قانون يهودية الدولة أسبابه وأهدافه.. بقلم: تحسين الحلبي

قانون يهودية الدولة أسبابه وأهدافه.. بقلم: تحسين الحلبي

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٣ يوليو ٢٠١٨

يبدو أن قادة الحركة الصهيونية المعاصرين في إسرائيل والعالم لم يدركوا بعد أن كل المبررات الوهمية الزائفة التي روجوها قبل أكثر من قرن من الزمان لإنشاء «وطن قومي» لهم في فلسطين وحماية مصالح الدول الاستعمارية الكبرى في المنطقة والعالم العربي أصبحت تتهاوى واحدة تلو الأخرى أمام الحقائق التي يثبتها على الأرض الشعب الفلسطيني وجواره العربي الشقيق التي ساهمت في تصدع الفكر الصهيوني وانهياره على مستوى قواه البشرية اليهودية الصهيونية فبعد سبعين عاماً على ولادة هذا الكيان وخلال العقدين الماضيين بالذات انتشرت في الكيان الإسرائيلي رغبة متزايدة عند الكثيرين من قواه البشرية الاستيطانية باستعادة المواطنية الحقيقية الأصلية التي جيء بها إلى فلسطين لتأسيس مشروع الصهيونية فقد أصدرت دول الاتحاد الأوروبي قبل عقدين تقريباً قوانين تسمح لكل فرد يحمل جنسية غير أوروبية بالحصول على الجنسية والمواطنة الأوروبية إذا كان جده أو جدته ووالده أو أمه من المواطنين سابقاً في هذه الدول مع احتفاظه بالجنسية التي يحملها.
وتكشف مجلة نيوزويك الأميركية في 16/8/2015 أي بعد 15 عاماً تقريباً على سريان مفعول هذا القانون أن نصف مليون إسرائيلي استعادوا مواطنيتهم الأصلية وعاد معظمهم للإقامة في دول أوروبا بشكل دائم وشبه دائم وهذا الرقم يشكل ضعف عدد الإسرائيليين الذين أقاموا في دول أوروبية بعد استعادة مواطنيتهم بموجب إحصاءات عام 2000 ويضيف يوسي هارباز الباحث في جامعة برينستون في الولايات المتحدة: إن عدد الإسرائيليين الذين حصلوا على الجنسية الأميركية واحتفظوا بجنسيتهم الإسرائيلية بعد أن جاؤوا من أوروبا إليها أصبح 500 ألف أيضاً.
وكانت إسبانيا قد صدق برلمانها في تموز 2015 على قانون يسمح باستعادة اليهود الذين أبعدوا بالقوة مع المسلمين والعرب في عهد دولة الأندلس عام 1594 لجنسياتهم ومواطنيتهم والعودة للعيش في إسبانيا.
وإذا اعتمدنا على الأرقام الأوروبية المحايدة ربما يمكن الاستنتاج بأن مليونين من الإسرائيليين استعادوا مواطنيتهم الأصلية الحقيقية مع احتفاظهم بالجنسية الإسرائيلية فأصبح لهم «وطنان» الوطن الفلسطيني الذي اغتصبوه والوطن الذي جاؤوا منه عند غزوهم وبقي معظم الفلسطينيين لاجئين خارج وطنهم التاريخي يطاردهم جيش الاحتلال في كل مكان ويقول الباحث الإسرائيلي الأميركي «هاربز»: إن هذه «الموجة الإسرائيلية لاستعادة المواطنية الأصلي ليست نهاية الصهيونية لكنها شكل جديد للهوية الإسرائيلية»، ويضيف: إن «السبب الرئيس لازديادها هو نقص الشعور بالأمن في إسرائيل ووجود ملايين الفلسطينيين في داخل إسرائيل والضفة الغربية».
ويبدو أن نتنياهو أدرك أن الاستمرار بهذه الطريقة يصدع المشروع الصهيوني ويضعف مبررات تهجير اليهود من العالم الخارجي فإسرائيل خسرت جزءاً كبيراً من الذين هاجروا إليها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية عام 1991 لأن الكثيرين منهم عادوا إلى أوروبا وآخرين فضلوا أميركا وإذا كان عددهم مليوناً فقد خرج مليونان خلال العقود الثلاثة الماضية من إسرائيل إلى أوطانهم الأصلية بسبب نقص الأمن في إسرائيل وما يمكن تحقيقه من مكاسب اقتصادية في أوطانهم الأصلية تزيد على ما يتوافر لهم في إسرائيل.
تكشف مجلة ماكور ريشون الإسرائيلية قبل يومين أن مستشاري نتنياهو أوضحوا له أن وجود ترامب في الرئاسة الأميركية ودعمه غير المحدود لإسرائيل يعطي فرصة لا تعوض لفرض قانون «القومية» اليهودي لتثبيت يهودية الدولة والمواطنة فيها تمهيداً لتحويل كل أراضيها «وطناً» لليهود وحدهم ولتشجيع الإسرائيليين على عدم القيام بهجرة معاكسة ولاستعادة أولئك الذين يعيشون في دول متعددة الأديان والطوائف في أوروبا والعالم للعودة إلى دولة لهم وحدهم.
ويرى شلومو يروشالايمي في المجلة نفسها أن نتنياهو يريد استخدام هذا القانون أيضاً لكي يجمع أكبر عدد من الأصوات الانتخابية من اليهود المتشددين والمتدينين والمستوطنين وخصوصاً من الراغبين في توسيع مستوطناتهم على حساب الفلسطينيين في كل مكان من الأراضي المحتلة عام 1948 وعام 1967.
فقد استخدم نتنياهو عام 1996 في حملته الانتخابية شعار «نتنياهو أفضل لليهود» ووقع لمجموعات دينية يهودية على وثيقة أنه سيلتزم بمشروع بناء الهيكل المزعوم في مدينة القدس وفاز على شمعون بيريس.
ويرى الليكود أن نتنياهو نجح في تجنيد الرئيس ترامب وجعله ينفذ قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس وإعطاء إسرائيل حق أن تصبح عاصمتها مدينة القدس كلها ولم يبق سوى استغلاله في دعم قانون يهودية الدولة وتحويل الكيان الإسرائيلي إلى دولة لليهود وحدهم وعند ذلك سيضمن فوزه في انتخابات عام 2019 المقبلة.
والحقيقة المؤلمة أن سكوت الدول العربية المتحالفة مع ترامب على قرار ضم القدس المحتلة ونقل السفارة الأميركية إليها شجع نتنياهو على إخراجه من الدرج لتدشينه بموافقة أميركية ما دامت الدول العربية الحليفة لترامب تهيمن على القرار العربي وتوظفه لمصلحتهما في زمن تتصدع فيه مبررات الصهيونية وتتزايد فيه الهجرة المعاكسة ويتهاوى فيها مشروع الوطن القومي أمام صمود الفلسطينيين وتمسكهم بالبقاء فوق ما تبقى من وطنهم واستمرار مقاومتهم.