بين الاستنفاذ والاستنزاف.. بقلم: سامر يحيى

بين الاستنفاذ والاستنزاف.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٤ نوفمبر ٢٠١٨

أذكر في السنة الأولى جامعة وأنا متفاعلٌ جداً، عندما طُلِبَ منا تقديم أبحاثٌ علمية مختصرة لبعض المواد، وقد أعددت بحثاً لا يتجاوز العشرين صفحة، لكنّما فوجئت بردّة فعل المدرّس المفاجئة القائلة "هل تظنّ نفسك تقدّم رسالة دكتوراه، أم تظنّ أنك ستخرج "الزير من البير"، ثلاث صفحاتٍ كافية، فهو بحثٌ روتيني". 
لا زلت أشعر بالألم لموقف هذا الأكاديمي الذي هو مثال حيٌ على الكثير من الأكاديميين لدينا، الذين يتجاهلون أن الجامعة لنيل العلم لا مجرّد نيل العلامة، وأنّها أعلى قمة الهرم الأكاديمي، لا مجرّد ورقةً كرتونية، ودورها العمل على إعداد كفاءات بشرية متخصصة قادرة على تحمّل مسؤوليات الحياة العلمية والعملية، وتساهم في تنمية البحث العلمي والمعرفة بشتى أشكالها، واسقاطها على المجتمع لتطوير أدائه، عبر التشاركية الفعّالة بين الأكاديمي والطالب والمؤسسات الوطنية، مما يمكنّ من تخريج جيلٍ جامعيٍ قادرٌ على العمل وإدارة المؤسسات بكفاءةٍ عاليةً ومهارة تختصر الكثير لتحقيق ربط سوق العلم بالعمل بشكلٍ فعّال، لا سيّما ونحن أحوج ما نكون لذلك في مرحلة إعادة إعمار البشر والحجر.  
إنّ المؤسّسات الوطنية المفترض بها أن تخرج بأفكارٍ تتناسب المرحلة التي نمرّ بها والمستقبل الذي نطمح إليه، فكيف بمؤسسة كوادرها من أعلى الشهادات الأكاديمية، وتخرّج كوادر لكافّة المؤسسات الوطنية وقطّاعات المجتمع باختلاف أنواعها، هل من المنطقي أن تكون قراراتها غير متوازنة، وتصريحاتها متضاربة أو متناقضة أو حتى سلبية، وآخرها وضع الطالب أمام خيارين الالتحاق بسوق العمل أو نيل العلم، متجاهلةً أن التعليم المفتوح تم افتتاحه من أجل حلّ هذه المعضلة والمفترض أن يتم تطويره على هذا الأساس، لكنّه صار جزءاً من التعليم النظامي، وبالتالي أفقده جوهره. 
تتذرّع بقلّة الأساتذة المشرفين على الشهادات العليا الأكاديمية، متجاهلةً أن دور الدكتور الجامعي الإشراف على الرسائل الجامعية بالتعاون مع نظرائه في كليّات القطر كافّة، ومراكز الأبحاث والمؤسسات الوطنية، ومن الخطأ الفادح أن تعجز مؤسسةً بهذا الحجم عن تنظيم هذه العملية لتحقيق هدف الدراسات العليا ربط العلم بالعمل، عبر تقديم أبحاثٍ قابلةٍ للتطبيق على أرض الواقع، ورسالة تربط بين التخصص العملي والرغبة العلمية. 
 يزعجك أنّ أكاديمي يبرّر سوء إدارته لمنصبه بالحصار المفروض على سوريتنا، وهجرة بعض المدرّسين، متجاهلاً أنّها معاناة كل القطّاعات الوطنية العامة والخاصة، لكن توجد ميّزة لدى مؤسسات التعليم وهي المشافي الجامعية المفترض إن تم استغلالها بأخلاقية ووطنية، لحققت استثماراً حقيقياً وجدياً ورفعت مستوى الأداء والخدمات للطلبة والمختصين والمجتمع على حدٍّ سواء. 
 من ناحية ثانية غالبية الجامعات ومراكز الأبحاث المتقدّمة تنشر أبحاثها ودراساتها ونتائج عملها على الشبكة العنكبوتية، وليس من الصعب بل بات متاحاً لكل الأكاديميين والطلبة الحصول على تلك المعلومات، عدا عن تفعيل المجلاّت الجامعية، ونشرها لو الكترونياً، ضغطاً للنفقات على الأكاديمي والطالب بآنٍ معاً، وعند تذرّع البعض هل يعقل كل ثلاثة أشهر أن يعد الأكاديمي بحثاً أو ورقة عمل، متجاهلاً أن الأكاديمي المفترض أنه خلال مسيرته العلمية وتساؤلات طلابه، قد خطرت بباله أفكاراً وتساؤلات وفرضيات تحتاج الكثير من البحث والتمحيص والتدقيق للإجابة عليها، لا سيما عندما تكون المكتبات والمكتبة الالكترونية والشبكة العنكبوتية لدى الجامعات والكليات متخصصة لفتح المواقع العلمية والأكاديمية دون غيرها من المواقع التي تحرف الانتباه عن نيل العلم والمعلومة. أما التعليل بالوضع المادي، فأولى مهام البحث العلمي والأكاديمي تفعيل العجلة الإنتاجية والعلمية في البلد، وبالتالي ستكون جزءاً أساسياً من تفعيل دور كل المؤسسات الوطنية، وسينعكس ذلك على الدخل القومي الذي ينعكس بدوره على كل أبناء سوريتنا بما فيهم الأكاديميين، وتزداد حصّة البحث العلمي بشكلٍ بنّاء، 
إن تفعيل دور مديرية العلاقات العامة والمتابعة الجديّة لدى كل مؤسسة تعليمية بما فيها وزارة التعليم العالي، لمتابعة كل ما يتعلّق بالتعليم العالي وتنفيذ خطّته الدرسية والعلمية، بما يساهم بتسهيل حلّها وتسريعه، لا سيّما إن فعّلت مجلس التعليم العالي باجتماعات دورية أسبوعية، عبر شاشة تلفزيونية لتضمّ كافّة المسؤولين بما فيهم رؤساء الجامعات ونوابهم وعمداء الكليات ونوابهم، لمناقشة كل ما يتعلّق بالعملية التعليمية والإدارية على حدٍ سواء، بما فيها تحقيق الاستقرار في العام الدراسي، وأن تبدأ المفاضلة الأولية فور صدور نتائج الثانوية مباشرةً وبعد فترةٍ لا تتجاوز العشرون يوماً للمفاضلة النهائية، وتبقى مسألة تتمّة المقاعد نادرةً ومختصرةً وبالتالي نقطع الطريق على الكثير من السلبيات التي تعاني منها الجامعات، وتحقّق الاستقرار النفسي للطالب والمدرّس بآنٍ معاً، وبالتالي تحقيق الهدف الأسمى من العملية التعليمية، وتصبح الاستثناء هي القلّة ويمكن معالجتها ببساطة وهدوء ودون أيّة مشكلات أو استنزاف لمقدّرات الجامعة والأكاديمي والطالب على حدّ سواء. 
ومن الأفكار المفيدة لتخفيف العبء عن المدرّس بأن يتم تصحيح المواد ضمن الحرم الجامعي، ضمن مكاتبٍ مخصّصة لذلك، وبالتالي تختصر الوقت عليه وعلى الطلبة وتسريع عملية إصدار النتائج. 
إن مؤسسة التربية المفترض أن تهيئ الجيل أخلاقياً وتربوياً وتؤهّله للمرحلة الأكاديمية، وبالتالي دور المؤسسة التعليمية التعاون مع كافّة المؤسسات الوطنية بتفعيل دور المؤسسات العلمية والبحثية بالشكل الفعال، ونحن قادرون على فعل ذلك بالإرادة الوطنية وضمن الإمكانيات المتاحة والموارد المتوفّرة والظروف المحيطة، وسنجني بفترةٍ قصيرةٍ جداً نتائج مثمرة.