هكذا ربحت كندا الجولة وأحرجت الولايات المتحدة الأميركية.. بقلم: روزانا رمال

هكذا ربحت كندا الجولة وأحرجت الولايات المتحدة الأميركية.. بقلم: روزانا رمال

تحليل وآراء

الجمعة، ١٠ أغسطس ٢٠١٨

ليس عادياً أن ينجم خلاف طال مقام الرئاستين الأميركية والكندية بطابعه الكلامي العنيف بين الولايات المتحدة الأميركية وكندا التي توصف بالحليف «الأقرب والجار»، وليس عادياً ان يصبح هذا الملف واقعاً ضمن تحدي الاستراتيجيات الاقتصادية التي يرسمها البلدان اللذان يشتركان حدودياً، بما في ذلك من تداخل مصلحي كبير بين البلدين.
العلاقات السيئة هي نتيجة رفع سقف ترامب في رؤاه ومقترحاته، بما يتعلق بالرسوم الجمركية الأميركية وكان انسحاب ترامب من قمة السبعة التي عقدت في كندا دليلاً كبيراً على تعميق الهوة المفترضة بين الرأيين، وقد لقي هذا الانسحاب امتعاض دول أوروبية رئيسية مثل المانيا التي قررت عدم النزول عند رغبة ترامب بالتعاطي بالملف وفرنسا أيضاً.
وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند ردّت حينها على هجوم البيت الأبيض على الرئيس الكندي جاستن ترودو، بقولها: إن الهجوم الشخصي لن يفيد، وإن كندا ستردّ على الرسوم الجمركية الأميركية بطريقة محسوبة جيداً، وعلى أساس المعاملة بالمثل، وأن بلادها ستكون دوماً مستعدة للحوار.
اللافت بهذا الإطار كان انزلاق الولايات المتحدة بقوة في تعميق الخلاق وتكبير الأزمة التي وصلت لحد اتخاذ إجراءات دبلوماسية وتجارية. وهذا تموضع غريب عن العلاقة التاريخية بين البلدين والاستراتيجية في أغلب الملفات، خصوصاً بما يتعلق بالشرق الأوسط. وقد هاجم مستشارون كبار في البيت الأبيض رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بعد وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب له بأنه »مخادع للغاية وضعيف«، في حملة ممنهجة على «ترودو».
يلتمس الكنديون مساعي أميركية في اخضاع موقفهم والتعاطي معهم بتعالٍ من دون مراعاة مصالحهم، وعلى أن المصلحة الأميركية فوق أي اعتبار تبدو مساعي ترامب الاقتصادية بعد تجربته مع الأوروبيين أيضاً فوق أي مصلحة للحلفاء التاريخيين. وهو بهذا الإطار يبذل مجهوداً كبيراً من أجل تعزيز اقتصاد بلاده ورفع فرص العمل وقد غرّد مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي، قائلاً «اليوم ولأول مرة بتاريخ أمتنا لقد حظي عدد كبير من الأميركيين بوظائف لهم». يبدو أن رفع ترامب لمستوى اهتمامه المحلي أعلى بكثير من تركيزه على مصالحه مع الدول أو مصالحهم مع بلاده، ومع باقي دول العالم، ولهذا مسار واحد يوضع ضمن الانكفاء نحو العمل الاقتصادي مهما كلف من نتائج وتداعيات. وهو كرجل أعمال على ما يبدو يتقدّم متخطياً كل المحاذير و«الاقتصاد أولاً» بالنسبة اليه.
فجأة تتقدّم كندا باتجاه الحليف الأقوى عند الرئيس الأميركي دونالد ترامب وهي المملكة العربية السعودية باتهامات واضحة ومباشرة و«محقة» باتجاه حقوق الإنسان، لكن الحديث عن مصادفة بين الدول يبقى محض خيال. وكندا ليست بصدد ابتكار مشاكل وليس معروفا ًعنها الاشتباك، بل لطالما كانت من أكثر الدول «مسالمة»..
الحدث صار سعودياً كندياً في الساعات الماضية بعد أن كان أميركياً كندياً، والرابط الواضح واقع ضمن سياسة تبادل التهم والتدخلات بمصالح الدول والسعودية التي لم ترتضِ تدخل كندا بما تسمّيه مصالحها، عززت من إجراءاتها التصعيدية وسحبت التمثيل الدبلوماسي بين البلدين ورفعت إجراءاتها الاقتصادية كل هذا بسبب الازمة «الحقوقية» وفي تفاصيلها اعتراض كندي على اعتقال السعودية لناشطين حقوقيين من بينهم معتقلون مدافعون عن حقوق المرأة كالناشطة الحقوقية الأميركية من أصول سعودية سمر بدوي، شقيقة المدوّن السعودي المعتقل ايضاً في السعودية رائف بدوي.
تبدو كندا واضحة باتجاه هذا الملف، وليست بوارد التراجع، لكنها لم تكن تتوقع قطع العلاقات الدبلوماسية بالرياض، ومع ذلك لا تراجع، ولهذا اسباب عديدة.
رسم ترامب علامات استفهام بعلاقاته، ومنها ما يعتبر علاقات مريبة ورفعه أسهم السعودية ومصالحها في هذا العالم فوق اي اعتبار، صار يقابله تحسس من حلفائه الأقرب والذين لا يكنون للمملكة النظرة نفسها باتجاه التعاطي السياسي والاقتصادي والحقوقي والأزمة الكندية السعودية تتكفل بكشف ترامب وإحراجه وتظهر للعالم جزءاً من طبيعة سلوك النظام السعودي الذي يتمسك به ترامب بسبب الصفقات المالية والمصالح النفطية بين البلدين. وكانت كندا تحاول الكشف للعالم طبيعة حلفاء واشنطن وأن شيئاً لن يخلص المملكة من هذه السمعة. معروف أن واشنطن عملت على تمرير قانون جستا الذي قضى بالسماح لأهالي ضحايا 11 ايلول بمقاضاة المتورطين وبينهم سعوديون. وكاد هذا الملف يطيح العلاقات في مرحلة اوباما الذي عبر عنها أكثر في مجلة اتلانتيك مع تفاصيل التعاطي السعودي مع المشايخ وتجنيدهم قبيل مغادرته السلطة.
ربحت كندا الجولة على الولايات المتحدة الأميركية وعلى ترامب تحديداً وأحرجته في ملف حقوقي من هذا النوع يمسّ حليفته الاولى في العالم وليس المنطقة العربية وجوارها فقط بعد رفع مستوى التعاون الاقتصادي والمالي الى اعلى مستوياته في تاريخ البلدين، لكن الاخطر ان كندا نجحت في إعطاء الديمقراطيين أي خصوم ترامب اوراقاً هامة لرفعها بوجه سياساته. وهو الذي يعمل كل جهده من اجل تعزيز وضعه الداخلي للفوز في دورة رئاسية ثانية ويُسجل ذكاء كندي غير مسبوق في تحدي الرئيس الأميركي الذي لم يراعِ مصالحها متمسكة بقضية تصعب على العالم معارضتها فيها بما يتعلق بالسعودية.
النتيجة الاولى لهذا الحرج كان إعلان مسؤول أميركي رفيع في الخارجية نية بلاده التدخل لصالح حل الأزمة بين السعودية وكندا وأن بلاده طلبت من الرياض معلومات مفصلة عن النشطاء المحتجزين وستواصل تشجيع الحكومة السعودية على احترام الإجراءات القانونية، مذكراً أن السعودية وكندا هما «حليفان مقرّبان»….
كندا تربح الجولة على ترامب المتمادي بتخطيه مصالح حلفائه وتعرف من أين تؤكل الكتف!