عيوش.. بقلم: ميس الكريدي

عيوش.. بقلم: ميس الكريدي

تحليل وآراء

الأحد، ١١ نوفمبر ٢٠١٨

وسط متاهة النساء تلك .......
مازالت عندي حفنة من نساء في هامش مروري من شوارع بلد تعبر الحرب .....يجلل الموت صفحات الجرائد ..وتدوي أخبار المعارك على عدة أنواع من الميديا ......
ميديا مع السلطة وميديا ضد السلطة .....وميديا مختلطة ........والقاسم المشترك .....الموت المتغطرس في مشهد عنفي حتى في خطابات مواقع التواصل الاجتماعي .......
وتعج المنطقة بوجوه لم تكن فيها ..
غرباء ليسوا غرباء .......
لكنهم لا يشبهون التشابه في مدينة تعج بالمختلفين .....مختلفون تآلفوا بحكم التقادم ...وجدد مازالوا جدد ....لأنهم عبروا إلى مناطق يأمنون على أرواحهم فيها ..بعد اجتياح الموت بالتعاون مع ابليس بدلا من عزرائيل ....والله يغض الطرف ...
واستمر الله في غض الطرف ........حتى غاب عن المشهد وسط تدافع الغرائز , كل الغرائز .......وأهمها غريزة البقاء ..
دخلت على أم محمد وأم محمود ...
صديقتان تشاركتا استئجار دكان صغير وبدأتا العمل في الحلاقة النسائية ..
مرضعتان ......والفارق بين طفليهما أيام ..
أم محمد أم لخمسة أولاد ..وأم محمود أم لأربعة ..........
وامرأة هي أخت لإحداهن .....والثانية زوجة أخ للأخرى ..........
وعلى الصوفاية  الوحيدة محشورات مع الرضيعين .......حتى دخلت 
وفي نيتي تنظيف الحاجبين ..وضربة سيشوار لشعري ..
أول مرة تعرفت إلىهما كانتا تعملان مع صبية في  صالونها ..
أذكر حجاب أم محمود المشكول بدبوس على الرقبة مثل امرأة خمسينية ..والمانطو الطويل المنقوص في أزرار أكمامه ..
وبما يشبهها حال أم محمد مع فارق طفيف لكنه ملموس في الحالة المادية لكليهما ..
نشأت بيني وبينهما علاقة مودة واحترام ..
وأحاديث طويلة عن قريتهما في ريف دمشق ......
وصديقات من ريف حلب الشمالي  ومن ريف دير الزور ........
بشر لا نعرفهم .........وغالبا لا نشبههم ......على الأقل في السلوك .......
وأزواج عاطلون عن العمل .......وأزواج لايعرفون أين هم .......وأم محمود ذات الثمان وعشرين عاما ..لديها ابن هارب إلى تركيا .....
أما أختها ......ذات الأربعين عاما فهذه زيجتها الثالثة .......ولها اثنين من أبنائها  يقاتلان في صفوف جبهة النصرة .....
حاليا تعيش مع ضرتها ومجموع الأبناء تسعة ..في بيت واحد ....
دكانة السيدتين متخمة برائحة التبغ الرديء ....والزبونة دائمة التردد عليهما .......عيوش ...
عيوش تستعد للحفلة ........
وتصمم عيوش على اللون الأخضر فوق عينيها .......لتناسب بلوزتها الخضراء .....
عيوش ..
من أخمص القدمين .....تشققات تكاد تدمي قدميها  ......
والزنوبة ((نوع من الأحذية الخفيفة ))
لا تحيط كامل كعبها .....
تماما مثل عامل البيتون ..أرجل معفرة ..لون بشرة معفر ..
نحافتها تظهر فمها  يحتل مساحة كبيرة في وجهها .......
تسكن في غرفة بالقرب ...
تسكن وحدها وتطل الغرفة على الحارة الضيقة ......
تتهامس صاحبة دكان الحلاقة مع باقي الزبائن عليها ......وعن مشيها البطال ..
وتهز يديها بحركات تبدي عدم اتزان ......
وحين تتدخل في الحديث تستخدم صوتها العالي .....فيضيق عنها كل من هم في المكان .....
عيوش ......تنطلق حوالي الساعة التاسعة والنصف إلى رزقها الصعب ....
عيوش التي خلعت حجابها وأسدلت شعرها المتقصف تنتظر أن تسشورها أم محمد 
وأم محمد ذات الوجه الأجمل هي هنادي وكم تخطر في بالي هنادي بطلة قصة طه حسين (( دعاء الكروان ))
يخيل إلي أنها طوال الوقت هاربة من جريمة شرف ........كثير على هذا الفقر اللعين وجه بهذا الجمال ...
وتضرب هنادي المشط في شعر عيوش وتقلبه لتبدو الصفحة البيضاء لشعر يعج بالسيبان ولكنها تكمل متقززة عملها وكأنها لم تر شيئا ..
عيوش الآن جاهزة لطوافها الليلي بحثا عن خمسمائة ليرة ......عن ألف ....عن ألفي ليرة .......وفي اليوم السعيد ستجد من ينقدها خمسة آلاف لقاء ليلة مع سكير أو حشاش .....
عيوش وحيدة الآن....أهلها قضوا في منزلهم..جراء قصف برميل .....وحدها كانت بعيدة ولكن الحرب تركت على خاصرتها حروقا وندبة كبيرة ..........
عيوش غادرت بعد أن صارت يتيمة كاملة في الحياة ....وقد تكون ارتكاستها النفسية بسبب الحدث أو أن ارتكاستها حمتها من تبعات الحدث وفي الحالتين عيوش هي بقية  الحكاية  .......