تركيا وجبهة النصرة، قسوة الأب!.. بقلم: عقيل سعيد محفوض

تركيا وجبهة النصرة، قسوة الأب!.. بقلم: عقيل سعيد محفوض

تحليل وآراء

الخميس، ٢٣ أغسطس ٢٠١٨

عندما قال الرئيس بشار الأسد إن الكرد هم المشكلة الرئيسة المتبقية، بدا كما لو أنه أغفل أو سكت عن قضية أخرى تبدو أكثر تعقيداً وهي إدلب. لكن التطورات كشفت عن تقدير عميق للأمور، ذلك أن الموقف بين دمشق وكردها يواجه تحديات كبيرة، أميركية على نحو خاص، فيما الموقف في إدلب “أقل خلافية” على المستوى الإقليمي والدولي.
خطوة-خطوة
 
عندما يكون الحديث عن إدلب وأبي محمد الجولاني، فهذا يحيل تلقائياً إلى الحديث عن تركيا وأردوغان، إذ يقف أردوغان موقفاً حرجاً حيال إدلب، تتنازعه خيارات كلها سيئة تقريباً، لكن المفاضلة بينها لا تزال ممكنة، وهذا أكثر ما يحسنه الرجل، على ما بدا منه خلال سنوات الأزمة السورية. وأمام أردوغان خيارات رئيسة:
– أن يمانع استعادة الدولة السورية السيطرة على إدلب، وهذا أمر مستبعد نظراً لتبعاته الخطيرة، ولأنه بلا جدوى تقريباً، ثم لأنه هو نفسه كان جزءاً من المشهد وشريكاً في التطورات التي أوصلت الأمور إلى هنا.
– أن يكون جزءاً من عملية الحل، أو أن لا يمانع بالفعل، وهذا يتوقف على مدى الحزم والحسم لدى سوريا وحلفاءها، وعلى غياب الفرصة أمامه للمشاغبة والتهديد بالاقتراب من أميركا مثلاً، والواقع لأنه تحت ضغط أزمة متزايدة معها.
– أن يقف بين-بين، وأن يدفع بخارطة طريق للحل تتضمن تجزئة المشكلة، وتقديم التنازلات-تلقي المكاسب على دفعات، والتلويح الدائم بإمكانية العرقلة، أي المساومة خطوة خطوة. وهذا هو الخيار المُرَجَّح.
الكريات الزجاجية
 
يتعامل أردوغان مع المشهد في إدلب بما يشبه “لعبة الكريات الزجاجية” في رواية للكاتب هرمان هسه، إذ يزعم أنه “سيد اللعبة” الذي لا يمكن أن تقوم تسوية أو حرب من دونه. لكن المشهد ليس سهلاً، ثم إن الأمور تغيرت ولا بد أن يكون لـ اللعبة في إدلب سيد آخر هذه المرة وهو الدولة السورية.
إعادة تأهيل!
 
تتجه الأمور بتركيا إلى “التخلي” عن الإمارة، وإذ تفعل ذلك، فميزانها المصلحة وتفادي إكراهات ثقيلة، وإذا مارست القسوة تجاه جبهة النصرة لإجبارها على القبول بالتسوية، فإنه يمكن للأب أن يقسو على أبنائه، كما يحدث أن يشاغب الإبن على أبيه. ولن تجد تركيا صعوبة كبيرة في “إقناع” مواليها في إدلب –ومنهم جبهة النصرة- بما تقوم به. وخاصةً إذا ضمنت لنفسها موقعاً في مفاوضات وترتيبات ما بعد الحرب في سوريا، وبالأخص إعادة الإعمار. من الواضح أن تركيا مهتمة بـ”فيلق الشام” التابع للإخوان المسلمين بوصفه بديلاً محتملاً للجماعات المسلحة ليس في ميدان القتال، فهذا أمر محسوم، إنما في ميدان المفاوضات حول إدلب ما بعد الإمارة. وهكذا سوف تعمل تركيا على تهيئة الأمور لأن تتقبل جبهة النصرة حل نفسها وإعادة دمجها في تنظيم جديد، بما يجنبها التعرض لضربات وتكبدها خسائر بلا طائل. تعمل تركيا جاهدة على إعطاء إدلب وضعية خاصة تضمن لها تأثيراً مديداً وعميقاً عليها، ومنها إلى المشهد السوري ككل. ومن المرجح أن تركز في هذه المحلة على التوصل إلى تفاهمات تمكن الإخوان المسلمين أو أي تنظيمات وشبكات منبثقة عنهم أو تابعة لهم أو لها من السيطرة على المدينة. ما يعني تحويل الإمارة من فاعل أو خصم في مواجهة الدولة إلى فاعل أو خصم من داخلها، لتصبح إدلب منطقة هشة أمنياً واستراتيجياً.
خطة إجراءات
 
تدرك تركيا أن روسيا وإيران وحتى الدولة السورية مستعدون لتقديم ضمانات مديدة، ومَنْح الإمارة فترة انتقالية، قد لا تكون طويلة، لتكييف الأوضاع الاجتماعية وغيرها. سوريا وحلفاؤها مستعجلون على استعادة إدلب، لكنهم يفضلون عودتها بالسياسة وبأقل قدر ممكن من العمل العسكري، فهم لا يريدون المزيد من الدمار واللاجئين والدماء، لكن لا بد مما لا بد منه. ولن يسمحوا بعودة منقوصة. يواصل الجيش السوري وحلفاؤه الحشود العسكرية، والعمليات الاستخباراتية داخل الإمارة، فيما لا يزال الروس والإيرانيون على تواصل مع الترك من أجل إدارة حسنة للأمور، وثمة مؤشرات على خطة إجراءات حول إدلب، مثل:
 
– استعادة تدريجية بالعمل العسكري وغيره للأجزاء الجنوبية والشمالية الغربية من إدلب.
 
– فتح الطريق الدولي بين حلب ودمشق، وثمة مفاوضات لتسليم تدريجي لمعابر مع تركيا، أي فتح الطريق التجاري بين تركيا والأردن.
 
– فتح معابر للاجئين من إدلب إلى مناطق محددة ضمن سيطرة الدولة، برعاية روسية.
 
– تقديم المساعدات الغذائية والطبية والإيواء المؤقت للراغبين بمغادرة إدلب.
 
– العمل ما أمكن على تفادي اتجاه اللاجئين من إدلب إلى تركيا. ويمثل تعاطي الدولة السورية مع استعادة الغوطة ودرعا والقنيطرة، مثل عدم الانتقام أو العقاب والحرص على عودة الأمور إلى سياقها الطبيعي، وتأمين الخدمات والمتطلبات الأساسية، مؤشرات ذات دلالة للناس في الإمارة، وحتى لمجموعات مسلحة أو أجنحة فيها –بما فيها قيادات من جبهة النصرة- لفتح خطوط اتصال مع الجيش السوري أو مع الروس من أجل الدخول في تسوية. مثلت إدلب خلال عدة سنوات ذروة مشروع أردوغان في سوريا، أراد الانطلاق منها إلى عموم سوريا، لكن الأمور اتخذت اليوم مساراً معاكساً، على أمل أن ينتهي ذلك المشروع في إدلب نفسها. لا أُبُوّة ولا بُنُوّة!
الميادين