المواجهة الإيرانية – الأميركية.. اقتصادياً.. بقلم: سركيس أبو زيد

المواجهة الإيرانية – الأميركية.. اقتصادياً.. بقلم: سركيس أبو زيد

تحليل وآراء

الأحد، ١٩ أغسطس ٢٠١٨

يترقب الاقتصاد العالمي تطورات الشرق الأوسط ونتائج العقوبات الأميركية على إيران. لم تعد انعكاساتھا وتداعياتھا الإقليمية والدولية مقتصرة على النواحي العسكرية والأمنية والسياسية، وإنما تعدت ذلك لتصيب مباشرة الوضع الاقتصادي العالمي الذي يشھد بسبب ھذه التطورات حالة من عدم الاستقرار وعدم اليقين.
يتقن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سياسة المفاجآت والصدمات والخروج عن المألوف، فيُقدم على زيادة التوترات ثم يطرح الحلول. بين التغريدة العنيفة التي ھدد فيھا الرئيس الإيراني حسن روحاني ثم دعوته له للتفاوض من دون شروط مسبقة، مسافة أسبوع فقط.
من الواضح أن ترامب لا يعمل على فرضية إسقاط النظام في إيران، وإنما يعمل على فرضية تغيير سلوك النظام وسياسته، ويريد تحديدا الحصول على اتفاق نووي أفضل يحرمھا من تصنيع السلاح النووي، إضافة الى احتواء برنامج إيران الصاروخي ووضع قيود وضوابط لسياستھا الإقليمية.
في المقلب الآخر، تصدى الكيان الاسرائيلي سريعا لعرض ترامب وأحاطته بكثير من الشكوك وعلامات القلق والحذر. التقديرات في كيان العدو أن الھدف من الضغوط إحداث شرخ في الصف الإيراني بين مؤيد ومعارض للمفاوضات.
الإسرائيليون قلقون من أن يكون موقف ترامب مؤشراً الى استعداده للانقلاب على مواقفه التصعيدية
الإسرائيليون قلقون من أن يكون موقف ترامب مؤشراً الى استعداده للانقلاب على مواقفه التصعيدية، والتوصل الى صيغة اتفاق عام مع إيران مثلما حصل مع كوريا الشمالية. فيسارع ترامب الى لقاء مع الإيرانيين في وقت أبكر من المتوقع وقبل استنفاد العقوبات والضغوط. ھذه المخاوف وصلت أصداؤھا إلى الولايات المتحدة التي حرصت على طمأنة” إسرائيل” عبر سفارتھا في واشنطن، بأنه ليس ھناك تغيير في السياسة الحازمة ضد إيران.
الأوروبيون أيضا تفاجأوا باقتراح ترامب، وسط تساؤلات شغلت الدوائر الدبلوماسية الأوروبية لمعرفة ما إذا كان اقتراح ترامب جاء ابن لحظته ردا على سؤال في المؤتمر الصحافي الذي جمعه مع رئيس الحكومة الإيطالية مؤخراً، أم أنه يعكس بداية تغير في الاستراتيجية الأميركية وطريقة تعاطيھا مع الملف الإيراني.
وتلاحظ أوساط دبلوماسية أن التغير في اللھجة الأميركية جاء بعد وصول التھديدات المتبادلة بين طھران وواشنطن إلى أوجھا، وعلى أعلى مستوى، وتربط ھذه المصادر التصعيد الحاد بأمرين متلازمين:
الأول، لجوء طھران إلى استخدام التھديد بإغلاق مضيق ھرمز، في حال منعتھا واشنطن من تصريف نفطھا عبر المضيق المذكور.
الثاني، الھجوم حركة أنصار الله بصاروخ سطح بحر، على حاملة نفط سعودية في البحر الأحمر مقابل الشواطئ اليمنية، الأمر الذي عُدّ “رسالة إيرانية” مفادھا أن طھران قادرة على تھديد الملاحة في الخليج والبحر الأحمر على السواء.
في الواقع، يھدف الرئيس الأميركي دونالد ترامب في كل تصرفاته وقراراته إلى تطويق إيران وإضعافھا وحملھا على الإذعان للشروط الأميركية. وذلك بعد وضعھا أمام خيارين: إما تغيير سلوك وسياسات النظام، أو مواجھة عقوبات وعزلة دولية اقتصادية.
ومن أجل هذا الغرض سارع ترامب إلى توقيع مرسوم يعيد فرض عقوبات على إيران، في إطار سياسة ممارسة أقصى ضغط اقتصادي عليھا لتبدّل سلوكھا، واستتبع ذلك بتحذير الأطراف الذين سيتابعون علاقاتھم الاقتصادية مع الإيرانيين من عواقب وخيمة.
السؤال هنا، كيف ستتعاطى أوروبا مع العقوبات الأميركية؟
الرد الأوروبي الذي أتى كان متوقعاً: على المستوى السياسي، سارع وزراء خارجية البلدان الأوروبية الثلاثة المعنية ومسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد فدريكا موغيريني إلى إصدار بيان مشترك عبروا فيه عن أسفھم لعودة العقوبات على إيران، وأكدوا تمسكھم بالاتفاق.
البلدان الأوروبية الثلاثة أعادت التأكيد على التزامھا المحافظة على القنوات المالية مع إيران وضمان استمرارھا في تصدير النفط والغاز
وعلى المستوى الاقتصادي، فإن البلدان الأوروبية الثلاثة أعادت التأكيد على التزامھا المحافظة على القنوات المالية مع إيران وضمان استمرارھا في تصدير النفط والغاز. ولمواجھة العقوبات الأميركية، كان الأوروبيون بحاجة إلى تدابير مقنعة للرد على العقوبات الأميركية ولإبراز عزمھم على حماية الشركات والمؤسسات الأوروبية التي تقيم علاقات تجارية مشروعة مع إيران تتطابق مع قوانينھم ومع القرار الدولي رقم 2231.
كما نصح الأوروبيون إيران بقوة بتلافي كل ما من شأنه أن تعده واشنطن استفزازاً، ويحذرونھا من أن تخطو خطوة خاطئة مثل العودة إلى التھديد بإغلاق الممرات البحرية الدولية مثل مضيق ھرمز أو باب المندب، كما أنھم يدعونھا إلى الانحناء أمام العاصفة الأميركية بانتظار حصول تغييرات سياسية في واشنطن مع الانتخابات النصفية أو مع الانتخابات الرئاسية في عام 2020.
تعزو مصادر دبلوماسية أوروبية المواقف الأوروبية إلى أربعة عوامل رئيسية:
1- رغبة أوروبا في تمكين شركاتھا من الاستفادة من الفرص التي يوفرھا الاقتصاد الإيراني بعد سنوات من العقوبات والعزلة.
2- تريد أوروبا أن تكون لھا سيادتھا الاقتصادية، بمعنى أن تقرر بنفسھا الجھة التي تتعامل معھا اقتصادياً وتجارياً واستثمارياً، ناھيك برفضھا القوانين العابرة للحدود التي تفرضھا واشنطن.
3- صحة وأھمية التمسك بالاتفاق النووي وبالتالي معارضة الخروج الأميركي منه وما استتبعه من فرض عقوبات.
4- ما يقلق الأوروبيين ھو أنھم لا يعرفون تماماً أھداف إدارة ترامب في إيران. وما يزيد من صعوباتھم ھو تعدد التوجھات داخل الإدارة الواحدة.
الواضح أن إدارة دونالد ترامب تسعى لخنق الاقتصاد الإيراني بھدف دفع الشارع الى التحرّك بقوة أكبر بوجه السلطة الإيرانية، في سعيھا لإجبار المسؤولين الإيرانيين على الجلوس حول طاولة مفاوضات مع الأميركيين وإنجاز تفاھمات سياسية في منطقة الشرق الأوسط.
لكن، ترامب الذي يمتلك مھارات تفاوضية، لا تبدو طريقه باتجاه إيران سالكة وآمنة، ولا يبدو أن تكرار سيناريو كوريا الشمالية ممكنا ومتاحا مع نظام الجمھورية الإسلامية التي قررت أن لا مفاوضات مع إدارة ترامب، أو على الأقل لا مفاوضات تحت الضغوط والعقوبات. وبالإجمال، تعتبر طھران أن إدارة ترامب غير جديرة بالثقة ولا يمكن الركون إليھا بعد انقلابھا على الاتفاق النووي.
هذه العقد والصراعات تبقي المواجهة الايرانية الاميركية مفتوحة امام كل الاحتمالات.
العهد