لماذا انتهى شهر العسل بين ماكرون وترامب؟

لماذا انتهى شهر العسل بين ماكرون وترامب؟

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٣ نوفمبر ٢٠١٨

قد يكون ترامب قادراً على الحفاظ على علاقات عمل لائقة مع حكومات شعبوية في إيطاليا وبولندا وهنغاريا. لكن البقية في أوروبا يأملون ويصلون بأن ترامب سيكون رئيساً لولاية واحدة فقط
تناولت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في تقرير موسع لها تراجع العلاقة بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الأميركي دونالد ترامب والذي ظهر خلال مشاركة ترامب في الاحتفال بالذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى أمس السبت.
 
فقد رحب ماكرون بترامب في قصر باريس يوم السبت، وتصافحا بالأيدي بأدب وربت كل منهما على ذراع الآخر بقوة. كانت ابتساماتهما الصغيرة تبدو متوترة ومجبرة. لم يتم تقبيل الخدين، ولم يتم تقديم أية مظاهر ودية كلقاءاتهما السابقة.
 
وقالت الصحيفة إنه بعد بداية واعدة، فإن العلاقة بين ترامب وماكرون قد توترت وإنه بحلول الوقت الذي فيه في باريس يوم السبت، للاحتفال نهاية الأسبوع بالذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى، يبدو أن هذا التحالف عبر الأطلسي يضعف بدلاً من ذلك.
 
وقال مارك ليونارد، مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “إن شهر العسل قد انتهى بالفعل. إنها روح الدعابة لماكرون. إنه أمر خطير القيام بذلك . إن ازدراء ترامب المرئي للحلفاء في مسائل التجارة والاتفاق النووي الإيراني مهين لـماكرون. كانت هناك آمال كبيرة في هجوم ماكرون الساحر، ولكن إجراءات ترامب أظهرت أنه لا تأثير لذلك على السياسات وأن هذا أمر خطير لأي زعيم سياسي لربط سمعته بنقلبات المزاج الزئبقي للرئيس الأميركي”.
 
وأضافت “نيويورك تايمز” أن إلغاء ترامب زيارة مقررة يوم السبت للمقبرة الأميركية عند سفح التل حيث خاضت معركة بيلو وود لم يساعد كذلك. وقد علل مساعدون الأمر بهطول المطر. فغالباً ما يوصي مشاة البحرية الذين يقودون طائرات الهليكوبتر الرئاسية بعدم الطيران في الطقس السيئ. لكن ذلك لم يقنع الكثيرين في أوروبا الذين اعتبروا الأمر حجة وعلامة على عدم الاحترام.
 
وغرّد نيكولاس سومز، وهو عضو محافظ في البرلمان البريطاني وحفيد ونستون تشرشل: “لقد مات (الجنود الأميركيون) ووجوههم على العدو ولم يتحمل ترامب أن يتحدى الطقس لتقديم احترامه للذين سقطوا” في الحرب.
 
ورفض بن رودس، وهو نائب مستشار الأمن القومي للرئيس باراك أوباما، التفسير الذي أعطي لإلغاء زيارة ترامب للمقبرة. وقال مغرّداً على تويتر: “لقد قمت بالمساعدة للتخطيط لرحلات أوباما لمدة 8 سنوات. هناك دائماً احتمال هطول المطر. دائماً”.
 
ستكون هناك فرصة أخرى للرئيس ترامب لتقديم احترامه لضحايا الحرب يوم الأحد بزيارة مقررة إلى مقبرة “سورسنس” الأميركية في الذكرى السنوية لهدنة الساعة الـ11 من اليوم الحادي عشر من الشهر الحادي عشر. لكن ترامب لن يبقى لحضور مؤتمر السلام الذي يرعاه ماكرون لجلب قادة العالم لمناقشة سبل تجنب الصراع.
 
وقال فرانسوت هايزبورغ، رئيس المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو منظمة بحثية، “إن غياب ترانب عن المنتدى غداً، ويظهر أنه الوحيد الغائب من بين 72 رئيس دولة ورئيس حكومة، سيكون له تأثير سلبي. فهو الرجل الذي لم يدعِ حتى العمل من أجل السلام”.
 
وقالت الصحيفة إنه في جلسة مدتها خمس دقائق مع الصحافيين قبل اجتماعهما السبت، سعى ترامب وماكرون لنزع فتيل التوتر بشأن مسألتي الأمن والتجارة. وقد أكد ترامب لزائره أن اقتراحه لإنشاء “جيش أوروبي حقيقي” ينسجم مع إلحاح ترامب المتكرر بأن تتوقف أوروبا عن الاعتماد كثيراً على الولايات المتحدة الأميركية في الدفاع عن نفسها.
 
لقد هدمت الحرب العالمية الأولى إمبراطوريات وأزالت ملوكاً وقياصرة وسلاطين. وقدمت الأسلحة الكيميائية والقصف الجوي. وأدخلت النساء في القوة العاملة وجلبت لهن حقهن القانوني في التصويت.
 
وقال ماكرون في مؤتمر صحافي مع ترامب في قصر الإليزيه : “أنا أشارك الرئيس ترامب رؤاه بأننا نحتاج أكثر إلى مشاركة الأعباء في حلف الناتو. ولهذا أعتقد أن اقتراحاتي لدفاع أوروبي (مستقل) تتسق مع ذلك”.
 
وقال ترامب، الذي كان سمّى فكرة جيش أوروبي “إهانة للغاية” في تغريدة له بعد ثلاث دقائق من هبوط طائرته في فرنسا يوم الجمعة، إنه كان سعيداً لسماعه منطق ماكرون. وأضاف أنه “يتفهم أن الولايات المتحدة فقط يمكنها أن تفعل الكثير في إنصاف للولايات المتحدة”.
 
وقالت الصحيفة إن تعليق ترامب قد يكون بسبب فهم مضلل لتعليقات ماكرون خلال مقابلة مع راديو هذا الأسبوع. فقد قال ماكرون في المقابلة إن أوروبا بحاجة للدفاع عن نفسها ضد الولايات المتحدة وكذلك ضد روسيا والصين، لكنه كان يشير إلى التهديدات السيبرانية، وليس إلى الحكومة الأميركية.
 
وجاءت مناقشة فكرة الجيش الأوروبي في وقت لاحق في المقابلة، وأنه يريد من الجيش تخفيف العبء عن أميركا لا أن يقوم بالدفاع عن أوروبا ضد أميركا.
 
لكن ماكرون كان نقدياً في المقابلة بشأن تحرك ترامب لإلغاء معاهدة القوات النووية متوسطة المدى مع روسيا، وهي اتفاقية عمرها ثلاثة عقود قضت على عدد من الصواريخ المتمركزة في أوروبا.
 
واتهمت الولايات المتحدة روسيا بانتهاك المعاهدة ويبدو أن ترامب يركز إذا ما كانت مثل هذه الصواريخ قد تكون مفيدة في احتواء الصين، لكن القادة الأوروبيين يرون الأمر كإعادة التهديد إلى بلدانهم.
 
وقال ماكرون في المقابلة مع الإذاعة: “عندما أرى الرئيس ترامب يعلن أنه سيترك معاهدة رئيسية لنزع السلاح، التي تشكلت بعد أزمة الصواريخ الأوروبية عام 1980 التي ضربت أوروبا، فمن هي الضحية الرئيسية؟.. أوروبا وأمنها.”
 
الاجتماع المتوتر مع ترامب يتناقض مع ظهور ماكرون المشترك في وقت لاحق من اليوم مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. ففي احتفال رسمي في غابة في البلدة الشمالية “كومبيان” حيث وقعت اتفاقية الهدنة في 11 تشرين الثاني – نوفمبر 1918، فقد وقف الزعيمان ماكرون وميركل أمام لوحة تذكارية يحتفلان بالسلام وبالصداقة الفرنسية-الألمانية.
 
إنها المرة الأولى التي يعود فيها زعيم ألماني إلى المكان الذي وقعت فيه هدنة لإنهاء الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية. فبعد هزيمة فرنسا عام 1940، أرغم أدولف هتلر الفرنسيين المهزومين على إعادة نفس عربة سكة الحديد المستخدمة عام 1918 لتكريس هزيمة ألمانيا، وكانت تلك طريقة لإهانة خصمه المهزوم.
 
يوم السبت، دخل ماكرون وميركل في عربة مماثلة تقبع اليوم في داخل متحف وجلسا إلى جانب بعضهما للحظات قليلة. فقد تم تدمير العربة الأصلية خلال الحرب العالمية الثانية ومعظم المكان قد أزيل بناء على أوامر هتلر خلال الحرب. لقد كان الاحتفال بسيطاً لكنه رمزي، وانتهى في 45 دقيقة بعد إنشاد النشيدين الفرنسي والألماني.
 
وقال سيلفان فور، وهو مساعد كبير للرئيس ماكرون: “إن رمزية ذلك هو إنها ليست مسألة انتصار عسكري، أو هزيمة عسكرية، لكنها مسألة صداقة بين فرنسا وألمانيا، وأيضاً أن الجانبين قد تخطا هذه الهزيمة. لقد تخطينا الهزيمة لبناء صداقة دامت 70 عاماً”.
 
فالاجتماع بين ترامب وماكرون في وقت سابق في اليوم نفسه بدا بالتأكيد أكثر برودة من جلستهما الدافئة في واشنطن في نيسان – أبريل الماضي عندما ابتسما على نطاق واسع، وتعانقا وقبل كل منهما الآخر على الخدين وأغدقا بالثناء على بعضهم البعض.
 
خلال ظهورهم القصير أمام الصحافيين، بقي ترامب رسمياً وبعيداً. عندما تجنب لغة حادة أمام الكاميرات، وبدا ماكرون مرتاحاً وربت على قدم ترامب في تقدير له.
 
وقال ترامب من دون حماس الربيع الماضي: “لقد أصبحنا صديقين جيدين خلال العامين الماضيين. لدينا الكثير من المشترك في طرق كثيرة، ربما في طرق أكثر مما يفهمه الناس. لكننا متشابهون كثيراً في وجهات نظرنا.”
 
وأشار ماكرون إلى ترامب واصفاً إياه بـ”الصديق الجيد” وقال إنهما “عملا معاً بشكل وثيق جداً” في مواجهة استخدام سوريا المزعوم للأسلحة الكيميائية. وقال: “إن شعبنا فخور جداً بوجودك هنا”.
 
وقالت نيويورك تايمز إن نقطة الخلاف الرئيسية بينهما هي قرار ترامب بإعادة فرض العقوبات على إيران بعد انسحابهم من الاتفاق المتعدد الجنسيات الذي يهدف لكبح برنامج إيران النووي. فالفرنسيون يريدون استمرار الأعمال التجارية مع إيران وهم مستاؤون من ضغوط الأميركيين عليهم.
 
لقد أعفت إدارة ترامب ثماني بلدان من العقوبات، ولم تكن فرنسا بينها. وقد اشتكى أحد مساعدي ماكرون الكبار من بلطجة واشنطن في وقت سابق هذا الأسبوع. وقال ويزر الاقتصاد الفرنسي برونو لومير لصحيفة فاينانشيال تايمز: “ترفض أوروبا أن تكون الولايات المتحدة شرطي التجارة في العالم”.
 
ولا يزال الجانبان على خلاف حول قضايا التجارة الأوسع كذلك. سيد في حالة السيارات المصنعة في أوروبا. فقد قام ترامب برفع تعريفات الصلب والألمنيوم على أوروبا والشركاء التجاريين الآخرين، وهدد برفع التعريفات الجمركية على السيارات المصنعة في أوروبا.
 
وقال ترامب إن المفاوضات بشأن حرب الرسوم الجمركية واعدة. وأضاف: “لقد حققنا الكثير من التقدم. سنرى إذا كنا نستطيع تجاوز الأمر، كما يقولون.”
 
ولا يزال ترامب غير شعبي في أوروبا، وبخاصة في فرنسا، حيث 0 في المائة فقط يعتقدون أنه يقوم بالأمر الصحيح في العلاقات الدولية، بحسب استطلاع لمركز “بيو” البحثي.
 
وقد عزز لا مبالاة الرئيس الأميركي للحساسيات الأوروبية تقرير في صحيفة “لو موند” الفرنسية، قال إنه في لقاء مع قادة أستونيا ولاتفيا وليتوانيا في وقت سابق من هذا العام، خلط ترامب بين دول البلطيق ودول البلقان ولامهم على الحرب في يوغوسلافيا في تسعينيات القرن العشرين.
 
وقالت كارين دونفريد، رئيسة صندوق مارشال الألماني التابع للولايات المتحدة: “إن ماكرون يفهم أهمية الحفاظ على العلاقة مع ترامب. ولكن محلياً، قد يكون من الأفضل له أن تبرد العلاقة الدافئة بشكل واضح.”
 
وقال تشارلز أ. كوبشان، وهو مستشار سابق للرئيس أوباما في شؤون أوروبا: “لقد تخلت أوروبا عن كل شيء مع ترامب وهي تركز بدلاً من ذلك على تطوير “استقلالها الإستراتيجي” كي تصبح أقل اعتماداً على الولايات المتحدة.
 
وأضاف: “قد يكون ترامب قادراً على الحفاظ على علاقات عمل لائقة مع حكومات شعبوية في إيطاليا وبولندا وهنغاريا. لكن البقية في أوروبا قد استقالوا على مدار الساعة، وهم يأملون ويصلون بأن ترامب سيكون رئيساً لولاية واحدة فقط.”