ترامب إلى هلسنكي مهزوما ً.. وإنسحابه من سورية حتمي.. بقلم: المهندس ميشيل كلاغاصي

ترامب إلى هلسنكي مهزوما ً.. وإنسحابه من سورية حتمي.. بقلم: المهندس ميشيل كلاغاصي

تحليل وآراء

الأحد، ١٥ يوليو ٢٠١٨

عامان كاملان أمضاهما دونالد ترامب المرشح ولاحقا ً الرئيس, تحت الأضواء العالمية أثبت من خلالهما أنه النسخة الرئاسية المناسبة للمرحلة الصعبة التي تمر بها بلاده وعليه عُقدت الاّمال للحفاظ على هيبتها وسمعتها وفي محاولتها للتمسك بعتبة الدولة القطب وعدم التراجع إلى ما دونها في عالمٍ جديدٍ ناشئٍ بشّر بتعددية قطبية لا تعترف بالقوة العسكرية منفردة ً عاملا ً محددا ً لنفوذ الدول وأحجامها ومكانتها الدولية, فالإقتصاد والتجارة الدولية هما من يرسما حدود السلام والحروب العالمية. 
إن الفشل الإقتصادي الداخلي والخارجي وحجم الديون وحصيلة الهزائم الأمريكية السياسية والعسكرية الناجمة عن نسف الإتفاقيات والعهود والتفاهمات مع حلف الناتو وتركيا والتراجع أمام روسيا في سوريا وأوكرانيا وكوريا الشمالية , والفشل في تعديل الملف النووي الإيراني والتواجد في بحر الصين الجنوبي .. أمورٌ تسببت بإصابة سياسة الولايات المتحدة بشرخٍ كبير بعلاقاتها مع الجميع , ودفعت أوروبا للإعتماد على نفسها والبحث عن مستقبلها ومصالحها ومصيرها بعيدا ًعن شريكها الأمريكي , بالتزامن مع العودة القوية للحليف الروسي السابق والمنافس وربما العدو الحالي وأصدقاؤه الصينيون والكوريون وعديد الدول في منظمتي البريكس وشنغهاي , والتي باتت ألغازا ً أمريكية تحتاج حلولا ً سريعة ً وإلاّ ستتبدد الأحلام وتسقط المشاريع , ويصير الأمريكان حديث السهرة والفرنجة والطليان. 
وعلى الرغم مما قيل عن قلة خبرته السياسية  مقارنة ً بما يمتلكه في التجارة والمقايضة والصفقات , يبقى الأهم هو ما فعله ترامب خلال الفترة الماضية , وتجدر مقارنة مواقفه التي أطلقها كمرشح ما قبل الفوز ومقدار ما استطاع تنفيذه بما يرسم حدود حكمه كرجل إقتصاد خبير وواثق وصريح , ويضعه في عداد الأقوياء ممن سبقوه في رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية , تلك المواقف التي أعلن عنها صراحة ً منذ أن بدأ حملته الإنتخابية , فقد قال :"سأحمي العالم وسأبني حائطاً مكسيكيا ً وقد أفكك الأطلسي وأطيح بالنووي وسأحمي من يدفع" .. وإعتبر أنه "من الخطأ محاربة دمشق التي تحارب داعش ورحيل الأسد جنون" .. فقد بدا صادقا ً مخيفا ً أخرق القول وربما الفعل واستطاع قلب التوقعات وكسب الخصومات والعداوات.
لقد أنهى بسرعة إبتزازه لدول الخليج العربي وما بين الزيارة والدعابة والهدايا والعقود العسكرية والأتاوات الصريحة حصل على المليارات مقابل حماية تلك العروش , وحاول إعادة فتح الملف النووي الإيراني واستخدامه سلاحا ً لمحاصرتها والتضييق عليها ومنعها من بيع نفطها لحين رضوخها – كما يعتقد- , لكنه بذلك أرعج وأرعب الأوروبيين ولم يحترم مصالحهم مع الدولة الإيرانية وشراكتهم وطاعتهم وصداقتهم لبلاده , فقد حاول إبتزازهم دولة ً تلو الأخرى , وأجبرهم على الإختيار ما بين المواجهة والإستسلام للهيمنة والغطرسة الأمريكية , واختار أن يدق الرأس الكبيرة في ألمانيا واتهمها بالخيانة لشركائها وحلفائها في الناتو وبأنها تملئ الخزائن الروسية بالمليارات , لقد حصل على مبتغاه وجنى بعض المال وفرض على حلفائه في العالم الأوروبي الغربي نوعا ً جديدا ً من العلاقات الإقتصادية - الإستراتيجية على أسس جديدة تليق بإحجامهم السياسية الحقيقية – الحالية – , بما يشكل إنقلابا ً على شراكتهم القائمة منذ سبعون عاما ً وما بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية.. وبشكل عام فقد أربك دول الإتحاد الأوروبي وبريطانيا المغردة من خارجه , بعدما راهنوا بمالٍ كثير ووضعوا نفوذهم في كفة التحالف مع إدارة أوباما والإستثمار في الإرهاب, واهتموا بالمال الإيراني المفرج عنه بعد الإتفاق النووي, لكنهم في عصر ترامب أخذوا يتحسسون خسائرهم ونزيف نفوذهم وهيبتهم وإقتصادهم. 
من الواضح أنه قلب العالم رأسا ً على عقب , ووضع خلفه كافة أدواته من دول وأنظمة تابعة وتنظيمات إرهابية , واخنزل فريقه بشخصه ليجلس على طاولة التفاوض مع الرئيس فلايديمير بوتين في اللقاء المرتقب بعد غدٍ الإثنين في هلسنكي .. وبحسب المؤشرات فإن ترامب لن يسعى لوقف المعارك لكنه سيعرض تحويلها من العسكرة إلى الإقتصاد والتجارة  بغية الحد من نزيف نفوذ الكثيرين وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية , وقد يعتبر الشراكة مع روسيا نوعا ً من الإحتواء القطبي المؤقت, لذلك لم يحدد فيما إذا الرئيس بوتين صديق أم عدو , لكنه يؤكد وعلى جميع الأحوال أنه منافس قوي. 
- ترامب يذهب إلى هلسنكي مهزوما ً....
من الواضح أن مجموع الثقل النوعي الذي تأبطه ترامب قبيل لقاء الرئيس بوتين , لن يجعل منه ندا ً قويا ً في اللقاء , فتحديد ملفات أوكرانيا وسوريا و إيران موادا ً للبحث تؤكد حجم معاناته وضاّلة حظوظه في إنتزاع أي فوز أو تعادل بعد إنتهاء المونديال في روسيا.
ففي الملف الأوكراني وتحديدا ً ما يتعلق بالقرم , يبدو الموضوع محسوما ً وقانونيا ً ومن الصعوبة بمكان إقناع بوتين بوقف مد ودعم خطوط السيل الشمالي نحو أوروبا , ولا يمكن التعويل على نجاح ترامب في إبتزاز الرئيس بوتين من بوابة الإستمرار بالعقوبات وبمحاصرة خطوط نفطها نحو أسواقها و زبائنها المعتادين أو المحتملين. 
أما الملف الإيراني .. فيبدو معقدا ً للغاية , ولا يمكن تصور مدى قوة القرار الإيراني الداخلي بقبول بالتحدي, لجهة مواقف الرئيس حسن روحاني ومرشد الثورة والحرس الثوري ومن ورائهم تتجلى وحدة الشعب الإيراني ودعمه لقياداته ... ويبقى تحويل المعارك العسكرية لإركاع إيران وفرض الشروط الأمريكية عليها من بوابة إعادة فتح الملف النووي وتعديله, إلى معارك إقتصادية – تجارية,  تتمثل بمنع إيران من تصدير نفطها وبخفض أسعار النفط بالإعتماد على التواطؤ السعودي يعتبر أمرا ً خطيرا ً قد يُقابل بإغلاق مضيق هرمز والردود الإيرانية واضحة ذلك , الأمر الذي يهدد بجر العالم إلى مخاطر وحروب لا تحمد عقباها. 
وفي الحديث عن سوريا ....يبدو أن السوريون لم يستعجلوا الحكم والتوقعات, ولم يراهنون على شخص ترامب وحده , إذ يعتقد الرئيس الأسد :"أن الأمر لا يتعلق بالرئيس ترامب فقط ولكن بقوى مختلفة داخل الإدارة", لكن ترامب لم يتلقف في بداية عهده كلام الرئيس الأسد الذي أكد – وقتها - أن دمشق يمكنها أن تتعاون مع ترامب "إن كان سيحارب الإرهاب" وبذلك تمنحه فرصة الحفاظ على ماء وجهه , لكن ترامب أضاع الفرصة وتمترس وراء زيادة عدد القواعد الأمريكية وبالمراهنة على الأتراك والأكراد والجماعات الإرهابية وخصوصا ً "داعش" , فتحول بأفعاله إلى محتل حقيقي واستحق تبعات هذا التصنيف بحسب السوريين , وسيتم التعامل معه عبر المواجهة العسكرية المباشرة وعبر عمليات المقاومة الشعبية ووفق سلم الأولويات السوري.
وما يدفع ترامب في لقاء هلسنكي لعرض تخليه عن التواجد العسكري الأمريكي ليقينه بفقدان المجاميع الإرهابية قدرتها على أي فعل عسكري كبير, وعدم قدرتها على الإحتفاظ بمناطق سيطرتها , لذلك سيسعى ترامب لإستبدال ملفاته العسكرية بأخرى سياسية – إقتصادية  ضاغطة على الحكومة السورية من بوابة "الشروط" الأمريكية للإنسحاب من سوريا , وبما يصب في صالح ما يسمى "صفقة القرن" , وبما يتعلق بمخطط ضم الجولان المحتل و بالإعتراف بالدولة اليهودية وعاصمتها القدس من خلال ما أطلقوا عليه مبدأ "نبادل أو أستبدال الأراضي" , وبتوطين الفلسطينيين الموجودين في سوريا ...وقد يسعى لتعويض خيبات نتنياهو في زياراته الثلاثة الأخيرة إلى موسكو ويطرح توافقا ً أمريكيا ً- روسيا ً على قرار أممي يكون كبديل لفشل الحزام الأمني الإرهابي أو منطقة معزولة السلاح على غرار القرار 1701 في الأراضي اللبنانية, لتهدئة روع قادة الكيان الغاصب.
بإختصار .. يُخطىء  دونالد ترامب إن اعتقد بإمكانية مقايضة إنسحابه  من سوريا بحصوله على مكاسب سياسية أو عسكرية أو إقتصادية , فما عجز بالحصول عليه في الحرب لن يحصل عليه سلما ً أو إتفاقا.
ومع بدء الحديث الروسي عن موعد تحرير إدلب في مطلع ايلول , ومع نضج الحوار بين مكونات الشمال الشرقي للبلاد والحكومة السورية والذي أسفر عن تسليم قوات سورية الديمقراطية للعديد من مناطق سيطرتها في مدينة الحسكة واستعدادها لتسليم كامل الشريط الحدودي مع تركيا .. ووسط معلومات تؤكد بدء إنسحاب القوات التركية من ريف إدلب نتيجة نضج الحوار الماراتوني الروسي– التركي , لا يملك ترامب سوى أن يعرض إنسحاب قواته من سوريا مقابل انسحاب إيران وحزب الله منها دون أن ينتظر الرد ، فبقاء القوات والقواعد الأميركية في الشمال الشرقي لسوريا وفي التنف لم يعد مفيدا ً, وقد يعرض الجنود الأمريكين لما لا يحمد عقباه.