قانون صناعة الأعداء.. بقلم: محمد خالد الأزعر

قانون صناعة الأعداء.. بقلم: محمد خالد الأزعر

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٤ أغسطس ٢٠١٨

لا تضم إسرائيل كل يهود العالم، فليس كل يهودي إسرائيلي. وفي الوقت ذاته، ينضوي تحت المواطنة الإسرائيلية أكثر من مليون ونصف المليون نسمة من العرب الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين غير اليهود. وهكذا فإنه ليس كل إسرائيلي يهودي. وربما لا تخلو دولة في عالمنا الفسيح من وجود شريحة يهودية الديانة، وتشكل هذه الشرائح معاً زهاء 60% من يهود المعمورة.
على الرغم من هذه المعطيات، فإن إسرائيل الدولة أنتجت وأخرجت ما يسمى بقانون القومية اليهودية، الذي يمنحها القوامة على اليهود المقيمين داخلها وخارجها أجمعين. ويجعلها بالقانون والتشريعات واللوائح والشروح المرتبطة به، الراعي الحصري، إثنياً ودينياً وقومياً ووطنياً، لكل يهودي أينما كان، بحيثية عابرة للحدود الجغرافية والثقافية والسياسية.
وبالتوازي مع هذه الحقائق غير المعتادة في حقل العلاقات الدولية، يحشر القانون خمس مواطني إسرائيل وحاملي جنسيتها، في حارات وأزقة ومعازل وجيتوات حقوقية وثقافية وإثنية ودينية وطائفية وسياسية، تميزهم سلبياً عن اليهود ولا يسمح لهم بتخطيها.
عملياً، سوف تسمع الدنيا وتعاين، نشوء جيتوات ومعازل جغرافية واقتصادية للمواطنين الإسرائيليين من ذوي الأصول العربية الفلسطينية، وهم أصحاب الأرض الأصليين، لا يتاح لهم العيش خارجها.
من الآن فصاعداً، ستصبح إسرائيل دولة فصل عنصري (أبارتيد) موثق.
أضحت قضية الانشطار الداخلي أكثر احتداداً ونفوراً، وجرى صب زيوت سريعة الاشتعال على فتائل التباغض القومي في جنبات الدولة. وبدلاً من حديث الدمج وبوتقة الصهر والتمازج والتعايش، الذي تشدق به حواة المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين وبلاد العرب، ستبرز بلا رتوش قضايا التمايز والاستعلاء والتكبر من بشر على بشر مثلهم، أو لنقل ليسوا مثلهم.
لطالما أقمنا الحجة تلو الأخرى على أن أحوال فلسطينيي 1948 بين يدي السيطرة الصهيونية، لا نظير لها في التاريخ. فهذا القطاع العربي الفلسطيني غير قابل للذوبان أو الاختلاط مع المستوطنين اليهود على غرار سكان أميركا اللاتينية مع الغزاة الأوروبيين، ولا هو قابل للإبادة على شاكلة سكان شمال أميركا الأصليين، ولا هو قابل للتهويد، أقله بسبب انغلاق العقيدة اليهودية، ولا هو يحتمل التصهين.
ونضيف اليوم أنه لن يقنع أو يخنع للفصل العنصري الآتي من جوف أكثر غرف التاريخ وحقبه اسوداداً. وأغلب الظن أن المشرع الصهيوني فتح على نفسه المزيد من أبواب الصدام داخل أحشائه.
من اللافت حقاً، أن عالمنا لا يعرف دولة مثل إسرائيل، تعلم ما بها من أمراض محورها الصدوع والشروخ من كل لون بين مواطنيها، لكنها تسعى بقدميها إلى صناعة المزيد من هذه الأمراض.
أضف إلى ذلك أن قانون القومية، أعاد إنتاج أسئلة ما كان يجب على المجتمعات ذات الكينونات البشرية اليهودية إغفالها منذ سبعة عقود. ومنها ادعاء إسرائيل تمثيلها لهذه الكينونات ومد ولايتها إليها، متعدية بذلك على اختصاصات الدول الأم وسياداتها، ومثيرة للهواجس حول مسألة الولاءات والانحيازات.
نحسب أن هذه الدول مدعوة لتبكيت إسرائيل وتوبيخها على اشتقاقها لقانون لا يخالف فقط شرائع حقوق الإنسان والشعوب، وإنما يتعرض لعلاقة اليهود ببقية مواطنيهم وشركائهم في المصائر داخلها. والمؤكد من جانب آخر، أن اليهود خارج إسرائيل مطالبون بالإفصاح عن مواقفهم تجاه هذا القانون، والإعلان عن جوهر ولاءاتهم وانتماءاتهم دون إبطاء أو ميوعة وبعيداً عن السيولة والغموض.
إلى ذلك كله، يتعين على الدوائر الحقوقية والقانونية والتنظيمات الدولية ذات الصلة، إدراج هذا المستجد على أجنداتها والتعبير عن الغضب، ضد دولة تسير في عكس التيار وتغذي أسباب التطرف الديني داخلها ومن حولها.
الشاهد في كل حال، أننا إزاء قانون كاشف ومجدد للمخاوف، التي تأبطها بعض أصحاب البصيرة النافذة منذ مئة عام، وقت أن استشرفوا اشتعال صراعات ضروس، تصل بحممها إلى آفاق إقليمية ودولية واسعة جراء تبلور المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين وجوارها.