الانفصال عن العراق هبة من الله!.. بقلم: أحمد ضيف الله

الانفصال عن العراق هبة من الله!.. بقلم: أحمد ضيف الله

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٤ أغسطس ٢٠١٨

حدد مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني «يوم 25 أيلول 2017 لإجراء الاستفتاء في إقليم كردستان والمناطق الكردستانية خارج إدارة الإقليم»، ما يعني أن الدعوة إلى الاستفتاء تشمل بالإضافة إلى المحافظات الثلاث المُشكلة لإقليم كردستان وهي دهوك وأربيل والسليمانية، محافظة كركوك الغنية بالنفط والمناطق الأخرى المتنازع عليها التي تقع تحت سلطة الحكومة العراقية المركزية، التي سبق أن اعتبرها نيجيرفان بارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان في مؤتمر صحفي له في الـ7 من حزيران 2017، أنه «لا يوجد مناطق متنازع عليها بعد الآن، وأن تلك المناطق كردستانية حررت بدماء البيشمركة وانتهى أمرها وأنه لم يبق شيء اسمه مناطق متنازع عليها في قاموس الإقليم وهي كردستان وعادت إلى الإقليم».
حينها استغل الأكراد الفراغ الذي تركه انهيار الجيش العراقي في محافظة نينوى بعد تمكن تنظيم «داعش» من السيطرة على المحافظة في حزيران 2014، وفرضوا سيطرتهم على معظم محافظة كركوك، إضافة إلى أجزاء من محافظات صلاح الدين وديالى ونينوى، وقاموا بتصدير نفط كركوك إضافة إلى نفط حقول أخرى عبر ميناء جيهان التركي من دون موافقة الحكومة المركزية في بغداد.
ومع تحديد موعد الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان تصاعدت التصريحات والمواقف العراقية والدولية والإقليمية من دون استثناء، رافضة ومحذرة من خطورة هذه الخطوة، مشددة حرصها على وحدة الأراضي العراقية، حيث واجه الاستفتاء الكردي معارضة عراقية داخلية قوية اعتبرت أن «وحدة البلاد قدر الجميع، والدستور هو السقف المثالي للحوار»، وبأن «الاستفتاء ليس عراقي الانعكاس فقط، بل له انعكاسات على دول المنطقة، وانعكاسات على الوضع الإقليمي والدولي». وقد أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق في الـ18 من أيلول 2017 حكماً بإيقاف إجراءات الاستفتاء «لحين حسم الدعاوى المقامة بعدم دستورية قرار الاستفتاء المذكور»، وهو ما رفضته أربيل وقرّرت المضي بإجرائه.
كذلك واجه مسعى إجراء الاستفتاء على استقلال كردستان، اعتراضات ومواقف متباينة من قوى كردية أساسية مثل حركة التغيير برئاسة عمر السيد علي، والجماعة الإسلامية في كردستان برئاسة علي بابير، والاتحاد الإسلامي الكردستاني برئاسة صلاح الدين بهاء الدين، إضافة إلى الجناح القوي داخل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي كان يرأسه الراحل جلال الطالباني، حول الجهة التي يحق لها طلب إجراء الاستفتاء، مشيرة إلى أن مسألة إجراء الاستفتاء «قضية وطنية وليست حكراً على حزب بعينه، لذا ينبغي أن تناط هذه المهمة بالمؤسسات الشرعية للإقليم وفي مقدمتها البرلمان»، ما يتطلب «إلغاء الإجراءات غير القانونية التي لجأ إليها الحزب الديمقراطي، وإعادة رئيس البرلمان ووزراء التغيير، الذين طردوا من أربيل إلى ممارسة مهامهم الحكومية»، مؤكدة أن «مشروع استقلال الإقليم بات يُستخدم لأغراض سياسية»، وأن الهدف الحقيقي من طرح مسألة الاستفتاء من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني هو للتغطية على المشكلات الحقيقية التي تواجه الإقليم منذ نحو 26 عاماً من الحكم الذاتي المرتبك، من صراعات دامية، وفشل في الحكم والإدارة، وفساد في ملفات النفط، ما أدى إلى تراجع ملحوظ على الصعيد السياسي والاقتصادي، ممثلاً بأزمة مالية خانقة، جعلت حكومة الإقليم عاجزة عن دفع رواتب موظفيها، معتبرين أن كل القرارات التي تصدر عن مسعود بارزاني غير شرعية ولا دستورية، لأن ولايته كرئيس للإقليم انتهت في الـ19 من آب 2015، بعد أن مددها ثلاث مرات، وبالتالي لا يحق له إصدار أي قرارات مصيرية تمس مستقبل الإقليم ومصير شعبه، ومن ضمن ذلك قيامه في الـ11 من تشرين الأول 2015، بطرد أربعة وزراء من حركة التغيير المعارضة له، فضلاً عن منع يوسف محمد رئيس البرلمان الكردستاني وهو من حركة التغيير أيضاً من دخول المدينة لمزاولة مهامه النيابية.
فيما تنامى حجم حراك مدني كردي ضد الاستفتاء، بمشاركة شخصيات سياسية، وكُتّاب، وصحفيين، ونشطاء في المجتمع المدني، حمل اسم «لا في الوقت الحالي»، الذي اعتبر أن «الاستفتاء حالياً لا يصب في المصالح العليا لشعب كُردستان»، خاصة مع تشابك المخاوف الإقليمية والدولية الرافضة له.
وقد كان لافتاً أن الدول الخليجية لم تعلن صراحة رفضها للاستفتاء، أو موقفها منه، حتى إن الأردن اعتبر «الاستفتاء الذي يعتزم الكرد إجراءه الشهر المقبل شأناً داخلياً» في العراق، في الوقت الذي أبدى الإعلام الخليجي وخاصة السعودي، بشكل ملتوي تأييده لخطوة الاستفتاء، ناشراً تقارير ومقالات تعريفية بالإقليم ومقابلات خاصة ومطولة مع رئيس الإقليم مسعود بارزاني، الذي تناول «المآسي التي تعرض لها الأكراد»، وحقهم في الاستقلال.
إسرائيل وحدها تفردت بالتصريح علناً عن دعمها لإقامة دولة كردية مستقلة في شمال العراق، فقد أعلنت وزيرة العدل في الحكومة الإسرائيلية إيليت شاكيد، خلال مؤتمر حول محاربة الإرهاب في تل أبيب في الـ12 من أيلول 2017، أن «إسرائيل ودول الغرب لديها مصلحة كبيرة في إقامة دولة كردستان، والوقت قد حان كي تقوم الولايات المتحدة بدعم هذه العملية»، كما جاء في تصريحات أرسلها مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى المراسلين الأجانب في الـ13 من أيلول 2017: «تؤيد إسرائيل جهود الشعب الكردي المشروعة لقيام دولته»، وأبرزت شاشات الفضائيات الكردية، مشاركة ونشاط عدد من الشخصيات ذات الميول الصهيونية، حيث ظهروا وهم يتحركون في إقليم كردستان ويتواجدون فوق المنصات الاحتفالية خلال فترة الاستفتاء وقبلها، من بينهم: وزير خارجية فرنسا السابق برنار كوشنر، إيدي كوهين، وهنري بيرنار ليفي، وسفير أميركا السابق في كرواتيا وأحد مساعدي بول بريمر الحاكم المدني الأميركي السابق للعراق بيتر غولبرايث، وسفير واشنطن السابق في بغداد خليل زلماي زاده، وقد رفعت الأعلام الإسرائيلية إلى جانب الأعلام الكردية في الاحتفلات التحضيرية للاستفتاء بكثافة!
ورغم كل التحذير من العواقب والتهديدات بإجراءات عقابية من الحكومة العراقية أجرى مسعود بارزاني الاستفتاء على الاستقلال في موعده المقرر، متحدياً بذلك قراراً لافتاً لمجلس الأمن الدولي برفض الاستفتاء.
وبعد إخفاق كل وساطات التهدئة ومساعي الحلول من أطراف محلية وإقليمية، وانتهاء المُهل التي منحتها الحكومة المركزية إلى إقليم كردستان لإعادة الوضع إلى سابق عهده، أطلق رئيس الوزراء حيدر العبادي في الساعات الأولى من صباح الـ16 من تشرين الأول 2017 «عملية إعادة انتشار وفرض الأمن والنظام في المناطق التابعة للحكومة الاتحادية العراقية»، ونجح في استعادة محافظة كركوك والسيطرة على جميع المنشآت والحقول النفطية ومحطات الضخ والأنابيب في المحافظة، كما استطاع خلال أيام قليلة من استعادة جميع المناطق التي كان الأكراد قد استولوا عليها، وبذلك نجح حيدر العبادي في تفريغ مرامي استفتاء إقليم كردستان، بإعادة سيطرة الدولة على كل المناطق المتنازع عليها مع الإقليم، منهياً بذلك حلم الاستقلال، وسبقها مجموعة من القرارات التي أدت إلى توقف الحركة في مطاري أربيل والسليمانية وجميع المنافذ الحدودية مع إيران وتركيا، إضافة إلى فرض قيود مالية على القطاع المصرفي في الإقليم، ما تسبب في شل جميع الأنشطة الاقتصادية في الإقليم، دافعة القوى الكردية المعارضة إلى المطالبة بتشكيل حكومة طوارئ، أو إنقاذ وطني، وبتنحي مسعود بارزاني من منصبه، وهو ما حصل، حيث تخلى رئاسة الإقليم في الأول من تشرين الثاني 2017، وجميع المناصب الأخرى، بعد تحميله نتائج إصراره على إجراء الاستفتاء وما نجم عنه، متمسكاً برئاسة حزبه فقط.
اليوم وبعد نحو عام من إخفاق سياساته، عاد بارزاني ليقول مجدداً في مؤتمر اتحاد شباب حزبه المنعقد في الـ7 من تموز الجاري: إن هذا «الاستقلال مشروع موغل في التاريخ منذ أكثر من ألف عام وليس بدعة مستحدثة، ومتوهم من يظن أننا قد تنازلنا عن حقنا»، مضيفاً: إننا «مقتنعون بأن إجراء استفتاء الاستقلال لم يكن مخالفاً للدستور وأتحدى بالدليل كل من يدّعي غير ذلك وحق الاستقلال هبة من اللـه وليس فضلاً من أحد»، مؤكداً أن «حلم الاستقلال سيتحقق عاجلاً أم آجلاً».
مع أن المحكمة الاتحادية العليا كانت قد أعلنت في بيان لها في الـ6 من تشرين الثاني 2017، أنها «أصدرت اليوم قراراً يفسر المادة الأولى من الدستور، وخلصت إلى أنها والمواد الأخرى ذات العلاقة تؤكد وحدة العراق، وتلزم المادة 109 السلطات الاتحادية جميعها الحفاظ على هذه الوحدة»، مضيفاً: إن «المحكمة تؤكد عدم وجود نص في الدستور يجيز انفصال أي من المكونات المنصوص عليها في المادة 116 في ظل أحكامه النافذة». وفي قرار آخر لها في الـ20 من الشهر ذاته، أنها قررت «الحكم بعدم دستورية الاستفتاء الجاري يوم الـ25 من أيلول 2017 في إقليم كردستان وفي المناطق الأخرى التي شملت به وإلغاء الآثار والنتائج المترتبة عليه».
لا يمكن النظر لتصريحات مسعود بارزاني الحالية في الاستقلال أنها مجرد أحلام، كما لا يمكن اعتبار ما يطمح إليه، بأنه هبة من الله، خاصة بعد زيارة وفد تجاري سعودي كبير إلى أربيل في الـ23 من شهر تموز الماضي برئاسة السفير السعودي في العراق عبد العزيز الشمري وعضوية 35 من كبار رجال الأعمال والمستثمرين السعوديين، من دون أن يزور الوفد بغداد، لا قبلاً ولا بعداً، الذي اتفق على تعاون اقتصادي واستثماري وتسيير رحلات جوية وفتح مصرف سعودي في الإقليم وعقد مؤتمر استثماري لتنشيط العلاقات التجارية بين الجانبين، وذلك بتوصية من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بحسب تصريحات رئيس الغرف التجارية السعودية سامي بن عبد اللـه العبيدي. وربما جاء فرض العقوبات الاقتصادية الأميركية على إيران وتركيا لينعش آمال بارزاني بدور جديد له في العراق والمنطقة، وإن كنت أعتقد أن العقوبات الأميركية الاقتصادية على إيران وتركيا والصين وروسيا وكوريا الديمقراطية ستوحد العالم تجاه الحالمين بأدوار الشر في المنطقة.