سورية دولة الاكتفاء الذاتي.. بقلم: سفيان توفيق

سورية دولة الاكتفاء الذاتي.. بقلم: سفيان توفيق

تحليل وآراء

الأحد، ٤ نوفمبر ٢٠١٨

يوضِح تشومسكي بأنّ الولايات المتحدة وشريكتها الصُغرى حسب تعبيره- ويقصد بريطانيا- قد اعترفتا ونادتا بالإطار القانوني في ميثاق الأمم المتحدة بما يقوله “إن مجلس الأمن سيُحدّد وجود أيّ تهديد للسلام، أو انتهاك للسلام، أو أيّ عملٍ عدواني، وسيقوم بالتوصيات أو يُقرّر ما الإجراءات التي ينبغي اتّخاذها وفقاً للمادتين 41 و42”. وبذلك ما عمل الولايات المتحدة الأميركية وشريكتها وحال يلعب تشومسكي بالألفاظ كعادته، ويلعب مُستهزئاً بالولايات المتحدة وشركائها في عمليات الدمار الشامل التي تقودها الولايات المتحدة تحت غطاء حقوق الإنسان والديمقراطية، لا سيما وأنها لا تمشي في كل أفعالها وخططها إلاّ وراء مصالحها فقط. فلماذا سوريا؟
انطلاقاً من الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي تحتلّه سوريا كدولةٍ واقعةٍ في غرب آسيا على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسّط، والتي تُعتبَر بدورها حلقة الوَصْل بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، ما أكسبها موقعاً استراتيجياً برز دوره منذ القِدَم عَبْر ما كانت تمثّله سوريا من أهميةٍ في إطار الحضارات والممالك التي قامت فيها، وما شكّلته من عظم جغرافي أكسبها قوّة ومِنعة وهيمنة على كل الإقليم المجاور لها، وأكبر دليل على ذلك الاقتتال الذي كان يحصل على سوريا ومدنها وقراها من الممالك والإمبراطويات المُسيطرة، فمَن يرى سوريا يرى المُجاوِر لها ويسيطر، ومَن يرى المُجاوِر لها يرى العالم ويُسيطر.
ومن الناحية الاقتصادية، فإن سوريا قد وصلت إلى مرحلةٍ من الاكتفاء الذاتي في مواردها ومنتجاتها داخل نظام اقتصادي مُتنامٍ مُعتمد على الزراعة بشكلٍ أساسي، إضافة إلى الخدمات مُتمثّلة بـ: السياحة والصناعة والثروات التي تحتويها.
حيث وصلت سوريا في اقتصادها إلى المرتبة السادسة عالمياً بإنتاج الزيتون، والعاشرة في إنتاج القطن، هذا إضافة إلى المحاصيل الأخرى، التي شكّلت مع سابقتها ما يُقارب نسبة 26% من الدخل القومي حسب إحصاءات عام 2007.
فضلاً عن السياحة والصناعة النامية والمُتعدّدة كالصناعات الغذائية والثقيلة والمنسوجات وتكرير النفط والسيارات ومواد البناء وغيرها.
وبمؤشّرات التنمية وصلت على مستوى الناتج الإجمالي المحلي إلى 32.03 مليار دولار، فضلاً عن المستويات العالية والمُتقدّمة في مجالات التعليم والصحة، والحياة السياسية والمساواة والعدالة، وكل ذلك داخل دولة نصّت في دستورها وتشريعاتها وقوانينها على احترام الجميع وتكفّل الدولة لحريات المواطنين، كما نصّت المادة 3 من الدستور على: “يكفل الدستور حماية التنوّع الثقافي للمجتمع السوري بجميع مكوّناته وتعدّد روافده، باعتباره تراثاً وطنياً يُعزِّز الوحدة الوطنية في إطار وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية”.
فضلاً عن غيرها من البنود والمواد والتشريعات التي تحتفظ للمواطن بحقوقه وتضمن هذه الحقوق وإعطاء الحريات ، فضلاً عن كرامة المواطن التي ستُصان داخل الأراضي العربية السورية.
كما نصّت المادة 23 من الدستور السوري:
1 – الحرية حقٌ مُقدّس وتكفل الدولة للمواطنين حريّتهم الشخصية وتُحافظ على كرامتهم وأمنهم.
2- المواطِنة مبدأ أساسي ينطوي على حقوقٍ وواجبات يتمتّع بها كل مواطن ويمارسها وفق القانون.
3 – المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.
4 – تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفُرَص بين المواطنين.
وسوريا بطبيعتها ونسيجها الاجتماعي عبارة عن فُسيفساء عتيقة لطالما حوَت على أرضها العديد من الأعراق والأجناس والديانات والطوائف، ولطالما كانت سوريا عبارة عن البوتقة التي حوَت الجميع، وصهرتهم حديثاً داخل قالب “الجمهورية العربية السورية” التي احتضنت الجميع، وألفت بين الجميع، حتى وإن ظهرت بعض الأخطاء الفردية، فتلك ليست بثقافة الشعب ولا بأخطاء النظام.
في حين أن النظام القائم في سوريا، وإن امتلكته ووصلت إلى السلطة فيه أقليّة من الأقليات داخل الأراضي العربية السورية، هي جزء لا يتجزّأ من المكّون الاجتماعي والطبيعة الاجتماعية التي تقطن الأرض السورية . وهي في ذلك تُعتَبر مظهراً من مظاهر الديمقراطية والحضارة والحداثة التي ينادون بها، فالأكفأ وصل إلى السلطة عبر مسار قانوني بعيداً عن أيّ أنبوب دم قد تم تركيبه، وكل ذلك داخل جمهورية عربية سورية دستورها نصّ في المادة الثانية منه على: نظام الحُكم في الدولة نظام جمهوري، والسيادة للشعب ولا يجوز لفردٍ أو جماعة الادّعاء بها، وتقوم على مبدأ حُكم الشعب بالشعب وللشعب، أليس هذا ما نادى به كل مفكّرو العقد الاجتماعي.
فإذا كان الرد: كل ذلك حبر على ورق، وما حدث يُخالف كل ما قيل وكل ما كُتِب، والواقع ينفي كل ذلك.
فالرد على الرد بـ: كل دين في العالم وكل دستور مُتحضّر في العالم يحتوي على ما كُتِب وما جاء في الدستور السوري، وما ألقاه النظام السوري من كلام وخطابات كان قد ألقاه من قبل كل نبيّ وكل رسول وكل زعيم سياسي أو زعيم ديني أو غيره، وألقاه كلُ ثائرٍ وكلُ مُصلحٍ سياسي وديني واجتماعي وكل خائِف على وطنه، وكل صاحب قضيه كان قد ألقاه وسيُلقيه. لكن في سوريا الأمر واضح، وسوريا وإن “مرقت” –حسب تعبير تشومسكي- على بعض القوانين والتشريعات، إلاّ أن ذلك يُعتَبر “خطأ منها” كحادثة فردية بسيطة فقط وليس نهجاً قائماً كما تملكه أغلب الدول في الشرق وفي الغرب، والتاريخ والحاضر يشهدان على ذلك أيضاً. والتي لا تستطيع الولايات المتحدة ولا غيرها ولا يمتلكان القدرة على إعلان الحرب ورفع شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها من المفاهيم ألـ “لمّامة” طالما إن مصالحها تتّفق مع وجود هذه الدولة أو غيرها. والحاضر يشهد بالكثير من النماذج على ذلك، والتي ساهمت بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر ودفعت بالدولة السورية إلى الهاوية حفاظاً على نفسها وحفاظاً على علاقاتها بالولايات المتحدة وإسرائيل والتي هي فقط توابع وأذرع لها بعيداً عن أن تكون حليفة لها، أو مخافة عودة المجد السوري وامتدادات سوريا التي ستطال ما تطاله يديها وتحطّم أول ما تحطّم دولة الاحتلال القائمة في فلسطين.
لكننا سنتذكّر ما قاله روجية غارودي في كتابه “ملف إسرائيل” الصادِر عام 1982، والذي أوردَ فيه الكاتِب نقلاً عن مجلّة “كينوفيم” الإسرائيلية القائمة آنذاك والتي تحدّثت عن الخطط الإسرائيلية والنوايا التي تهمّ إسرائيل على القيام بها وأهمّها تحطيم العراق وسوريا وتفريقهما إلى مناطق تقسيماً طائفياً يختفي معه الخطر السوري أو العراقي على دولة الاحتلال في فلسطين.
الأمر الذي يُفسّر أن ما حدث في سوريا لم يكن لكونها مارِقة أو أنها انتهكت حقوق مواطنيها، وخرقت الأعراف والتقاليد وتعدّت على الحريات والأملاك والمُصطلحات الـ “لمّامة” التي سبق ذكرها، وإنما عبارة عن مؤامرةٍ خارجيةٍ تمّت حياكتها من أطرافٍ عدّة، وكل منهم حسب مصالحه قد حاكها، فقد اشتركت مصالح الأطراف الفاعِلة واختلفت أيضاً، ولكن في النهاية تم اختيار الأرض السورية لتكون ساحة الصراع، فهم إن اختلفت مصالحهم أو اجتمعت، فالهدف الأسمى واحد وهو إنهاء “الجمهورية العربية السورية”.
الميادين