خيبة أمل حلفاء أميركا.. بقلم: د.منار الشوربجي

خيبة أمل حلفاء أميركا.. بقلم: د.منار الشوربجي

تحليل وآراء

الأحد، ١٧ يونيو ٢٠١٨

من كندا لأوروبا واليابان، شهد الأسبوع الماضي تحولا راديكاليا في الخطاب السياسي لحلفاء أميركا ليصبح أقرب للمواجهة والصدام معها. وهو تحول جاء عشية اجتماعي قمة مهمين هما قمة السبع الكبار والقمة الأميركية- الكورية الشمالية. فرئيس الوزراء الكندي اعتبر إجراءات ترامب «إهانة» لبلاده.
 
وألمانيا وجهت خطابا شديد اللهجة لسفيره لديها. وبينما لم تخف اليابان خشيتها من أن تخذلها واشنطن في القمة مع كوريا الشمالية، فإن القلق ليس خافيا في عواصم أوروبا الغربية من سعي ترامب الحثيث لتقوية قوى اليمين الشعبوي المتطرف في شرق القارة وغربها.
 
فخلال العام والنصف عام منذ تولي ترامب، سعى حلفاء أميركا، من كندا واليابان إلى أوروبا، لكسب ود ترامب بشتى الطرق، أملا في إقناعه بالعدول عن مواقفه من قضايا دولية محورية.
 
وقد ذهب بعض الحلفاء، خصوصا الرئيس الفرنسي ورئيس وزراء اليابان، لأبعد مدى، حيث اعتمدا منهجا يقوم على شخصنة العلاقات الدولية، عبر المغالاة في إضفاء الدفء على العلاقة الشخصية مع ترامب. لكن الواضح أن استراتيجية كسب الود تلك لم تؤت أثرها في القضية بعد الأخرى حتى نفد صبر الحلفاء وباتوا أقرب للمواجهة منهم للحوار.
 
فترامب، بعد اجتماع قمة السبع الكبار العام الماضي، أعلن الانسحاب من اتفاق باريس للتغير المناخي، ولم يستجب لحلفائه الأوروبيين بخصوص الاتفاق النووي الإيراني، ثم نقل السفارة الأميركية للقدس رغم تحذيراتهم. وكانت القشة التي بعدها انفجر الحلفاء، من أوروبا لكندا، هي إصراره، رغم محاولاتهم المكثفة لإقناعه، على فرض التعريفات الجمركية على منتجاتهم.
 
وقد عبرت كل من ألمانيا وفرنسا عن غضبهما في مؤتمر صحفي للمستشارة الألمانية والرئيس الفرنسي أكدا فيه أن «لا تفاوض» مع أميركا بخصوص التجارة، إلا بعد أن تعلن التراجع «غير المشروط والدائم» عن التعريفات التي فرضتها، وماكرون كتب عبر "تويتر" عشية قمة السبع الكبار أن تلك الدول لا تمانع من أن تصبح «ست».
 
غير أن الأخطر من فرض التعريفات كان التبرير القانوني لها. فإدارة ترامب استخدمت، لفرض تلك التعريفة، فقرة في أحد القوانين الأميركية، نادرا ما يتم استخدامها، تسمح للرئيس الأميركي بفرض تعريفات جمركية إذا ما كان ذلك من أجل درء «تهديد للأمن القومي» الأميركي.
 
وقد استفز استخدام ذلك النص أولئك الحلفاء، الذين هم شركاء أميركا في عضوية حلف الأطلنطي أو مرتبطين معها في شراكة أمنية واستراتيجية مثل اليابان. وكان أكثر الحلفاء غضبا هو رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، الذي اعتبر الإجراء الأميركي «مهينا وغير مقبول».
 
وأضاف إن الصلب الكندي الذي يستخدم في صناعة العربات الحربية الأميركية يستحيل أن يكون تهديدا للأمن القومي الأميركي، مؤكدا أن القول بأن كندا تهدد أمن أميركا «يمثل إهانة لجنودنا الذين حاربوا وماتوا معا على السواحل في الحرب العالمية الثانية وعلى جبال أفغانستان».
 
ورغم أن علاقة البلدين شهدت تاريخيا بعض الصدامات، إلا أن الجفاء الأميركي الكندي الحالي يظل الأعمق والأسوأ في تاريخ العلاقة بين البلدين، وهو ما بدا واضحا في تصريحات ترامب عبر "تويتر"، وهو على متن طائرته بعد مغادرة كندا، التي أعلن فيها الانسحاب من البيان المشترك لقمة السبع، متهما ترودو بأنه «ضعيف ومخادع».
 
واليابان، التي استثمر رئيس وزرائها الكثير في بناء علاقة شخصية مع ترامب، وجدت نفسها ليس فقط إزاء تعريفات جمركية تهدد مصالحها، وإنما إزاء قمة أميركية مع كوريا الشمالية تم عشية الإعداد لها تهميش اليابان بل وصدرت تصريحات أميركية تؤكد أن الأولوية الأولى بالقمة ستكون لحماية الأراضي الأميركية، بدلا من الخطاب الأميركي المعتاد عن حماية «أمن الحلفاء في آسيا».
 
غير أن الأخطر من هذا وذاك هو القلق الأوروبي من سعي ترامب وحلفائه في واشنطن لدعم قوى اليمين المتطرف في أوروبا. ولعل ذلك القلق هو الذي كان وراء الانتقادات العاصفة التي وجهتها ألمانيا، حكومة ومعارضة، للسفير الأميركي لديها، ريتشارد جرينيل.
 
فهو قال في حوار صحفي أنه يسعى «لتقوية اليمين المحافظ المناوئ للمؤسسات الحاكمة» في دول أوروبا. وقد طالبت وزارة الخارجية الألمانية الولايات المتحدة رسميا بتفسير لتصريحات السفير، بينما اتهمته المعارضة الألمانية بأنه يتدخل في شؤون ألمانيا الداخلية.
 
وقد تبين أن السفير وجه دعوة للمستشار النمساوي، اليميني، للقائه أثناء زيارته لبرلين هذا الأسبوع. فطالبت بعض القوى السياسية الألمانية بطرد جرينيل، بينما وصفته مجلة شبيجل بأنه يتصرف وكأنه «بديل لأنغيلا ميركل».
 
والمسألة لا تتعلق بسفير أميركا لدى ألمانيا وحده، إذ يراقب الأوروبيون بعين القلق دور مستشار ترامب السابق ستيف بانون، المعادي بقوة للاتحاد الأوروبي. فبانون زار أوروبا مرتين خلال أربعة أشهر فقط ولم يخف خلال اللقاءات المتعددة له في العواصم الأوروبية المختلفة أنه يدعو «للثورة الشعبوية».
 
علاقات أميركا الخارجية تشهد تحولات راديكالية لعل أهمها أن الاتحاد الأوروبي صار يعتبرها تهديدا لوحدته، بينما تعتبرها اليابان وكندا متنكرة للتاريخ الممتد للتحالف بينهما.