فلسطين ضحيةُ مَن؟.. بقلم: د. وفيق إبراهيم

فلسطين ضحيةُ مَن؟.. بقلم: د. وفيق إبراهيم

تحليل وآراء

الجمعة، ١٤ سبتمبر ٢٠١٨

محاولات الرئيس الأميركي دونالد ترامب تصفية القضية الفلسطينية نهائياً وإطلاق رصاصة الرحمة عليها تَصُبُ في إطار حلف بلاده الاستراتيجي التاريخي مع الكيان الإسرائيلي. وهو حلف طبيعي بدأ منذ سبعين عاماً تقريباً ويلتزم به البيت الأبيض بشكل تصاعدي.
فهل ما يفعله العرب نحو فلسطين المحتلة يؤدي إلى المحافظة على قضيتها التي تختزل معطيات عدة:
احتلال بلد عربي فيه المسجد الأقصى ومهد المسيحية المشرقية.
طردُ ملايين الفلسطينيين من بلادهم وتشتيتهم في البدان العربية المجاورة والعالم.
أما الذين صمدوا في غزة والضفة الغربية وأراضي 1948 فأصبحوا بلا هوية بعد إقرار يهودية الدولة وتآكل أراضيهم بفعل ازدياد التوطين اليهودي.
ويتعرّضون دورياً لمصادرة ممتلكاتهم وقتلهم وإفقارهم من قبل الجيش الإسرائيلي المحتل.
فماذا يفعل ترامب وسياساته الأميركية بفلسطين وكيف يَرُدُ العرب؟
السياسة الأميركية ثابتة ومؤيدة لـ إسرائيل بشكل أعمى، وخصوصاً منذ ستينيات القرن الفائت، لكنها تقدّم لغة مراوغة، حسب الوضع العربي، لذلك كانت مع حلّ الدولتين: إسرائيل من جهة والضفة الغربية من دون المستوطنات اليهودية ، وغزة من جهة ثانية. الأولى عاصمتها القدس الغربية والثانية القدس الشرقية. وكانت تساوم سراً على إلحاق الضفة بالأردن الهاشمي وغزة بمصر. وما ساعدها سلسلة الاستسلامات المصرية السادات في كمب ديفيد وأوسلو ووادي عربة مع الأردن والسلطة الفلسطينية وسبقها اجتياح إسرائيلي للبنان احتلّ جنوبه حتى الـ 2000 تاريخ تحريره بواسطة المقاومات الإسلامية والوطنية.
لذلك بقي الموقف الأميركي ملتبساً تجاه تأييده لحلول نهائية على قاعدة ثابتة وهي تسليح إسرائيل حتى الأنياب ودعمها مادياً وعلمياً واقتصادياً.
هناك تغيير كبير بدأ يحدث مع بداية تطبيق الخطة الأميركية في اجتياح الشرق الأوسط مجدداً.
لم يعد الأميركيون بحاجة للاختباء خلف الدبلوماسية الماكرة لا سيما أن مشروعها الكبير بدأ يتقهقر في سورية، متعثراً في العراق وأفغانستان واليمن، وكانوا يعولون عليه لتوطيد الهيمنة الأميركية على بلاد العرب والمسلمين وتصفية القضية الفلسطينية نهائياً.
إلا أن هذا التراجع دفعهم للتعويض فشنّ ترامب هجمات غير مسبوقة لإلغاء القضية الفلسطينية بادئاً بنقل سفارة بلاده من تل أبيب الى القدس الشرقية، معترفاً بسيادة إسرائيل عليها، ولاغياً مساهمات بلاده في وكالة الغوث والمساعدات للفلسطينيين ومقفلاً مكاتب منظمة التحرير في واشنطن.
عكس هذا التوجه إصراراً على إلغاء صفة نازح للفلسطينيين مشجّعاً على توطينهم في بلدان الشتات، كما أن إلغاء المساعدات للأونروا إعلان عن سقوط حق عودة النازحين الى ديارهم. الأمر الذي شكّل نهجاً أميركياً قاتلاً يريد إلغاء القضية الفلسطينية بشكليها الخارجي النازحون والداخلي السلطة الفلسطينية . وتواكب هذا الأمر مع محاولات أميركية عبر المصريين والأردنيين لتسويق حل جديد يرتكز على اتحاد كونفدرالي بين مصر وغزة بعد توسيعها ببضعة آلاف كيلومتر مربع من صحراء سيناء وربط الضفة بكونفدرالية مع الأردن بعد فصل المستعمرات الاستيطانية اليهودية منها وإلحاقها بالكيان اليهودي.
وهكذا تشجّعت إسرائيل وأعلنت يهودية دولتها ما يعني اعتبارها لفلسطين 1948 ضيوفاً لديها أو محتلين يجب طردهم.
تشكل هذه القرارات الأميركية الإسرائيلية السكين الثالث الذي اخترق الجسد العربي والفلسطيني: الأول في نكبة 1984 والثاني في استسلام كمب ديفيد والثالث في 2018 بقرارات ترامب ونتانياهو.
بماذا ردّ العرب على هذه الهجمات الأميركية غير المسبوقة؟
منذ التسعينيات ابتدأ الأميركيون يضربون العراق إلى أن احتلوه عسكرياً في 2003 مباشرين حملات لتدمير شمال أفريقيا والصومال وجيبوتي وسورية مطوّعين مصر كوسيلة للاستخدام في الوساطات والتحشيد الخليجي مركزين هجومهم على إيران.
ونجحوا في حشد معظم الدول العربية في حلفٍ معادٍ لطهران على أساس أنها الخطر الذي يتهدّد العرب، ما شجّع دول الخليج على فتح خطوط تحالفية مع إسرائيل في وجه عدو أميركا و إسرائيل الذي تجسّده الجمهورية الإسلامية في إيران.
هذا ما فعله ترامب بفلسطين، فهل هي ضحيته فعلاً؟ بأي حال فلسطين ليست ضحية بقدر ما هي قضية شعب مجاهد كان يعوّل على أشقائه العرب في الدعمين السياسي والعسكري والمالي، مرتكزاً على إمكانات الفلسطينيين في غزة والضفة.
لكنهم استغربوا استقبال الرئيس السيسي لنتانياهو بالتزامن مع قتل الجيش الإسرائيلي للفلسطينيين المتظاهرين في غزة وأصابتهم الدهشة لرؤية الملك الهاشمي عبدالله مستقبلاً نتانياهو نفسه ومحتفلاً معه بعيد ميلاده.
على مستوى قرارات ترامب ماذا فعل العرب؟
باستثناء سورية التي تجابه أعنف إرهاب أميركي خليجي تركي إسرائيلي منذ سنوات سبع والعراق القابع في صراعات داخلية وإقليمية برعاية أميركية، لم تصدر أي ردود فعل عربية شاجبة لمواقف الرئيس الأميركي، السعودية لم تُعِر الأمر اي اهتمام بل قدّمت لترامب صفقات بـ 60 مليار دولار وشجّعت على اعتبار إيران عدو العرب الأول، وكذلك فعلت الإمارات والسودان وقطر وعمان والكويت والمغرب، أجمع العرب على تحاشي التعليق على الهجوم الأميركي على فلسطين، وحده ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تجرّأ على القول إن الفلسطينيين خسروا بسياساتهم الفاشلة الكثير من مشاريع الحلول، معتبراً أن قضيتهم انتهت.
كما صدرت عشرات المواقف من مسؤولين وإعلاميين في الخليج تقول إن بلدانهم لم تعد معنية بموضوع فلسطين وإنها تريد التركيز على الخطر الايراني بذريعة انه داعم للإرهاب.
وعلى خط موازٍ رفعت دول الخليج من مستويات تنسيقها مع العدو الإسرائيلي سراً وعلناً باعتراف مسؤولين إسرائيليين قالوا علناً إن مسؤولين من الخليج زاروا تل أبيب أكثر من مرة وذهب مسؤولون إسرائيليون الى أبو ظبي والرياض عشرات المرات، حسب قولهم بدليل أن أحداً من الطرفين لم ينفِ هذه المعلومات.
هذا ما يسمح بالاستنتاج بوجود حلف أميركي إسرائيلي خليجي أسقط بالنسبة إليه القضية الفلسطينية محدداً إيران عدواً أساسياً له ومشجعاً على الحرب معها.
هؤلاء بدعم أميركي جمعوا رؤساء وأركان جيوشهم للتحضير لتشكيل ناتو عربي بمشاركة مصر والأردن وهدفه تنفيذ ما تطلبه السياسات الأميركية لجهة حصار إيران ومنع أي تعاون اقتصادي معها، ولن يتفاجأ أحد اذا التحقت إسرائيل بهذا الحلف، لان الانهيار العربي بدأ يتسع ولم يعد للخجل مكان لديه. ما يهمه هو إرضاء المعلم الأميركي الذي يحمي أنظمته القرون أوسطية.
ماذا الآن عن مواقف الفلسطينيين ومحاولات ترامب إلغاء قضيتهم؟ هناك فلسطينيو السلطة الذين يبدون كمن أُصيب بهراوة على أمّ رأسه ومن حلفائه ويمثلهم الرئيس محمود عباس الذي تجرأ بعد تمارضٍ لمدة أشهر على رفض يهودية إسرائيل ونقل السفارة الأميركية إلى القدس الشرقية.
لكنه لم يرتقِ الى مستوى الفاجعة الترامبية لخشيته من خسارة رئاسته، أو السلطة الفلسطينية نفسها بما هي مؤسسة تؤكد وجود فلسطين وشعبها في الداخل والخارج.
وحدها غزة المجاهدة رفضت بالدم الإجرام الترامبي وجابهت بصدور أهلها العارية الرصاص الإسرائيلي ولا تزال.
كذلك فعل فلسطينيو الشتات ومعهم إيران وسورية والعراق وحزب الله الذين أعلنوا استعدادهم للتصدي للتآمر الأميركي بكل الوسائل، ألم يهزم هؤلاء الإرهاب الدولي في سورية، هذا الإرهاب المدعوم من أميركا والخليج وتركيا؟
لذلك يمكن القول إن فلسطين هي ضحية السعودية وحلفائها في الخليج ومصر والأردن، لكنها لن تسقط كما يريدون وقضيتها باقية بجهاد أبنائها وسورية وحزب الله وإيران التي تعتبر فلسطين واسطة العقد في الشرق الأوسط بما يجعل من مسؤولية تحريرها واجباً مقدّساً عند المسلمين والمسيحيين.