«زوبعة» أميركا والفضيحة الأخلاقية.. بقلم: رفعت البدوي

«زوبعة» أميركا والفضيحة الأخلاقية.. بقلم: رفعت البدوي

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٢ أكتوبر ٢٠١٨

تواجه الولايات المتحدة الأميركية أزمة معقّدة في التعامل مع قضية قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول.
تريد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب القفز فوق ما حصل حمايةً لحليفتها الإدارة السعودية الجديدة، وأيضاً حماية لحسابات هذه الإدارة مع السعوديين، في ظل الابتزاز الذي مارسه الرئيس الأميركي مع المملكة.
والواقع أن أميركا، والغرب عموماً، أمام ما يمكن وصفه بأنه «أزمة أخلاقية». فالولايات المتحدة التي شنّت الحروب في العالم، تحت شعارات الحرية والديمقراطية وسيادة القانون، تجد نفسها مع حلفائها اليوم في موقف حرج جداً. وقد ظهر هذا الارتباك الشديد في مواقف ترامب الذي ظهر متلعثماً يتخذ موقفاً في الصباح ثم ينقلب عليه بعد ساعات، وذلك تحت ضغط الرأي العام الأميركي الذي لطالما كذب عليه رؤساؤه لتبرير حروب أميركا في العالم.
الموقف نفسه يضع الدول الغربية، وأوروبا على وجه الخصوص، في موقف محرج، في ظل سؤال يربك هذه الدول: كيف يمكن القفز فوق عملية القتل التي نفّذها النظام السعودي لحماية مصالح الدول؟
لم تنجح كل مساحيق التجميل في تغيير قناعة الرأي العام العالمي، وباتت الدول الحليفة للسعودية كافة أمام الحقيقة الصادمة التي لا يمكن القفز فوق تداعياتها، على الرغم من كل المحاولات التي جرت لتمييع القضية وتبريدها بفعل عامل الوقت. صار الجميع محكوماً بالتعامل مع قضية زلزلت الشعارات الطنانة التي ترفعها هذه الدول، وخاضت حروباً ودمّرت بلاداً من أجل تحقيقها.
ذهبت أميركا وحلفاؤها، إلى أفغانستان والعراق.. ودمّرت البلدين تحت شعار «محاربة الإرهاب وإقامة دولة القانون».
واخترعت هذه الدول ما يسمّى «الربيع العربي» الذي كان عبارة عن فوضى واقتتال تحت شعار «نشر الديمقراطية»، ثم جاؤوا إلى سورية بمؤامرة كبرى استقدموا لها المقاتلين من كل أنحاء العالم، وموّلوهم من بعض دول النفط العربي بعشرات المليارات من الدولارات، تحت شعار «إسقاط النظام» وأغروا ضعاف النفوس لتدمير سورية بحجة أنهم يريدون «إقامة نظام ديمقراطي» فيها.
كل ذلك كان بعض الغرب يصدقه، لأنهم لا يعرفون تاريخ سورية والمنطقة، لكنهم اليوم اصطدموا بالحقيقة التي كشفت حقيقة شعاراتهم وكذبهم على شعوبهم، تقف هذه الدول اليوم مربكة في التعامل مع قضية تتناقض مع تلك الشعارات والحروب التي افتعلوها.
في الواقع، نحن كنا نعرف ماهية هذه الشعارات وخلفياتها، نعرف أن ما حصل كان هدفه تدمير العالم العربي خدمة لإسرائيل، ولو قبلت سورية بالشروط الأميركية للسلام مع العدو الإسرائيلي، لما حصل فيها ما حصل.
في الغرب يسألون اليوم: هل سورية دولة ديكتاتورية والسعودية دولة ديمقراطية؟ وهذا السؤال بحد ذاته يكشف الخديعة التي تعرّضت لها الشعوب الغربية حول حقيقة الدولة السورية.
إذاً، يبدو أن الارتباك الأميركي في قضية خاشقجي سيستمر إلى أن يعثر الأميركيون على «عنوان مثير» يساعدهم على تجاوز هذه القضية وتداعياتها، وقد باشرت خطة فعلية في هذا الاتجاه تقوم على إستراتيجية الهجوم.
في هذا السياق تأتي الزوبعة التي أثيرت عمداً عن توجه ترامب للانسحاب من معاهدة إزالة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى مع روسيا، على الأرجح لن يقدم ترامب على هذه الخطوة، لأنها في الأساس تكتيك هجومي يريد استثماره في الانتخابات النصفية في 6 تشرين الثاني المقبل، وكذلك للتغطية على الإرباك في التعامل مع قضية خاشقجي.
لكن ترامب أثار أيضاً زوبعة جديدة عندما اتخذت إدارته بالأمس قراراً بتصنيف «حزب الله» «منظمة إجرامية دولية»!
طبعاً لن يغير هذا القرار شيئاً بالنسبة إلى «حزب الله»، ولا يبدو أن مفاعيله ستكون جديدة على الحزب، وخصوصاً أن الولايات المتحدة كانت اتخذت في العام 1997 قراراً بتصنيف حزب الله «منظمة إرهابية أجنبية»، ولذلك فإن القرار الجديد لا يضيف جديداً، سوى أنه يحاول إثارة الغبار الكثيف قبيل الانتخابات الأميركية النصفية، وكذلك حول قضية «الأزمة الأخلاقية» التي تحرج إدارة ترامب في التعامل مع قضية خاشقجي.
لكن هذا الغبار يكشف في الوقت ذاته مدى مصداقية الولايات المتحدة الأميركية في طرح شعاراتها السياسية، وخوضها الحروب في كل العالم، كما أن قرار «تصنيف حزب الله» في هذا التوقيت لا يمكن أن يمرّ من دون أن يثير التشكيك لدى الرأي العام الأميركي والعالمي بحقيقة القرارات الأميركية وخلفياتها.
اتخذت الولايات المتحدة قرارات بتصنيف «حزب الله» والعديد من حركات التحرّر كمنظمات إرهابية، لأن أميركا ضد تحرّر الشعوب، وتريد ممارسة الهيمنة و«السلبطة» على العالم، لكن قرارات أميركا لم تحبط عزيمة حركات التحرّر التي أثبتت أنها أقوى من الجبروت الأميركي وقادرة على تحقيق الانتصارات.
ليست الولايات المتحدة الأميركية «وليّ أمر العالم»، وقراراتها و«تصنيفاتها» ليست إلا مفرقعات صوتية، ولن تغيّر من حقيقة نضال «حزب الله» وكل حركات التحرّر في العالم.
وزير خارجية أميركا الأسبق ريكس تيلرسون وفي لقاء سابق مع طاقم الخارجية الأميركية وسفراء أميركا، قال: صحيح أن قيمنا قائمة على الحرية والديمقراطية والإنسانية، ولكنها ليست مرتكزاً أساسياً في سياستنا، وأضاف: إن السياسات تتغير أما القيم فلا تتغير ولكن إذا كان تنفيذ سياستنا يتطلب شرطاً لتنفيذ قيمنا ربما لا نستطيع أن ننجز أهداف أمننا القومي أو مصالحنا الأمنية. أضاف تيلرسون: هذه القيم توصلنا إليها عبر تاريخنا الطويل، فإذا أردنا إنجاز مصالح أمننا القومي ومصالحنا الاقتصادية من المهم جداً إدراك الفرق بين السياسة والقيم ولذلك فإنه علينا تأمين مصالح أمننا القومي ومصالحنا الاقتصادية في كل بلد ويجب أن ندرس كيفية تأمين سبل النجاح في تحقيق ذلك أولاً أما قيمنا فيجب وضعها في مكان آخر.
إن محاولات أميركا التستر على جرائم موصوفة ارتكبها حلفاء لها خوفاً من خسارة مليارات الدولارات من صفقات الأسلحة المبرمة بينها وبين حلفائها مرتكبي الجرائم لهو دليل واضح على سقوط وهم القيم والمبادئ والديمقراطية الأميركية وهذا ما يثبت أن كل التشدق الأميركي بتلك القيم ما هو إلا زوبعة أميركية تكشف عن فضيحة سقوط أميركا في امتحان المبادئ والقيم والأخلاق.