ولم تأخذ في اعتبارها أن قطاعاً مهماً من «ناخبي ترامب» وليس كلهم بالطبع، تروقهم تلك اللغة العنصرية في التعامل مع الأقليات، وترامب نفسه قد أثنى على روزان بعد أولى الحلقات، لأنه كان يعلم أنها من مؤيديه.
غير أن أكثر ما يدعو للتأمل في كل ذلك الصخب الذي دار حول المسلسل هو أنه كشف بوضوح عن أهمية وحجم الدور الذي تلعبه المسألة العرقية في حالة الاستقطاب السياسي والثقافي الأميركي، وهو دور صار من الواضح أن الرئيس الأميركي نفسه له دور في تكريسه عبر تصريحاته المثيرة للجدل بخصوص الأقليات عموماً، ومن المؤكد أن الباحثين سيظلون لسنوات طويلة مقبلة يدرسون حجم الأثر الذي سيتركه ترامب على العلاقات العرقية والإثنية في أميركا.