كيفية البناء وإعادة الإعمار.. ؟!... بقلم: سامر يحيى

كيفية البناء وإعادة الإعمار.. ؟!... بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الجمعة، ٧ سبتمبر ٢٠١٨

لا يمكن توقّع أن مدير أيّة مؤسسة يرغب بفشل مؤسسته، إنّما يبذل كل جهده حفاظاً على نجاحها وزيادة إنتاجيتها، إضافةً لتحقيق مصلحته الخاصة المادية والمعنوية، مما يؤهله للاستمرار في منصبه أو الترفّع لمنصبٍ أعلى..
منطق العقل السليم يقول ذلك، لأنّ "القائد الإداري" يستثمر كل الإمكانيات والموارد الممكنة لقيام مؤسسته بالدور المنوط بها، بالشكل الأمثل الأقل كلفةً والأكثر جودةً وعطاءً وإنتاجاً، أما "متسلّم منصب" الذي يحمّل المسؤولية لا يتحمّلها، يلهث وراء مصلحته المادية والمعنوية على حساب مؤسسته وبالتالي وطنه، رافعاً الشعارات المدمّرة للإدارة مثل "عملت أم لا مرّتبي لن يزيد ولن ينقص، لا أريد فتح جبهة ضدي، لا أريد اتخاذ قرار كي لا أغضب الآخر، لا أريد الاصطدام مع الموظفين أصحاب الحظوة، أخشى أصحاب الكفاءات والنشاط من سعيهم لإقصائي وتسلّمهم منصبي....." إلى ما هنالك من حجج.
الإداري الناجح القادر على استثمار إمكانيات المؤسسة لصالح المؤسسة، دون إزعاج أحدٌ إلا خائن الوطن، واستقطاب كافّة موظّفيه إلا فاقد الأهلية، وبالتالي تلقائياً تنعكس لصالحه وصالح الجميع، إن لم يكن اليوم فغداً، لأن الاستثمار الأمثل للموارد البشرية، يمر عبر تفعيل دور الجميع، كل ضمن إمكانياته وقدراته وخبراته، لأن ّربّان السفينة يدرس كل الاحتمالات قبيل صعوده السفينة، حاجته للوقود، توقعاته للمناخ، كيفية تفادي الريح والأمواج العاتية، سلامة السفينة بكل أجزائها، ما قد يحصل من مفاجآت لا سيما ما تعرّض إليه أو سمع عنه من زملائه... وهذا لن يكون عملٌ فردي أو حاشية ضيّقة، إنّما استثمار جهد كل فردٍ على تلك السفينة، بما فيهم الركّاب..
المشكلة التي نعاني منها أيضاً وللأسف يبررها حتى كبار المسؤولين، المرتّب الشهري، ولكن التساؤل الذي يحتاج للبحث والإجابة، عندما كل منا يسعى للحصول على وظيفةٍ عامّة، رغم أنّه يعلم أن المرتّب قليل ولا يكفي لسدّ الرمق في هذه المرحلة، لكنّه يقبل به تحت شعار "بحصة بتسند جرة"، فهل يظنّ أن المؤسسات الحكومية جمعية خيرية، وهل تظنّ المؤسسة نفسها تاجراً احتكارياً، فكلا الاحتمالين خطأ بل تدميرٌ للوطن، المؤسسات الحكومية دورها النهوض بالوطن بكل أركانه، وتقديم العون والرعاية وتوفير فرص العمل لكل مواطن، ودور كل مواطن القيام بكل ما يمكنه لمضاعفة جهده وزيادة انتاجيته وابتكار أفضل الحلول لزيادة انتاجية مؤسسته ومواردها المادية والخدمية .... بما ينعكس على المؤسسة الوطنية ويضاعف الدخل القومي، الذي هو زيادة الدخل الفردي، فالمؤسسة فخسارة المؤسسة أو ربحها سينعكس على الدخل القومي الذي تلقائياً سينعكس على كل عاملٍ فيها، وليس على ثلّة من العمّال والموظّفين، فمجرّد التمييز بين الموظّفين على أساس المنصب أو المرتّب هو غبنٌ وظلمٌ للجميع، إنّما بقدر العطاء والإنجاز وتقديم الأفضل، بشكلٍ مدروس لتحقيق التفاعل ومشاركة الجميع ببناء المؤسسة وتقدّمها ورقيّها، مما يعززّ الثقة بالمؤسسات الحكومية والقطّاع العام، والانتماء المؤسساتي والولاء الوظيفي.
هذا يساهم بشكلٍ فعّال بزيادة دور المؤسسات الحكومية، وعندها ستستقطب القدر الأكبر من أبناء الوطن للعمل وتقديم خدماتهم للوطن، وقطع الطريق على مستغلي الحاجة المادية للمواطن، وتحقيق الشعارات الأساسية التي يرفعها الجميع، ويتهرّب من تطبيقها الغالبية القصوى.. فكلٌ منا يعتبر نفسه أنّه قدّم للمؤسسة أضعاف ما تقدّمه له، وبالتالي سنبقى ندور في حلقةٍ مفرغةٍ نحمّل المسؤولية لا نتحمّلها، نلوم الآخر على التقصير ونعترف بأخطائنا، ونستمر بالسير على نفس الخطى لكي نعيد الكلام كل مرّة دون أدنى حسّ بالوطنية واحترام الذات الإنسانية.
عندما تقوم المؤسسات الحكومية بتحويل ذاتها لخليّة نحل، وتعاون المؤسسات كل منها ضمن اختصاصها وتخصصها وإمكانياتها، بما يساهم بأن تكون جميعها يداً واحدةً لبناء الوطن والنهوض به، ولفت انتباه كل مؤسسة لكي تبذل الجهد الأكبر بالتعاون والتعاضد، عبر لقاءات تعاضد وتعاون وتشاور وبناء، فعملية إعادة الإعمار باتت واضحة، ولكن التساؤل الذي يستحق أن نطرحه، كيف سنعمل على إعادة الإعمار والبناء؟! هل سنستمر بالخطوات السابقة عبر التنظير والاجتماعات الشكلية والقرارات والتصريحات والروتين الطبيعي للحياة، ألسنا بحاجة للتكفير بكيفية البناء والبدء بمسيرة جدية لإعادة الإعمار وفق دراسات ومخططات ورؤى وضعوها، فكل مؤسسة لديها تخصّصات وتعاون كل تخصص مع التخصصات الأخرى، فعلى سبيل المثال هل حاولت وزارة الإسكان بالتعاون مع كافّة المؤسسات المتخصصة بعملية الإعمار مع كافّة العاملين في قطّاع الإسكان، إضافة للحكومية، شركات المقاولات ورجال الأعمال والبنوك والمؤسسات الصناعية وورش البناء والمواد الأولية، بهدف وضع دراسة جديّة للبحث بأفضل السبل لتنشيط عملية الإعمار وفتح المعامل والمصانع وموارد البناء إلى ما هنالك...  أليس هذا مثالٌ حيٌ لتفعيل العمل المؤسساتي التشاركي، الذي يشكو غالبية كبار المسؤولين من غيابه رغم أنّهم هم المسؤولين عن تفعيله، وبالتالي ستكون المكافأة والمحاسبة والمتابعة على نتائج أرض الواقع لا أرقاماً خلّبية وهمية، والتي لا تعكس مصداقية وإن كانت رابحةٌ شكلياً لكنّها أثبت أنّها خاسرة على المدى القريب ومدمّرة على مدى سنواتٌ قليلة..
الموظّف الإداري هو القادر على الربط بين الجلوس خلف طاولته، والنزول إلى ميدان العمل، والتواصل مع أقرانه لصالح مؤسسته، فلا يكاد شخصٌ منا إلا وله قريبٌ أو صديقٌ أو هو يرى الخطأ من الصواب، بعيداً عن التنظير الوهمي الخلّبي.. وبالتالي المفترض أن يكون القطّاع العام هو الأكثر قدرةً على العطاء والإنتاج لأنّ عائده لصالح الوطن ككل وليس لصالح فئةٌ من الناس، فكل من يقوم بواجبه وأدائه وتلبية رغباته وطموحاته في إطار مصلحة المؤسسة التي يعمل بها ومصلحة وطنه فهو قائدٌ ناجح، وإداريٌ ناجح، وموظّف ناجح، أما من يكون غير ذلك فهو مجرّد شخص يدّعي الوطنية، فسواءً كان نظيفاً وشريفاً لكنّه لا يعمل كي لا يقع بالخطأ فهو لا يقلٌ فساداً عن الفاسد، ومن يطالب الآخر بتقديم الأدلة والإثباتات، فهذا لا يقل خطراً عنه، لأنّه شخصياً قبل فترة، وسيصبح بعد فترة ينتقد هذا وذاك ويلوم هذا ويحتقر ذاك، إذا لننتقل من حالة تطبيق القوانين والتنظير الورقية، فالقانون صنع الإنسان، لتنظيم الحياة وبناء الوطن لا استغلاله.
 نحن بأمس الحاجة للتفاعل الوطني والضمير الإنساني الحي الذي رضعناه من أمهاتنا، وثبّته في ذاكرتنا الذين رووا بدمائهم الذكية تراب الوطن المقدّس، ويجب أن نظهره بعملنا ومعاملاتنا..