نجمتان… وصبح.. بقلم: سيلفا رزوق

نجمتان… وصبح.. بقلم: سيلفا رزوق

تحليل وآراء

الخميس، ٢ أغسطس ٢٠١٨

على أعتاب صبح جديد يقف السوريون اليوم محملين بأمانة غالية سطرتها دماء من أرادوا لبلدهم صناعة غده الذي يستحق.
صباح الميلاد الثالث والسبعين للجيش العربي السوري، لم يكن إلا كما أرادته عزيمة وقوة أبطال كبار، وقامات عرفت تاريخها جيداً، وفهمت دروسه، وحافظت عليه.
لم يكن لأعتى متنبئي الأرض أن يدرك بأن جيشاً سيقدر على مواجهة هذا الكم من الهمجية والحقد والتآمر، ولم يكن ليقدر على إدراك أن بلداً وقف مخططو ومموّلو الأرض ليتآمروا عليه، كان له أن ينجو مما ارتكب بحقه.
لم يكن لكل هؤلاء ولن يكون لهم قدرة على استيعاب قوة التاريخ، وعظمة الحضارة التي أنجبت رجالاً، أدركوا أن لا قرار أمامهم غير حماية سياج بلدهم، وأن المعركة على قساوتها كان يجب عليها أن تخاض، كرمى لوطن قدم للعالم أول أبجدياته، وكان ولا يزال منارة العزة وروحها التي لا تغيب.
يستحق السوريون الفرح ويستحق جيشهم كل العزة والفخار، فعيدهم لم يعد عيد تأسيس جيشهم، عيد السوريين اليوم، هو عيد إشراقة فجر انتصار كبير، غير التاريخ، وقلب الموازين، وكما قدّر لسورية أن تكون مركز الكون وقلبه، قدّر لها على الدوام أن تكون القلعة التي لا يمر بها الأعداء، مهما تكاثروا أو غلبوا.
عيد التأسيس الثاني فرحت به درعا والقنيطرة والغوطة وحلب ودير الزور، وكل بقعة كانت عتمة الإرهاب تقصي أهلها، وتحرفهم عن تاريخهم، وإدلب التي تشد وحدات الجيش العزم نحوها، تنتظر العودة إلى جغرافية الوطن، وتنتظر إغلاق ثغرة نفذ منها الجار الخبيث، الذي خطط وتآمر، وفعل ما استطاع إليه سبيلاً من قتل وتدمير، ناسياً أن أجداد من تآمر عليهم اليوم كانوا لقنوا أجداده العثمانيين، دروساً في الكرامة، وقرروا تعليم أولادهم حدود بلادهم، جيداً والثمن الذي ينتظرهم للحفاظ على هذه الحدود.
في عيد التأسيس الثاني لم يكن الإرهاب وحده هو المهزوم فالإرهاب هو الأداة، هزمت «إسرائيل» أيضاً، والانتصار هذه المرة كان كبيراً بحجم التآمر، فلا البوصلة السورية تغيرت، ولا الوظيفة والدور السوري القادم تغير، فالعدو هو نفسه، وفلسطين في قلب كل سوري ولن تتزحزح، وما الشغل الصهيوني الإسرائيلي لكيّ الوعي والعقيدة، إلا حلقة جديدة من حلقات الفشل التي لم تقدر عبر عشرات السنين على إطفاء جذوة الذاكرة، وحرف مساراتها.
عندما سنبدأ بكتابة التاريخ بعد سنوات، سنكتب ونحن واثقين بأننا غيرنا العالم، ورسمنا تاريخاً جديداً له، فمن على هذه الأرض، ظهرت قوة الشرق مرة أخرى، وطريق الحرير فتح من جديد، ومن على هذه الأرض قدمت روسيا لتدق على طاولة العالم الأميركي، وتقول إن هذا العالم يستحق أن يدار بغير أدوات واشنطن القذرة، ويستحق أن يعيش بعيداً عن حروب استنزفت طاقاته وثرواته، وعادت صوب حدود الجاهلية الأولى.
بعد ثلاثة وسبعين عاماً، من تأسيسه، يستحق جيش سورية العظيم كل التكريم والإجلال، وتستحق دماء جنوده وأبطاله العظام، أن تكون منارات لأجيالنا، وتاريخهم العظيم الذي يجب أن يرجعوا إليه إذا ما اشتدت حولهم المحن أو ضاقت بهم السبل في قادم الأيام، وقصة كل بطل وجندي خاض معركة وجودنا، ينبغي أن تقص على من يريد تعلم كيف تبنى الحضارات، وكيف تستمر الشعوب ولا تنقطع، وإلا لم تكن لتصبح دمشق أقدم عاصمة مأهولة في الكون.
المعركة ربما لم تنته وهي مستمرة حتى إنهاء وجود الغرباء في أرضنا، والجيش العربي السوري أقسم وعاهد وصدق، لكنه ينتظر منا أيضاً أن نرد الجميل، وأن ندرك جيداً بأن أرواح من ضحوا لأجلنا تنتظر منا أن نبني بلدنا كما يجب أن يكون، فعزة وكرامة وحدود أي بلد لا تستمر إلا مع أبناء متكاتفين متصالحين، عينهم على مستقبل مزهر وقوي، وعلى البناء والخير والنور لبلدهم.