الفكرة بين التنفيذ والتنظير.. بقلم: سامر يحيى

الفكرة بين التنفيذ والتنظير.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الجمعة، ٣١ أغسطس ٢٠١٨

طبيعة الحياة تفرض على المفكّرين وأصحاب الرؤى، تقديم التصوّرات والأفكار حول عملية الإعمار والبناء بعيداً عن الغموض والمصالح الشخصية، منطلقةً من حب الوطن والعمل لأجل رفعته، التي هي رفعة وازدهار كل مواطن فيه، بما فيهم المنظّر والمفكر ..
إن من واجب كل مواطن إبداء الرأي والرؤية، تصويب أو تقويم، نقد أو إطراء، سواءً كان على اطلاع ومعرفة، أو لم يكن كذلك، وواجب المثقفين والحكومة استقطاب تلك الانتقادات والبحث عن الوسيلة الأنسب لمعالجتها إن كانت سلبية، وتطويرها إن كانت إيجابية، وتوضيحها إن كانت ضبابية، وزيادة الوعي لدى هذا المواطن أو المنظّر لتتحوّل فكرته إلى عمل إيجابي ينطق على أرض الواقع لصالح الوطن والمواطن، وتشخيص المشكلة ووصف الدواء المناسب وتناوله. وهنا لا بد من القول إن من الخطأ إن لم نقل الفشل عندما تتذرّع الحكومة أو أحد مسؤوليها بتشكيل لجان وتقديم رؤى وأفكار، أو تحميل مسؤولية لظروفٍ طبيعية أو معنوية أو مادية .... ، أو تسويف، أو حتى اعتراف بخطأ أو فشل، لأن عقد الاجتماعات دون الخروج بنتائج يتم تطبيقها على أرض الواقع، أو تصريحات دون الوضع في الحسبان إيجابياتها وسلبياتها أو كيف سيتناولها الإعلام أو المواطن، فهي تهرّبٌ من مسؤولية، والافتخار بنجاح بسبب طبيعة الحياة اليومية والروتينية، يضرّ بالوطن والمواطن، فالجيش العربي السوري لم يتذرّع بعذرٍ هنا أو عذر هناك، ولم يقل إنّه يحارب أعتى إرهابيي العالم واستخباراتها، بل قام بتطهير ثرى سورية ويعمل بكل ما أوتي من قوّة وضمن الموارد المتاحة والمتوفّرة له من أجل استكمال تطهير تراب سوريتنا من رجس الإرهاب،  صيانة أمن وقدسية ثراها.
دور الحكومة بكافّة مؤسساتها ومسؤوليها وحتى موظّفيها، الاستفادة من كل جهد وإمكانية ماديّة وبشرية، لا سيّما لدينا كنزٌ بشري ـ استفادت منه كل دول العالم بما فيهم أعداء سوريتنا ممن يحلموا بتدمير سوريتنا ـ واجبنا الاستفادة بالإرادة والإدارة الحقيقية التي تضع في حسبانها المصلحة الشخصية ضمن إطار مصلحة الوطن، لا المصلحة الشخصية على حساب الوطن وأهله وكرامته، فهل عجزت كل مؤسسة بالتحاور والنقاش مع أبنائها للخروج بأفضل السبل، بدلاً من الاكتفاء برأي ثلّة ممن هم يفترض أن يكونوا محل ثقة "لكنّ مصلحتهم الشخصية هي الأساس بلباس الوطنية".
 إن القائد الإداري مهما كان قوياً وقادراً على العطاء والإبداع، ولديه من الفكر وسعة الاطلاع، والقدرة القيادية الخارقة، لا يستطيع فعل شيء إيجابي ملموس على أرض الواقع، إن لم يفعّل دور مرؤوسيه دون استثناء أحد، الحاشية الضيّقة، ليشمل كافّة عاملي المؤسسة، والاستفادة من رؤى وأفكار وانتقاد أو إطراء جمهور المؤسسة على أداء عملها، لينعكس ذلك على أرض الواقع، وإلا فكلّ تنظيرٍ فهو هباءً منثوراً، وتدميراً مقصوداً لموارد البلد وإمكانية أبنائه، حتى أن الكثير من التغييرات التي تحصل كانت عبئاً على الخزينة العامة وعلى الوطن وإن كانت على الورق تعكس ربحاً لكنّه ربحاً مدمّراً كالسم في الدسم.
صحيح أن لا شيء يحصل بسهولة، ولا أطالب بالمثالية أو المدينة الفاضلة أو أن الحكومة لديها عصى سحرية، ولكن الشعب العربي السوري بقيادته وجيشه، قادرٌ ضمن الإمكانيات المتاحة والموارد المتوفرة إن تم التشارك معه على الإنتاج الأفضل الذي يليق بالشعب السوري وحيويته وإبداعه.  
هل يعجز المسؤول عن عقد جلسات عمل وورشات حقيقية ضمن مؤسسته، على الأقل ضمن تخصصٍ ما، مهما كبر حجم المؤسسة أو صغر، بهدف التقصي والاكتشاف للحلول الأمثل لمشكلات مؤسسته، واستثمار مواردها، وتحسين إنتاجيتها بأفضل السبل بعيداً عن شعار ضغط النفقات ومنع الهدر، الذي يعمل على إيقاف الكثير من النفقات التي تساهم في رفع العمل وتحسين آليته، ويبقى النفقات على أمور لا فائدةً حقيقية منها بحجج هكذا الموازنة قد رسمت، وهكذا قد ارتأت، بدلاً من أن يكون موظّفيه جزءاً أساسياً لتطوير أداء وانتاجية المؤسسة، لا مجرّد آلة عمل، أو عقل يفكر بمبلغ آخر الشهر، إنما محرّكاً فاعلاً لكل جزءٍ بالمؤسسة، وتقديم دراسة جديّة للمعوقات والتحديّات التي قد تعترض قراراته وتنفيذ الأعمال المنوطة به لكي يجد لها الحلول، وزيادة حجم الانتاج واستقطاب جمهوره الداخلي والخارجي، وعدم التناقض في تصريحٍ أو نقاشٍ، بعيداً عن التنظير وتحميل المسؤولية..
 بلا شك المسؤولية هي تكليف وتشريفٌ بآنٍ معاً، تناط بالقائد الإداري لعلاج المشكلات التي تعترض المؤسسات والبحث عن الحلول، لا تحميل المسؤولية والتنظير الهدّام، فالمسؤولية تكليفٌ لاستثمار  كل جزءٍ من موارد المؤسسة لتحقيق الأداء الأفضل والنتاج الأسمى. كما أنّها تشريف، فقد تم تمييزه وإعطائه الصلاحيات لقيادة مؤسسة بمواردها البشرية والمادية، وإعطائه كل الصلاحيات ضمن نطاق عمل مؤسسته وما يتعلّق بها، واطلاعه على هموم وأسرار وطبيعة العمل للتمكن من البحث والتفكير لتصحيح الأخطاء وتصويب السلبيات وتطوير الإيجابيات.
 نحن لدينا مؤسسة جامعة لكل المؤسسات ـ الحكومة ـ وتتفرّع عنها مؤسسات، وزارات ومكاتب وهيئات ومديريات ومؤسسات، لها استقلاليتها الإدارية والمعنوية إلى درجة معيّنة، كذلك لدينا ضمن كل مؤسسة قسم يختص بموضوع ما، فعلاج الأسباب والمسببات بات واضحاً، نكلّف كل جهة وكل مؤسسة وكل قسمٍ بالبدء بالبحث عن التقصير الذاتي وتطوير الأداء والعمل، فالمؤسسات التي تختص بالشأن الإداري وتطوير الموارد البشرية تتناقش مع المؤسسة الأعلى المهتمة بذلك الموضوع، وكذلك الانتاجي، والاقتصادي، والاجتماعي، دون استثناء أي قطّاع، وبالتالي يتم إشراك الشريحة الأوسع من المؤسسات والعاملين لديها، ونتجاوز الكثير من الجهد والزمن والاحتكار، ونستطيع بناء الهيكل التنظيمي والنظام الداخلي بسرعةٍ كبيرة، مستفيدين من أخطاء وإيجابيات ما سبق، ودور أجهزة الرقابة والتفتيش المنتشرة بكل المؤسسات الوطنية الحكومية، التفاعل والبحث الجدّي عن أفضل السبل لمكافحة الفساد والإفساد والهدر، إنّنا لسنا بحاجة لتغيير قوانين وقرارات وإصدار المراسيم، بقدر ما نحن بحاجة لدراسة جديّة وفعلية لما كنا عليه وما يجب أن نكون، فأولى أهداف ما سمي زوراً وبهتاناً "الربيع العربي" إغراق الشعب العربي بالتفاصيل اليومية لتأمين الطعام والشراب، وافقاد الثقة بين الأخ وأخيه ليكونوا أعداءً، بدلاً من أن يكونوا يداً واحدةً لبناء الوطن وتحقيق تقدّمه واستقلاليته ونديّته كجزءٍ من العالم الذي نعيش به لا تابعاً لأحد.
 المسؤول ليس له منّية لكي يرمينا بها، ولا فضلٌ في إنجازه فهو جزءٌ من مهامه، يكفي أنه يطلق عليه "القائد الإداري" وبالتالي إدارته سوف تنعكس على المؤسسة التي تلقائياً سوف تنعكس على المواطن وبالتالي هو وموظّفيه بالمؤسسة، فما أحوجنا ليتحلّى كل منا بالشجاعة والحنكة والحكمة لأن يقدّم للوطن جزءٌ من شرف انتمائنا لثراه المقدّس.