أسباب منع واشنطن للمساعدات الأممية لباكستان

أسباب منع واشنطن للمساعدات الأممية لباكستان

تحليل وآراء

الأحد، ٥ أغسطس ٢٠١٨

تشهد العلاقات الباكستانية الأمريكية خلال الأعوام الماضية وخصوصاً بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض حالة من التوتر الكبير، فبعد وقف المساعدات المالية والعسكرية الأمريكية لإسلام أباد، وصل الأمر إلى حدّ منع صندوق النقد الدولي من تقديم القروض والمساعدات لها أيضاً، حيث انتقد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الأسبوع الماضي، صندوق النقد الدولي للمساعدات المالية لباكستان قائلاً: إن "إسلام أباد ستدفع هذه الأموال لتسديد ديونها للصين"، انتقادات بومبيو رد عليها المسؤولون الباكستانيون قائلين إن اتخاذ القرار بشأن الأموال هو شأن داخلي باكستاني ولا يحق لأحد التدخل في ذلك، هذا التوتر بين باكستان وأمريكا حول تبرعات صندوق النقد الدولي جعل الكثيرين يعتقدون أن معركة التجارة بين بكين وواشنطن سوف تنتقل أيضاً إلى إسلام أباد وذلك لأسباب عديدة سوف نتناولها في هذا المقال.

باكستان وصندوق النقد الدولي

لدى صندوق النقد الدولي (IMF) معاييره الخاصة للإقراض والمساعدات المالية للحكومات، والتي يتم تنفيذها عادة بالتعاون مع الحكومات المستقرضة، وعلى سبيل المثال، لا يمنح هذا الصندوق مالاً لأي دولة في سبيل شراء معدات عسكرية، بل يمنح قروضاً مساعدة في مشاريع التنمية الداخلية وإنجاز المشاريع الفنية والتطويرية، ووفقاً للإحصاءات، في عام 1980 نجحت باكستان في الحصول على قرض لمدة ثلاث سنوات بقيمة 6.7 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، وفي الوقت الحالي تسعى إسلام أباد مرة أخرى إلى الحصول على أموال جديدة من الصندوق في سبيل تمويل مشروع "الممر الاقتصادي" مع بكين.

وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة فايننشال تايمز الأمريكية أن كبار المستشارين الاقتصاديين الباكستانيين اقترحوا على عمران خان الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار أمريكي لاستكمال مشروع تنموي في البلاد، ووفقاً للمعايير التي يضعها صندوق النقد الدولي لإقراض المال في سبيل المشاريع الاقتصادية التنموية، يعتبر مشروع "الممر الاقتصادي" الصيني الباكستاني غير مناقض لأهداف صندوق النقد الدولي، ومن هنا يتضح معارضة أمريكا لإقراض إسلام آباد المال من صندوق النقد الدولي وذلك لاعتبارات اقتصادية، ويقول محللون إن السبب هو مشاركة الصين في مشاريع تنموية داخل باكستان.

المخاوف الأمريكية من التقارب الصيني الباكستاني

شهد الاقتصاد الباكستاني خلال العامين الماضيين تراجعاً ملحوظاً، وقد أدّى ذلك إلى تراجع سعر صرف العملة الوطنية ما دفع القادة الباكستانيين إلى طلب المساعدة المالية من المؤسسات العالمية، والى جانب هذا العجز وعدت الصين بإقراض اسلام آباد 57 مليار دولار من أجل استثمارها في مشاريع تنموية داخل الأراضي الباكستانية، على أن يكون الجزء الأكبر من هذه القروض لتمويل مشروع "الممر الاقتصادي" بين البلدين، ووفقاً لمسؤولي اسلام اباد فإن اقتصاد البلاد بفضل هذا الممر سينقلب رأساً على عقب.

فبالنسبة لباكستان، يقول مسؤولون باكستانيون إن الممر الاقتصادي الصيني سيغيّر الوضع الاقتصادي والاستثماري لإسلام آباد عن طريق تطوير البنية الأساسية والنقل وإقامة مناطق اقتصادية خاصة وتعزيز السياحة وزيادة التجارة الداخلية والخارجية، كما أن هذا الممر قد قدّم 60 ألف وظيفة للباكستانيين منذ 2015 وسيوفر أيضاً أكثر من 800 ألف وظيفة جديدة في قطاعات مختلفة حتى 2030، ومن الناحية الجيوبوليتيكية، فإن هذا الممر "سيغير اللعبة" في المنطقة وسيمنح باكستان والصين دوراً أكبر في التأثير على مجريات الأحداث في القارة، وأعرب رئيس معهد باكستان - الصين مشاهد حسين سيد، الذي يعمل كسيناتور في البرلمان الباكستاني، عن إيمانه بأن منافع الممر واضحة بالفعل لشعب باكستان حيث ساعدت في تحقيق نمو بنسبة 5.3 بالمئة عام 2017، وهو الأعلى خلال السنوات العشر الأخيرة.

وبالنسبة للصين أيضاً، يعدّ هذا المشروع مهمّاً جداً، بحيث أنه سيحل مشكلة الاتصال بمنطقة الخليج وإفريقيا وأوروبا وآسيا الوسطى، كما سيوفر هذا المشروع فرصة استراتيجية للصين لتوسيع علاقاتها مع تركمانستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، ويمثل فرصة أيضاً لتنظيم النظام الاقتصادي والسياسي في آسيا الوسطى من خلال تعزيز شبكة التواصل التجارية والتعاون السياسي والتبادل الثقافي بين بلدان المنطقة، كما أنه خلال العام الماضي استلمت باكستان من الصين فرقاطتين عسكريتين، ما يعني أن اسلام أباد قد أصبحت حليفاً استراتيجياً لبيكين، ومن هنا يظهر القلق الأمريكي من هذا التقارب الكبير بين الصين وباكستان وخاصة من مشروع الممر الاقتصادي الذي من شأنه أن يعزز مكانة ووجود الصين في المنطقة.

تصاعد التوتر بين ترامب والزعماء الباكستانيين

الجدير بالملاحظة أيضاً هو أن النقد الأمريكي للمساعدات الاقتصادية التي يقدمها صندوق النقد الدولي إلى باكستان قد أتى بعد بضعة أيام من نتائج الانتخابات الباكستانية التي أعلنت فوز "حركة الإنصاف" الباكستانية التي يتزعمها "عمران خان" المعروف بمعارضته لسياسات أمريكا في المنطقة.

هذه التوترات بين العلاقات الباكستانية والأمريكية قد بدأت منذ إعلان ترامب استراتيجية بلاده حول أفغانستان، والتي اتهم فيها علناً قادة إسلام آباد بدعم الإرهاب في أفغانستان، ويقول محللون باكستانيون إن هذه التوترات بين الطرفين ساهمت بهذا التقارب الكبير بين الصين وباكستان، ومن هنا، من المتوقع أن تزيد واشنطن من الضغوط على المسؤولين في باكستان في سبيل استمالتها إلى جانبها على الرغم من أن الحزب الحاكم الجديد في باكستان هو مناوئ لأمريكا.  

ومن هنا يمكن اعتبار نقد أمريكا لصندوق النقد الدولي نوعاً من هذه الضغوط الأمريكية على إسلام أباد، إلا أن المؤشرات تدل على أن الحكومة الباكستانية الجديدة والتي ترفع شعارات ضد أمريكا، وتنتقد استهداف طائراتها المتكرر للمناطق القبلية في باكستان، غير راغبة في العودة من جديد إلى الحضن الأمريكي في ظل هذه الضغوط، خاصة أن التنسيق الأمني بين الطرفين لم يؤدِ فقط إلى زيادة تكاليف الأمن والاستياء المحلي، الذي وصل إلى درجة عالية خاصة في المناطق الشمالية من البلاد بسبب صمت الحكومات الباكستانية السابقة ضد العمليات العسكرية التي تقودها أمريكا هناك.