إشكاليات اللجنة الدستورية في جنيف.. بقلم: محمد نادر العمري

إشكاليات اللجنة الدستورية في جنيف.. بقلم: محمد نادر العمري

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٩ يونيو ٢٠١٨

مرة جديدة يعود الحدث السوري ليحيي قاعات جنيف الباردة بسخونة أحداثه، بعد توارد الأنباء عن تبلور صيغة تتضمن تشكيل اللجنة التي ستناقش ملف مسألة الدستور، بعد جملة من التحضيرات دفعت المبعوث الدولي لسورية ستيفان دي مستورا ونائبه رمزي رمزي لعقد جولات مكوكية من اللقاءات والاتصالات مع الفاعلين الدوليين والإقليميين المؤثرين في الساحة السورية، تزامناً مع معلومات تفيد عن تشكيل كتلة مصغرة «سداسية» للدول الداعمة للمعارضة تسعى لاستثمار مخرجات سوتشي لإعادة أحياء مسار جنيف مجدداً والضغط للحصول على أكبر تمثيل ممكن لوفد الهيئة العليا للتفاوض في اللجنة المزمع تشكيلها، بالتوازي مع رغبة أميركية في استثمار هذه الاجتماعات كمحاولة أخيرة للوصول لتسوية مع الجانب الروسي حول الجنوب السوري بعد رفض دمشق للمطالب التي لا تتضمن إعادة سيطرتها على هذه المنطقة وما تتضمنه من معابر حدودية مع الأردن وقاعدة التنف، الأمر الذي قد تستثمره موسكو من خلال إعادة طرح رؤيتها بتعاون روسي أميركي من بوابة جنيف تحت عنوان ما خرجت به قمة للرئيسين الروسي والسوري في سوتشي من ربط العملية السياسية بخروج القوات الأجنبية.
رغم إشارة دي مستورا قبل أيام إلى وجود «نقاط تقاطع حقيقية لإحراز تقدم في المسار السياسي الذي دعا إليه مجلس الأمن في القرار 2254 للوصول إلى مسار سوري بقيادة سوريين وتسهيل أممي»، إلا أن حرصه على خفض سقف توقع حصول «اختراق جوهري» في القريب العاجل، هو الأكثر دقة انطلاقاً من الواقعية السياسية والظروف الموضوعية التي تتحكم بالملف السوري، فحجم العراقيل والإشكاليات التي تواجه تشكيل اللجنة واختصاصها وآلياتها تحتاج إلى توافقات سياسية غير متوافرة حتى اللحظة ولا تبدو أنها ستتوافر خلال المرحلة القريبة، وأبرز هذه الإشكاليات تكمن في:
القوى المعارضة:
 حيث تشهد صفوف المعارضة انقساماً واضحاً في انتقاء واختيار الحصة المخصصة لهم، فالمشاركون بمؤتمر سوتشي يتمسكون بحصتهم كاملة دون انتقاص في رفض واضح لإعادة زج الهيئة العليا للتفاوض في واجهة المشهد المعارض بعد رفضه المشاركة في سوتشي.
 تشكيل كتلة سداسية تضم الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا والأردن والسعودية وألمانيا ستجتمع مع المبعوث الدولي بهدف الوصول لصيغة تعيد بها هذه الدول نفوذها وتأثيرها في المشهد السياسي السوري بعد استعصاء الحلول العسكرية وإيجاد صيغة مناسبة لإعادة تدوير وفد رياض ضمن اللجنة عبر مشاركة بعض أعضاء الوفد بصفتهم الشخصية.
الإشكالية الثانية التي تواجه تشكيل اللجنة هي إصرار المبعوث الدولي على حصر انتقاء أعضاء ما يسمى المجتمع المدني بنفسه وهو أمر مرفوض من دمشق وحلفائها وبخاصة بعد الاتهامات الصريحة والواضحة للمبعوث الدولي في عدم نزاهته وخروجه عن سياق تسيره للمحادثات، فالمراوغة الديمستورية تقرأ من دمشق أنها محاولة عن تعبير غربي في تحقيق مكاسب سياسية عجزت عن تحقيقها عسكرياً.
أما الإشكالية الثالثة التي ستواجه المجتمعين في جنيف فهو عدد الأعضاء، فدمشق ومن خلفها دعم روسي ضمني لا توافق على أن يكون تمثيلها مساوياً للبقية ولاسيما أن حضورها ونفوذها وتموضعها الميداني ينصب لصالحها وبشكل يتجاوز 84 بالمئة.
بينما تمثل طريقة التصويت عقبة وإشكالية تقنية حقيقية متمثلة بخيارات متعددة مطروحة مابين تأييد حكومي سوري لطريقة التصويت بالإجماع بعد الحصول على تمثيل يناسب حجمها الحقيقي ورأي معارض يصر على الثلث المعطل أو التصويت بالأغلبية.
بينما تمثل مشاركة الأكراد إشكالية أخرى في سياق تشكيل اللجنة الدستورية، من حيث الموقف التركي من ذلك بالدرجة الأولى، وفي حال تجاوز الفيتو التركي فما هي حجم مشاركتهم وفي أي من التصنيفات ستتم مشاركتهم.
أما التحدي الأكبر في اجتماع جنيف وما سيليها من اجتماعات يتمثل بإمكانية إحداث خرق في تذويب الجليد بين القطبين الدوليين، وسط تصلب الموقفين الأميركي الذي ما زال يتمسك بمطالبه وما يدعيه من انتقال سياسي وانسحاب إيراني كامل من سورية ومزاوجته مابين إعادة الإعمار بالعملية السياسية، مقابل الكتلة الروسية الداعمة لوجهة نظر دمشق من حيث محاربة الإرهاب والشروع في عملية سياسية انطلاقاً من تعديل دستوري وليس نسفه.
بالمجمل يمكن القول بأن المشهد السياسي سيشهد كباشات متعددة في ظل عدم توافر اﻹرادة الدولية والإقليمية لحل الأزمة السورية، ومسألة تشكيل اللجنة الدستورية وعملها ستشكل أحد هذه الكباشات ومع ذلك ورغم كل التحديات فهي تمثل انتصاراً دبلوماسياً جديداً لدمشق وحلفائها لأنها دفعت واشنطن في نهاية الأمر للإقرار بإحدى مخرجات سوتشي التي رفضته رفضاً قاطعاً.