لغة الجسد.. بقلم: د. ندى الجندي

لغة الجسد.. بقلم: د. ندى الجندي

تحليل وآراء

الأحد، ٢١ أكتوبر ٢٠١٨

الأبواب موصدة بإحكام.. لابد من فتحها حتى يتم اللقاء ولكن هل نمتلك المفتاح؟
الحياة أسرار.. جوهرها الإنسان.. وجودنا مرهون بالآخر وقد خُلقنا لنلتقي فكيف يتم التواصل والأبواب مغلقة؟
هل تكفي لغة الحوار لفهم الآخر؟ هل هي الأكثر تعبيراً؟
ماذا عن لغة العيون؟.. ألا تعكس خفايا الروح؟
وأين نحن من لغة الجسد؟ ألا تمثل بصدق ما يجول في قلب الإنسان؟
لغة الجسد لها مفردات خاصة لا يفهم أبجديتها إلا من امتلك الإحساس العالي وتمتع بقدرة فائقة من الذكاء الاجتماعي رغم أنها صامتة إلا أنها تنطق بما تعجزُ الشفاه عن النطق به وتعبر بشفافية عن صدق الإحساس الإنساني، فقد يتفوه الكثير منا ببعض العبارات لتأتي نظراته أو حركات جسده وتفضح كذبه ومراوغته حيث تعبر عمّ يخالف قوله، كأنه يبدي أحدهم تعاطفه معك إذا فقدت عملك ولكن يكفي التمعن في عيونه لتجدها تلمع بريقاً يعكس فرحاً وشماتةً، وقد نصادف في الحياة إنساناً يضحك الآخرين ويسعد قلوبهم وقلبه ينزف حزناً.
في متاهة هذه الرسائل كيف نفهم الإنسان من حولنا ونحن لا نبدي اهتماماً لإيماءات جسده!
يؤكد علماء النفس أنه في أي حوار يمثل الكلام فقط 7% سبعة بالمئة من الرسالة المراد إيصالها بينما الحوار غير الكلامي فيمثل نسبة 55% خمسة وخمسين بالمئة والباقي 38% ثمانية وثلاثون بالمئة لنبرة الصوت.
نلاحظ أن النسبة الأكبر للحوار غير الكلامي فهو انعكاس لفكرنا ونحن بأمس الحاجة لفك شيفرته وخاصة ونحن ننتمي لثقافة تدعو إنساننا إلى إخفاء مشاعره وأحاسيسه وعدم التعبير بوضوح عن إرادته وخاصة المرأة يجب أن تكبح عواطفها وأن لا تبوح بما يختلج في نفسها هل حاولنا يوماً أن نفهمها؟ ماذا تريد.. ماذا تخفي؟
هل حاولنا أن نقرأ لغة جسدها؟
الأبواب مغلقة.. والتواصل محدود ....في غمرة هذا التجاهل تتوالى عليها الأيام وتنسى أنها أنثى!
كذلك الأمر بالنسبة للرجل يجب أن لا يفصح بحبه تجاه المرأة صراحةً وعليه أن يرتدي قناع المتعالي اللامبالي فهذا يضفي عليه المزيد من الرجولة!، لنأخذ مثال آخر البكاء، الكثير من الثقافات ترى في بكاء الرجل دليل على ضعفه وهذا أكبر خطأ فدموع الرجل هي أصدق تعبير عن إنسانيته ولا علاقة لذلك بالقوة أو الضعف.
المجتمع يحتم عليه أن يكتم حزنه وإلا فقد احترامه!
ولكن ماذا يحدث إذا تم كبت أي انفعال؟
ألم.. غضب.. إحباط.. يأس.. هروب وانطواء.. خوف.. كلها انفعالات سامة يتعرض لها الإنسان في حياته اليومية وأغلبيتنا نشأ على تعلم فن القهر في كبت مشاعره وانفعالاته احتراماً لأعراف بالية وخوفاً من سلطة القانون الاجتماعي الذي يسلط سيفه على رقابنا فيتألم إنساننا لأن يكون حراً وتنشأ حالة صراع نفسي تدفعه لأن يكظم كل شيء، الدماغ يعمل على تحقيق التناغم، ولكن جميع العواطف التي يكبتها مشحونة بالألم وكأنه يُبحر في عالم لا يتحرر منه، يتقوقع على ذاته وتتراكم الإحساسات العميقة دون تفريغ لهذه السموم لسنوات طويلة وهمه الوحيد أن يبقى هادئ الأعصاب وتتشكل العقد نتيجة الكبت وتتحرك في اللاشعور وتصبح هي المحرك الخفي لسلوكه وتعتبر من ألد أعداء الدماغ وينشأ توتر داخلي.
الدماغ كسائر الأعضاء الأخرى يستجيب للانفعال، الإرادة الإنسانية الواقعية تكمن في توازن الجسم والدماغ ولكن في هذه الحالة يختل التوازن ويبدأ الدماغ بفقد السيادة على الذات فالدماغ المتعب يكون أكثر قابلية للتأثر بالإيحاء، الشعور والإرادة منعدمان، نحن أمام سيادة مزيفة لأنه لا يوجد علاقة متوازنة بين الانفعالية والغريزة والشعور.
إنساننا يعاني من الكبت وكل الأفق عنده محصورة في عقده.. يشتد الصراع في داخله.. فيصرخ الجسد.. إنه يتمزق.. يتحول الصراع النفسي إلى عرض عضوي..
آلام المعدة.. عسر هضم.. آلام في الظهر.. بثور جلدية.. نوبات قلبية.. لائحة لا تنتهي من الأمراض الجسمية ذات المنشأ النفسي، فأي حالة نفسية يعيشها الإنسان تنعكس برد فعل جسدي، والمرض في هذه الحالة هو استجابة العضوية تدافع عن نفسها!
انفعالات سامة مكبوتة، والجسد يبحث عن صمام الأمان إذ يتيح المرض تفريغ التوتر الداخلي (اضطرابات جسدية.. عصاب.. وساوس) كلها تعبير عن حالة بحث لا شعوري عن الأمن والإنسان لا يدرك ذاته فهو في حالة جهالة لنفسه!
لا يعي مدى خطورة مكبوتة اللاشعور، يمضي العمر وهو أسير حصره وتبقى هذه الحالة إلا أن يصبح واعياً في عودة صادقة للذات ساعياً للتوازن وبمساعدة العلاج النفسي.
إذاً جسدنا ما هو إلا نتاج أفكارنا فتعالوا نتصالح مع ذاتنا، يجب على كل فرد منا أن يشعر بأنه ذاته في جميع تعبيرات جسده، أذكر قصة امرأة في الثلاثين من عمرها قد تعرضت للاغتصاب وهي تسير ليلاً بمفردها في أحد الأزقة حيث هاجمها رجل ووضع السكين على رقبتها هددها واغتصبها، حادث مروع يعكس وحشية الرجل عندما يفقد إنسانيته.
أثناء العلاج النفسي اكتشف المعالج أن ما يعذبها بما يفوق آلام هذه الصدمة القاسية هو شعورها بالذنب لأنها في لحظة ما أثناء الاغتصاب قد شعرت باللذة، وكأن جسدها قد خانها في هذه اللحظات المؤلمة، تشعر بأنها ساقطة وكأنها ساهمت في اقتراف هذا الفعل البشع!
إن الشعور بالذنب قاتل، يُعذب الإنسان ويقف سداً في وجه العلاج فكيف لها أن تتجاوز هذه الصدمة والشعور بالذنب يدمرها.
هنا كان دور المعالج النفسي حيث طمأنها وبين لها أن الجسد له قوانينه الغريزية.
وقد يحدث أن ان ينتاب المرأة هذا الشعور، إنها كانت في موقف ضعيف جداً وحياتها مهددة بالموت والرعب قد شل حركتها فالجسد هنا في حالة دفاع وهذا الشعور باللذة يخفف من آلام الصدمة وهذا لا يغير من الأمر شيء ففعل الاغتصاب عمل إجرامي قام به هذا الرجل والمرأة لا ذنب لها.
والأمر الهام الذي يجب أن ننوه إليه أن هذه المرأة لا تعرف جسدها جيداً حيث لا تميز بين ردة فعل فيزيولوجية وبين الرغبة ومفهوم اللذة!
نحن بأمس الحاجة لأن نفهم لغة الجسد ماذا تعكس إيماءاته؟ والحديث عن مفردات هذه اللغة طويل ويحتاج لفصول سأتطرق إلى بعض الدلالات:
العيون مرآة الروح والتواصل الجيد يكون عبر التقاءالنظرات فماذا عن لغة العيون؟
أثناء الحوار راقب نظرات الآخر، إذا كان يتهرب بنظراته أثناء الحديث فهذا دليل على أنه يكذب.
وإذا كانت نظراته تتجه إلى الأرض فهذا يدل على أنه يريد أن يخفي مشاعره أو أن لا يبدي غضبه وغالباً الإنسان الخجول ينظر إلى الأرض أثناء الحوار أما الأشخاص الواثقين من أنفسهم ينظرون كثيراً في عيون الآخرين.
أما إذا أردت أن تفرض سلطتك على إنسان ما وتجعله يهابك فما عليك إلا التحديق بقوة في عينيه فهذا يخلق حالة الخوف لديه.
النظرات هي الأكثر تعبيراً في وجه الإنسان.....نظرة تدعو للتقارب وربما للعناق ونظرة أخرى تجعلك تبتعد أكثر فأكثر.
كيف تميز بين الابتسامة الصادقة عن الابتسامة الصفراء، انظر إلى عيون الإنسان هل تعكس الفرح أم أنها جامدة لا بريق لها لا تنطق إلا بالشر.
حركة اليدين أي انطباع تدلي به؟
إذا كانت يداه مكتفتين فهذا يعكس حالة ضعف وهذه الوضعية تخلق لديه شعور بالأمان وهو مستعد لأي هجوم فهذا يعطيه شعور بتأكيد الذات.
وهي دلالة على أنه إنسان منغلق ليس في حالة انفتاح باتجاه الآخرين لأنه في هذه الوضعية يضع حاجزاً بينه وبين الآخر.
أما ضم اليدين خلف الظهر ورأسه مرفوع فهذا دليل أنه في موقع السلطة فغالباً ما نلاحظ هذه الوضعية عندما يتفقد ضابط الجيش كتيبته فهو يسير بين الصفوف مرفوع الرأس ويديه خلف الظهر ويبدو واثقاً من نفسه.
ماذا عن وضعية الارتكاز إلى الخلف ووضع اليدين على مؤخرة الرأس ويضع رجلاً فوق الأخرى حيث يستند إلى ظهر الكرسي ماذا تعكس؟
إنها تجسد شخصية الإنسان المغرور الذي يدعي أنه يعرف كل شيء.
أما وضع اليد على الصدر فهذا يوحي بالصدق والأمانة وغالباً ما نضع يدنا على صدرنا عندما نقوم بأي قسم، أما عند المرأة فالأمر مختلف فوضع يدها على صدرها تعبير عن الصدمة أو المفاجأة.
والمرأة تمتلك حساسية خاصة لإيماءات الجسد وخاصة مع طفلها حيث تفهم حاجات طفلها أكثر من الأب وخاصة في السنتين الأوليين من عمر الطفل وتستطيع تمييز بكاءه إذا كان يعكس حالة جوع أو ألم أو تعب.
حالة الارتباط الوجداني التي تجمعها مع طفلها تجعلها تلتقط أي إشارة أو حركة يقوم بها، كذلك العشاق يفهم بعضهم البعض من إيماءات جسدهم وبريق نظراتهم فالجسد والنفس وحدة متكاملة.
النجاح في العلاقات الاجتماعية والمهنية يتطلب منا حسن التواصل مع الآخر.... فهل نمتلك المفتاح لفتح الأبواب المغلقة.